صحيفة المثقف

عبد الجبار العبيدي: لغة الحوار والعنف بين العراقيين ضرورة لابد منها

abduljabar alobaydiسمعت من صديق مقرب لي عاشرته سنين كلمة لن أنساها أبدً يقول: "مهما أختلفنا أنا بدونك لن أعيش".كلمة هزت مشاعري وجعلتني افكر بالذي قال، وكأني عشت مع الكلمة سنين.

قررت ان أكتب في لغة الحوار والعنف بخصوصية للعراقيين الذين عشت معهم كل عمري ولم أحصد منهم غير صد السنين..لماذا نحن العراقيون نختلف عن الأخرين؟

هذه فرصة استغلها اليوم لأكتب عن الحوار والعنف بين العراقيين، بعد ان تقطعت الاسباب، وفسدت العلاقات، وساءت الأمور، وقست القلوب، وأقتحم الانسان العراقي كل شيء متجاوزاً الحدود، لا يراعي عهداً ولا ذمة، ولا يحترم ديناً او رحماَ .

ولعل حواراتهم التي يطرحونها اليوم عبر الصحف وشبكات التلفاز والندوات والفيس بوك، ويروجون لها، لا يهدفون منها سوى تهدئة الأعصاب، وأشاعة مشاعر التواصل، والعودة بالناس أفراداً وجماعات الى الأصول لأصلاح ما فسد ووصل ما أنقطع .

ولا نشك ان الحوار كان ولا يزال وسيلة كريمة، يفرض بها ان تتوسل الكثير من الحكمة والأناة والمرونة، وانه لمن قديم الزمن، يلجأ اليها الأنسان ويستعين بها ليقرب وجهات النظر بينه وبين من اختلف معهم، ليفتح ما أنغلق من منافذ التفاهم، ويواصل خطوات التعاون، ويغلق ابواب الخصومة، ويسدد ويقارب ويعود من جديد الى أستئناف حياة طبيعية تتحسن معها العلاقة، وتتجدد الانشطة، ويحلو البناء والتطوير، فاليد الواحدة لا تصفق..بل المستحيل؟.

كل هذا يمثل شكلاً من أشكال الدعوة الى الحق، ومنهجا من مناهج النضال ضد الفساد والباطل والشر والخيانة،  في مجتمع يخال فيه الانسان، ان سحائب الرحمة أوشكت ان تغيب، وان فيوض اللطف تكاد ان تنقطع، علما ان الله الذي أنشأ دورات الكون، بما يحفظ له أنتظام حركته، ويضمن استمرار مظاهر الحياة فيه، ويكفل للانسان بقاءه، وهو نور الكون، وقيوم الوجود الذي لا تأخذه سنةُ ولا نوم، والذي عم خيره الكائنات، وشمل فضله كل شيء، بهذا التوجه تتبين لكم الرؤية الجديدة للصراط المستقيم، والمعروف والمنكر، والحق والباطل.

"كل شيء هالك الا وجهَهُ، القصص88"

والواقع ان الدعوة الى الحق، هي هدف كل مؤمن مصلح صبار، وأنه ليلتمس لها كل سبيل، ويستعين اليها بكل وسيلة أستجابة لامر الله، الذي لا يرضى لعباده الباطل، ولا يحب الفساد والخيانة، وذلك ليخفف من مظاهر الشر، ويقلل من عوامل الفتنة، ويساعد ما تيسر له في بلسمة جراح الناس، وكفكفة معاناتهم المعاشية

والاجتماعية، ويسلك معهم سبيل الرشاد والصالحين، وبهذه الدعوة تزول البغضاء ويختفي العنف.وفضلا من ان الدعوة الى الحق مفتاح مبارك، يخول حامله شق طريق الخير والبر، وفتح باب الرحمة واللطف، والرعاية الربانية، وهو لابد مع الاستعانة بالله، وحسن القصد، وطيب الخلق والصبر، واصل الى النور والهدى، ثم الى الفوز بالرضى العميم .

فماذا لو ان الذين جاؤا بعد 2003 لحكم العراق كانوا وطنيين منصفين، راعوا الحق والعدل و الانسان والوطن، اما كان افضل لهم من نهب اموال الناس والعباد وتخريب الوطن ودخولهم في مسار الظالمين .ماذا لو ان الكويتيين نهبوا اموال الدولة والتعويضات ولم يمنحوها للمواطنين، كيف حالهم اليوم، مع ان حالهم اليوم بهذه العدالة المتبعة عندهم اصبحوا مضرب الأمثال عند الخييرين. لمَ لم يفكر الحاكم العراقي بما فكر به جابر الاحمد ورهطه المخلصين للكويت والكويتيين؟ أنقص في الثقافة فينا، ام عرقُ هجين..؟ اين الدين والقرآن والمرجعيات الممثلة للصالحين؟أين آيديولوجية اهل البيت والصحابة الذين يلطمون عليهم كل حين . لا عتب عليهم ..أهل البيت والصحابة براء منهم الى يوم الدين؟ اذا كانوا هؤلاء يمثلون الصوم والصلاة والدين فأنا من عبدة بوذا والتماثيل..؟

ألم يرفض الامام الحسين(ع) مغريات الآمويين؟ ألم يرفض الأمام الكاظم(ع) مغريات هارون الرشيد؟ ألم يرفض عبد الكريم قاسم، مغريات الأوربيين؟ لماذا قتلوا كلهم ..وفضلوا الموت على ان لا تهان كرامة المخلصين . الفعل دوما دليل الاصل عند الرجال الأصلاء الذين جاؤا من معادن الذهب واخلاص المخلصين..نحن نأسف حتى على العراقيين هنا الذين يقبلون دعواتهم، وهم يعلمون انها من دماء الفقراء المعوزين والنازحين ..اذن لماذا يعبدون ويصلون ويحجون؟؟

مثل هذا التوجه الصحيح، يمارس الانسان فيه دورا حوارياً ينأى مع كل قارىء او سامع، حصيف واسع المدارك، يطلب الحق وينشد المعرفة الصحيحة، بعيدا عن التشنجات، ومجرداً من العواطف والأحاسيس المسبقة التي تحمل الحب او الكراهية، القبول او الرفض، لأنه يعالج موضوعات هامة تتصل بالكتب السماوية الثلاثة التوراة والأنجيل والقرآن العظيم، وانه لا ريب ستفتح له آفاقاً جديدة، وتدخل به في اجواء من المقابلة والمقارنة والدرس والتمحيص، وتبعث لدية افكاراً تتصل بالعلاقات الاصلية بين الناس، لتعود به الى الجذور وتكشف له اموراً ما كان بأمكانه الوصول اليها، الا بمثل هذه القراءة، وتهديه الى معالم نورانية تريه الحقيقة ناصعةً فيقدرها حق قدرها، ويبدأ يعلم ان الفكر من أين ينبغي له ان يبدأ.فضلاً عن انه سيرى الطريق الصحيح، الذي يتحتم عليه سلوكه، ان كان ينشد الرشاد، والفوز بالقناعة والرضى والطمأنينة فلا ينحرف ابداً.

ان الحوار طريق علم وبحث يعتمد الوثائق، ويرتكز الى الفكر المجرد، ويحاول بهديها الوصول الى الحق، لتبرز امامه الكثير من القضايا التي هي على جانب كبير من الدقة والضبط والامانة والعمق والأهمية..ويكفي ان يكون في مقدمتها الانصاف والتجرد والتخلي عن مشاعر الحقد والفرض، وكذلك الأجتهاد في كشف الحقائق بالأدلة التي لا سبيل الى ردها والطعن بها.

نتمنى ان يقرأ القارىء اللبيب ما كتبناه بروح الموضوعية والتجرد، ليترك لنفسه ما اثرناه من الموضوعات الجيدة ليعمل بها وينجو من خطأ الاعوجاج..

بهذه التوجهات السديدة تستطيع اخي القارىء او السامع ان تفيد وتستفيد، وتكسب العلم والمعرفة والعلم الذي ينشده الحق وبها تهتدي الى سبيل الرشاد. الله هو الحق...؟

بهذه التوجهات السديدة ستكتشف ايها القارىء العزيزفكرة الحقيقة المنشودة في الحياة، فكرة الخالق وموازين الاعتدال، فكرة الكون والتطور،، فكرة الاستقامة والأعوجاج، فكرة القضاء والقدر وكل موازين الحياة. وتهتدي بقول الحق: " لقد جئناكم بالحق ولكن أكثرهم للحق كارهون، الزخرف 78".

أما العنف والتعصب:

فمرده الى الخلاف والجهل، والخلاف دوما ينتج من اختراق الحدود الفكرية المستساغة منطقيا، والجهل من فقدان المعرفة، والتي لا يستسيغها الهوى النفسي والانفعال الذاتي، لذا لابد من دراسته ومعرفته بمعرفة أسلوبه الموضوعي لاعتماده وتطبيقة والتزود به، ليكون الحق فوق الباطل، والاستقامة فوق الاعوجاج

، والعقل فوق العاطفة، والقناعة فوق التردد...والامانة فوق الخيانة، والوطن فوق المكاسب الشخصية . كلها امور نفتقد اليها اليوم في حياتنا اليومية. وهكذا ضيعنا الوطن..؟

هذا الموضوع الذي اجتهدنا ان نكتب فيه، هوفي نظرنا قيمة فكرية وانسانية صالحة ومخلصة، بحمد الله كان لنا فيها نصيب، حين رفضنا الباطل، والمال الحرام، وخيانة الوطن، ولم ننحني للأعوجاج والباطل رغم المغريات حتى لا نكون من المقربين لدياجير الظلام والضلال، والانحراف وبهتان الازدراء والشر اللعين.

ايها العراقيون:

ان لم تسلكوا هذا السبيل سيضيع وطنكم، واجيالكم ومستقبلكم، وتصبحوا مشردين، لا امل لكم في حياة كريمة بها تتمتعون مثل كل العالمين ....؟

فكروا قليلا قبل ان تسقطون ...بيد جلاوزة الخضراء الملاعين؟

 

د.عبد الجبار العبيدي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم