صحيفة المثقف

بكر السباتين: لعبة (البوكيمون) وزيارة السعودي أنور عشقي إلى الكيان الإسرائيلي!

bakir sabatinهل هو بالون اختبار؟ .. بعيداً عن السياسة نتذكر ونحن صغار كيف كنا نتخيل بأن ديار الحرم المكي مفتوحة على السماء، وما زلنا نعتبر السعودية قبلة الإيمان والعدالة الربانية لكونها الحاضنة المقتدرة للحرمين الشريفين.. والراعية لمناسك الحج والعمرة، وما يجري في تلك الديار يعد حدث عظيم مهما صغر، وكانت السعودية في اللاوعي الفلسطيني الجمعي تمثل في قلب اللاجئ الفلسطيني ذلك السياج الآمن لهويته المعنوية.. فنستذكر في سياق الصراع العربي الإسرائيلي موقف الراحل الملك فيصل حينما قطع البترول عن العالم الغربي المتواطئ تاريخياً مع الصهيونية منذ (سايكس بيكو) على تقسيم الوطن العربي بين فرنسا وبريطانيا، ربما احتصلت الدول العربية بعد ذلك على استقلالها إلا أن فلسطين سقطت في براثن مؤامرة عالمية تعد من أهم مخرجات الحرب العالمية الأولى، إذْ منحت إبان الانتداب البريطاني عليها إلى العصابات الصهيونية (الهاجناة) بموجب وعد بلفور المشئوم عام 1917 . الذي منحه من لا يملك لمن لا يستحق.. لكنها مبادئ علمها المفكر السياسي الإيطالي ميكافللي لقوى الاستعمار الغاشم "في أن الغاية تبرر الوسيلة".. ليوضح جوهر هذه المقولة فيما بعد اللاجئ الفلسطيني الأشهر على صعيد الفكر العالمي المعاصر، البروفسور إدوارد سعيد في سياق وصفه لوسائل الاستعمار من خلال طرحه للكوليانية وكيف يمهد الجاني لاقتناص الضحية من خلال المراوغة، وكانت فلسطين هي الأنموذج الأوضح الذي سيغذي النظريتين بمعطيات الواقعية والوضوح.

السعودية تعاملت مع مخرجات نكبة فلسطين بادئ الأمر بمسؤولية تتناسب ومكانتها الدينية حينما كانت كل الأنظمة العربية الناشئة آنذاك تستظل بالفكرة القومية (التي ضربت في وقتنا الحالي بالمشروع القطري العربي السايسبيكي)، فاستقبلت السعودية الفلسطينيين الذين ساهموا في بناء البنى التحتية للملكة باقتدار، ولم يخطر ببال أحد منهم بأن سقوط مصر المدوي في براثن الصهيونية سيعقبه تداعيات أشد خطورة، بتهاوي الأنظمة العربية التي كانت تقف بقوة إلى جانب الحق الفلسطيني بدءاً من صدام حسين وصولاً إلى جبهة الصمود والتصدي التي كانت تشكل سوريا مركزها. وبغض النظر عن موقفنا من تجبر نظام الأسد وجرائمه التي جلبت الدب إلى كرمه (ولنا في ذلك وجهة نظر) إلا أن سوريا (الحق يقال) بعيداً عن لعبة *(البوكيمون) الإعلامية الوهمية، خضعت لمؤامرة دولية كونها بذريعة أنها قمعت الشعب السوري كرد فعل على الربيع العربي الذي توعد النظام السوري بالسقوط، لكن واقع الأمر وإن أخذنا بالذرائع السابقة؛ يشير إلى سبب أكثر إقناعاً مرده إلى أن سوريا كانت الراعية للمقاومة ضد الكيان الإسرائيلي، وذلك من خلال عدم توقيع سوريا اتفاقية سلام مع الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين. إضافة لرعايتها للمقاومة الفلسطينية اللبنانية وخاصة حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله، وبالتالي تأمين رأسيْ حربة المقاومة (حزب الله والمقاومة في غزة) بالتنسيق مع إيران بما يلزمهما من المال والسلاح.. وقد تجلى هذا الدعم بأبهى صوره أثناء التصدي لهجومي عام 2006 في جنوب لبنان، والجرف الصامد (العصف المأكول في غزة) وقد تراوح حينها الموقف العربي المعتدل ما بين الإدانة الخجولة للمعتدي الإسرائيلي، أو المساندة اللوجستية له، كما جرى في موقف مصر مبارك والسيسي إزاء غزة المحاصرة عربياً وإسرائيلياً، وكما قلنا بعيداً عن دعاية لعبة (البوكيمون) الوهمية التي تقوم على قلب الحقائق ومزج الخيال بالواقع للخروج بنظرية أن الكيان الإسرائيلي أصبح موجوداً بحكم الأمر الواقع بينما المقاومة أمست هي المخالفة للمنطق؛ ما استوجب (في نظر قوى الاعتدال العربي) تقليم أظافرها، في منطقة يطمح ليكون هذا الكيان الصهيوني المحتل، الوصي عليها اقتصادياً وأمنياً، هذا الكيان المتغطرس الذي انضم إلى نادي باريس ومجموعة الدول الدائنة العشرين، ليبذل جهوداً حثيثة في محاولة شراء ديون مصر كي يتحكم بسياساتها الداخلية والخارجية بما يخدم مصالحها. فضلاً عن أن هذا الكيان المراوغ بات يمتلك كل مفاتيح اللعبة في في الشرق الأوسط بدءاً من تحكمه بمشروع سد النهضة الأثيوبي وصولاً إلى تحريك فزاعة التمدد الشيعي الفارسي (وهذا مبحث آخر فيه من الصواب بقدر ما فيه من المغالطات الإعلامية الاستخبارية) إضافة لفزاعة الإرهاب الإسلامي الذي وصل حده في مصر السيسي إلى درجة (فنتازية) ليختار في مناورة سلاح الجو الأخيرة نموذج مسجد كامل التفاصيل، واقتحامه من قبل المتدربين بالأسلحة الحية، ليرسخ في عقل الجندي المصري المغلوب على أمره هذا العدو الموهوم ، ما يشكل انتهاكاً للعقل العربي المغيب تماماً، وكأنه إعلان رسمي بأن الإرهاب الإسلامي هو عدو مصر الوحيد، أما الكيان الإسرائيلي فبات الحليف الاستراتيجي والداعم اللوجستي لنظرية الأمن العربي، وخاصة الخليجي، حتى وصل الأمر بملك البحرين لأن يعلن في وقت سابق بأن هذا الكيان المحتل لفلسطين، والقاتل لشعبها المغبون "يمثل صمام الأمان ضد التمدد الإيراني في المنطقة".

كيف ذلك!؟ وأين فلسطين من هذا!؟ وكما يبدو فقد غدت هذه الأرض السليبة، في تداعيات الهرولة العربية إلى الكيان الصهيوني، عقبة كأداء في طريق الاعتدال العربي، ومبادرته السلمية التي أطلقتها جامعة الدول العربية مسبقاً، فوجب بناءً على ذلك التخلص من ملفها إلى الأبد؛ بالمراوغة من خلال الأوهام وإطلاق بالونات الاختبار والتراجع إلى فخ السلام المنصوب، كأن هذه الدول في سياساتها تجاه الحق الفلسطيني المنتهك، تمارس لعبة (البوكيمون) التي تفرض على العقل العربي وجود أعداء وهميين ينفذون المؤامرات وآخرون مثل الكيان الإسرائيلي قد تبين في "نظرهم!!!" بأنهم حملان مظلومة يتربص بها طفل يقارعها بحجر.. وهذا منطق مقلوب آخر لا يمكن فهمه في سياق القانون الدولي والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وتكمن فيه أسئلة محرمة ليس هذا مكانها الآن.

كيف نفهم إذن موقف عرب الاعتدال المتحالف مع الكيان المغتصب لفلسطين بينما إيران وحزب الله والمقاومة الفلسطينية يتصدون للمحتل الإسرائيلي، إما مباشرة كما جرى في حرب ٢٠٠٦ أو من خلال دعم المقاومة الفلسطينية في غزة.

أما عن الموقف السعودي المفاجئ، فلا بد قبل كل شيء أن نوضح بأن الكيان الإسرائيلي لم يكن يحظى منذ احتلاله لفلسطين عام 1948 باعتراف السعودية. بل كانت إلى وقت قريب يعتبر العدو. لولا التقاء الطرفين في الأهداف والمصالح إبان الأزمة السورية على عدو مشترك جديد يتمثل بمحور إيران، سوريا، حزب الله، هذا إذا أدخلنا المقاومة الفلسطينية في غزة (حماس والجهاد الإسلامي) في سياق هذه المعادلة من باب تلقيهما الدعم اللوجستي من قبل إيران وحزب الله (وأحياناً قطر وتركيا) باعتراف القائد الحمساوي محمود الزهار الذي ما زال يمثل حلقة الوصل في هذه العلاقة اللوجستية.

وعن تعطش الاعتدال العربي لبناء علاقة رسمية مع الكيان الإسرائيلي، ومنها السعودية؛ رغم إعلانها الرسمي خلاف ذلك؛ فالشواهد تشير ببنانها إلى أنها تستعد لفتح الطريق أمام علاقة رسمية مع هذا الكيان في إطار علاقة سلام بموجب الطرح المتمثل بالمبادرة العربية للسلام التي أطلقتها جامعة الدول العربية، وهو الإعلان ذاته الذي تبنى "الرئيس المصري" عبد الفتاح السيسي جوهرها ليركز على فتح باب المفاوضات مع كافة دول الاعتدال العربي وخاصة الخليج العربي من باب ضمان أمنه في إطار منظومة أمنية إقليمية، لمواجهة العدو المشترك المتمثل ب" إيران" وخاصة بعد تلميحات أردوغان عقب محاولة الانقلاب الفاشلة التي تعرض لها، بتمتين علاقة تركيا الاستراتيجية مع كل من روسيا وإيران.

والسعودية التي تواجه الأجندة الإيرانية عسكرياً في اليمن، وسوريا لن تكترث بالوجع الفلسطيني كما يبدو حسب أولوياتها الأمنية والإستراتيجية، على اعتبار إن المحتل الإسرائيلي بات يمثل الحليف الممكن والرادع للتمدد الفارسي الشيعي، وهو ما أكدت عليه دائماً تسفي لفني. من هنا وللخروج من موقف الحرج فقد عمدت السعودية كما يبدو إلى إطلاق بالونات الاختبار لقياس الرأي العام العربي تجاه خطوة كهذه، لذلك غضت الطرف عن زيارة الوفد السعودي غير الرسمي برئاسة الجنرال المتقاعد أنور عشقي (هآرست) رئيس مركز الدراسات الإستراتيجية مع وفد من رجال الأعمال والأكاديميين، إلى القدس، بذريعة دعم الأسرى الفلسطينيين الذين لم يحظوا بزيارة الوفد التفقدية وإن التقى عشقي بعباس في رام الله من باب التمويه والإيهام. ولا أدري كيف يتفق هذا مع لقاءاته مع أعضاء الكنيست الإسرائيلي!! ولكنها أصول لعبة (البوكيمون) الوهمية، ورغم الإعلان السعودي الرسمي بعدم معرفته المسبقة بهذه الزيارة إلا أن المؤشرات والمعلومات تؤكد وجود تنسيق سريّ بين الطرفين،

لقد التقى أنور عشقي المستشار السابق للحكومة السعودية بمدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلي المرشح دوري غولد في واشنطن، والذي طلب منه عرض رؤيته (الشخصية) في مجابهة الخطر النووي الإيراني المحتمل وإجهاضه مسبقاً، واعداً السعودية بتقديم الدعم (الوهم) التكنولوجي النووي لها كي تقيم متاريسها النووية إزاء العدو الإيراني (البديل للعدو الإسرائيلي السابق)، وكأن هذا الوعد يلزم الكيان الإسرائيلي بشيء دون أن يدرك هذا الجهبذ السعودي بأنه من سابع المستحيلات حدوث ذلك لا على كافة الأصعدة.

وفي ذات السياق فقد أكدت تقارير إخبارية هذا التعاون على صعيدي الدبلوماسية والاستخبارات بين السعودية و الكيان الإسرائيلي. وذكرت صحيفة (نيويورك تايمز) في وقت سابق أن المملكة العربية السعودية ستسمح للقوات الجوية الإسرائيلية بعبور مجالها الجوي لقصف إيران وتم نفي الخبر من الدولتين في حينه.

ثم طفت أخيراً على السطح أخبار عملية (أولندي ماعوف) السعودية الإسرائيلية السرية عام ١٩٨١ والتي نفذها الطرفان لإنقاذ البارجة الحربية الإسرائيلية حينما علقت بالخطأ في (مضائق تيران) وكانت في طريقها من حيفا إلى إيلات.

وعودة إلى الموقف السعودي الذي يلاقي كل التشجيع من أطراف (كامب ديفيد) و(وادي عربة) و(أوسلو) ليمضي في طريق التسوية من خلال المبادرة العربية، على غرار مصر التي وضعت كل بيضها في سلة الرهان على دور الكيان الإسرائيلي الأمني إزاء المحور الإيراني، فقد ذهب أحد أقطاب الاعتدال العربي،الرئيس السيسي بعيداً في علاقته مع الكيان الصهيوني دون أن يتخيل نفسه في غمرة خوفه من انقلاب الجيش عليه إثر قمعه الوحشي لجماعة الأخوان المسلمين؛ التي حظرها، بأنه سيصمد على سدة الحكم بدون ضمانات هذا الكيان الأمنية له، بالمقابل فقد قدم لأجله الكثير من التنازلات المشينة، من ذلك مثلاً: ضربه المعارضين " الإرهابيين" له في سيناء، وجرف البيوت في رفح المصرية، وإغراق الأنفاق بين غزة ومصر بمياه البحر، ناهيك عن بيع الغاز المصري للكيان المحتل بسعر زهيد، وأخيراً دور مصر بتعزيز مبادرته السلمية الجديدة لقطع الطريق على المبادرة الفرنسية المرفوضة إسرائيليا كونها ستدفع بالملف الفلسطيني إلى التدويل! كذلك الأردن الذي فتح كل أبوابه للتطبيع الشامل مع ذات الكيان المحتل والدخول بالتالي في مشاريع مشتركة عملاقة معه كقناة البحرين، حيث شرع لأجل تنفيذه قانون الاستثمار الأردني الأخير المرفوض شعبياً رغم مصادقة البرلمان الأردني عليه.

ويبدو أن حسابات دول الاعتدال العربي لا تأبه بتفاصيل الملف الفلسطيني الذي تراكم عليه الغبار،

وكأن الدبلوماسية العربية العمياء لا ترى بأن الحق الفلسطيني أقوى من الجميع.. وهو موروث من قبل الأجيال الفلسطينية المتعاقبة فلا يموت بالتقادم.. ويدرك صاحب الحق بأن السياسات تتغير والمصالح تتبدل، فمن كان يصدق بأن تركيا ترغمها المصالح( وفق رؤية ميكافللي) بالتحول في مواقفها إلى العكس تماماً.

وأخيراً! فالدم الفلسطيني لا رثاء له إلى عند الشرفاء المتمسكين بالحقوق الفلسطينية المشروعة.. ولعل أهمها حف العودة، وهو ما يخيف الكيان الإسرائيلي حتى لو رصفت المبادرات العربية طريقه بالذهب.

وللحديث بقية..

 

بقلم: بكر السباتين

......................

*لعبة البوكمون: وهي لعبة مرتبطة بالإنترنت.. فيقوم اللاعب بمطاردة إحدى شخصيات (البوكيمون) الوهمية الشهيرة على خارطة المكان المنقولة مباشرة على شاشة الهاتف النقال المتطور، فيتعقب اللاعب إحداثيات وجود الهدف المتنقل، ليطارده كالمهووس في الطرقات أو في أرجاء المكان المحيط به.. إنه مزج بين العالمين الواقعي والافتراضي.

وقد استحوذت لعبة "بوكيمون جو" خلال أيام قليلة من إطلاقها على عقول الملايين حول العالم، وحققت أرقاما فلكية في عدد مرات التحميل.

شركة "ننتيندو" المطورة لها والتي كسبت بفضلها 7.5 مليار دولار في يومين فقط، ومع الشهرة الواسعة التي حققتها لعبة "بوكيمون جو" الجديدة الا أنها لا تخلوا من المخاطر الأمنية.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم