صحيفة المثقف

علاء هاشم مناف: حدث الرؤية والأداة عند الروائي المصري محمد إسماعيل جاد في رواية الورشة

حدث الرؤية والأداة عند الروائي المصري محمد اسماعيل جاد في رواية الورشة ما يتعلق بالجنس الادبي وفي الرواية حصراً وسياقها الزمكاني الذي نشأ فيه الروائي باعتباره اختياراً حتمياً، ولم يكن هناك أي تردد، ولكن دون أن تتجاوز الحفريات الشخصية الادبية والروائية حصراً. هناك الموقف المشيدّ للحدث الروائي، وقوامه المزاوجة بين الإفادة والإطراح ومن أجل أن نرى الإفادة من القوانين السسيولوجية التي حددها الروائي عبر الرؤية الجادة والصادقة في ابداعه الروائي وصياغاته الحتمية للواقع السسيولوجي ، وكيف كان الروائي يستلهم الظروف الاختلافية التي احاطت بالحدث السسيولوجي، فالروائي بهذه الرؤية المرتقبة، هو يستكمل الكشف عن حضور الموروث بل التحريض عليه عبر هذه الرؤية من منظور تأسيسي يعد غاية في التفصيل والإبانة والاستكشاف لمنطق الرواية وبالحس السيكولوجي ومرجعياته. الصياغات التأسيسية للحدث الروائي عند الروائي محمد إسماعيل جاد يتشكل الحدث الروائي عند ما يكون الربط بين الانسان وبيئته وفعاليات هذه البيئة، والروائي جاد لم يكشف عن التساؤلات حول العلاقة العضوية بين الانسان والانماط الحياتية الكامنة داخل النسيج السسيولوجي ، فكان هبوط الروائي داخل هذه البيئة المليئة بالملذات والاشكاليات ، وقد كنا نملك رؤية نقدية لذلك التصور في مرحلة سابقة في الراوية العربية والرواية المصرية حصراً، وكان الاستجلاء الدراماتيكي سسيوسيكولوجيا من الناحية الافتراضية ، فعلى سبيل المثال في رواية الورشة ، نتعرف على مفاهيم مثارة دائماً في حاضر الرواية المصرية من خلال علاقة الفرد والمجتمع أي أن المجتمع هو المؤثر في الفرد رغم عدم تكافؤ الوزن بين الاثنين في إطار الفائدة الاجرائية، هو مفهوم النهائية في الحدث وامتداداته في شخصية "سالم" بطل رواية الورشة. وتعد شخصية سالم هي شخصية الخبرة بتعارف المفهوم الصالح لذلك التعريف الاجرائي، وشخصية البطل في الرواية الحديثة هي شخصية التلاشي (Vanishing Hero) بعد أن سيطرت الشخصية المحورية على المشهد في الرواية الكلاسيكية.([1]) كذلك شخصية أم طراوى، وشخصية سالم تتفاوت في قيمتها ، باعتبار أن سالم كان سجيناً سابقاً ومريض بالسكر إضافة إلى حساسيته المفرطة "حين يتأمل سالم جدران غرفته سرعان ما يتذكر جدار السجن" (ص8) وهي الحساسية التي يتجسد فيها سالم مصيره هذه الحساسية هي التي تقدم له العون في مسار مغامراته. وسالم كان دائماً يعمل على إزاحة التنظير من أي نوع كان حتى يلحق بالمفهوم الميتافيزيقي، كان والد سالم يحب البطاطس بعد حبه للبيرة المثلجة، وانتهائه من تأليف المقطوعة الموسيقية على آلة الكمان بعد اختيار المراجعة إذا لم تكن هناك محاكاة خارج هذا الاسلوب الاختباري ، والحدث في المشروع الاجرائي سسيولوجياً، هو موت عبد الناصر الذي يعتبره سالم الحدث الاهم فهو يعين كل افق من آفاق هذا البطل الاسطوري بالنسبة إلى سالم عندما كان طفلاً مع والدته، وينقلنا الراوي إلى شخص (أم طراوى) بعد موت زوجها إبراهيم المناضل السياسي ودخول أبنها الوحيد طراوى السجن بسبب عمليات التزوير لجوازات السفر في لحظة اختبار ومراجعة للذات، قررت ام طراوى التوقف عن بيع البيرة، وهذا الموضوع أثاره الروائي للتعريف بالبنية التركيبية لخصائص الرواية في حدود الاحداث ، حيث الحدث السسيولوجي للظاهرة.([2]) هناك الاستمرارية في الاسترسال السردي للروائي في وصف المكان حتى يأتي الحدث الموضوعي بموت جمال عبد الناصر والاسترسال لهذا الحدث يمتد من (ص:1 إلى ص:16) ثم تأتي فترة الانفتاح في زمن محمد انور السادات بعد إنقلاب 14 مايو من العام 1971 على الناصرية، حيث يصف الروائي النسيج السسيولوجي المصري في تلك الفترة من الانفتاح أما أغنياء أو فقراء يعيشون على ما يرميه الاغنياء، أو أقوياء جداً أو ضعفاء يخدمون تلك السلالة التي أوجدها عصرا الانفتاح الساداتي. وتم تحديد هذه الظاهرة من الناحية التركيبية الاجرائية ، من خلال الااحداث أو استحداث الظاهرة والتعرف على خصائصها، في الرواية هناك شخصيات تظهر بشكل من الخبط العشوائي مثل شخصية حسن الخفيف وجمال منازعة نتيجة لحشر "الفلاش باك" في زاوية ضيقة، ويبدأ الدخول الزمكاني من خلال شخصية سعدية، إضافة إلى هذا فإن الرواية تشكلت بعناوين مع الغوص في تلافيف الزمكان، ومن المؤشرات النقدية الاخرى في تقنيات هذه الرواية، هو ذلك التداعي للذكريات سواء من خلال دخول ضابط المباحث ورميه للصورة إلى تداعيات ذكريات سالم وإنفاق حسن المال الكثير ورفض سالم لذلك المال .(ص40) والروائي جاد إستعمل اللهجة المحلية العامية في "الديالوك" رغم إنقضاء المبررات الموضوعية لذلك "الديالوك" والموضوع ينقلنا إلى مدارات الصور المعلقة حيث تكون مركزية الرواية. المشهد الجنسي في الرواية فالمشهد الجنسي في الرواية لا يختلف عن المشاهد الاخرى في الازمة الجنسية في الرواية العربية والمصرية حصراً، فالآدب الاوروبي يعتبره رمزاً ، أما في أدبنا العربي لايزال يرزح تحت التعبير السسيولوجي باعتباره دلالة سسيوسيكولوجية. فعند نجيب محفوظ على سبيل المثال يتم تصوير المشهد الجنسي على أنه ظاهرة سسيولوجية ، ويشاركه في ذلك يوسف أدريس ، رغم االاختلاف في المنهجية الفكرية.([3]) يأتي المرتكز الاجرائي في رواية الورشةمن خلال مشهد الفتاة وحسن مقابل باب السطوح وإحتكاك جسم حسن بجسم الفتاة ، ومن ثم احتكاك جسم سالم بجسم الفتاة حتى افرغا الاثنين، هذا المشهد الجنسي العنيف في الظاهرة السلوكية هو الاكتشاف المبكر للمشهد الروائي عند محمد اسماعيل جادوعلاقة كل ذلك بمشهد الرواية من الناحية المركزية ،وهذا المشهد يذكرنا بالمشهد الجنسي في رواية حيدر حيدر الروائي السوري (وليمة لاعشاب البحر) مهدي احد الشخصيات في الرواية مع فلة العنانبية، عندما أمسكت فل العنابية بالقلم وبدأت بدلك بظرها أمام مهدي المأزوم سيكولوجياً حين خاطبته (إذا كنت رجل اصمد) ولم يصمد سالم أمام الفتاة، لكن مهدي في رواية وليمة لاعشاب البحر تقرفص في زاوية من زوايا الغرفة وأخذ يرتجف ، وفي إطار هذه المركزية في الرواية يأتي موت ابو سالم "بالفلاش باك" اي بتداعي الذكريات، ومن المعروف نقديا ان هذا المشهد يكون موقعه في تلافيف السيناريو لا في الرواية ، لأن الفلاش باك ليس من صناعة الرواية إنما من تفاصيل السيناريو وحتى في تفاصيل السيناريو يكون ثقيلاً من الناحية الدرامية أي أنه يثقل العمل الدرامي، وقد أشرنا إلى هذا وحددناه من (ص62 إلى ص68 ) وهذا خلاف منطق الرواية. اضافة إلى ذلك ، لقد كان بناء الرواية على تفاصيل السيناريو ومقطعة حسب المشاهد في السيناريو اي دراما تفاصيل السيناريو. الورشة وتسمية رواية الورشة، يطلق على مجموعة من اللصوص يسافرون في معظم المواسم الدينية مثل "العمرة" و"الحج" مكونين تشكيلاً عصابيا يسميه أهل الكار "الورشة" (ص71)، وكان والد حسن يلقب بالهفاف وهو متخصص بسرقة الحقائب داخل السيارات والمحلات، ولكن والد حسن كان يسرق خارج البلاد وليس داخل البلاد، [لأن السرقة خارج البلد حلال وداخل البلد حرام؟) (ص71).. والاشارة الاجرائية عند الروائي جاد تنطوي على تعريفات أخرى للورشة "هناك ورش أخرى كثيرة تهاجر إلى بلاد مثل "أيطاليا، وتركيا، ولبنان" "هناك ورش اخرى كثيرة تحضر للسعودية ومن بلاد مثل "الهند والباكستان وبنكلادش وبلاد عربية كي تسرق في المواسم" (ص74). تداعي مركزية الفلاش باك ويرجع بنا الروائي جاد إلى تفاصيل الورشة إلى حادثة الشجار من أجل بطة الجميلة بنت حمدية والتي هي من أعضاء الورشة "ستسافر مع العصابة المتجهة إلى السعودية"(ص77) ، هذه التفاصيل يسردها الروائي على طريقة "الفلاش باك" وتتكر هذه المشاهد من خلال نظرة سعدية إلى صورة بطة المعلقة على الحائط في غرفة سالم. الارادة في الاخضاع للعمل الروائي من خلال ما تقدم، نقول ان العمل الروائي كلا متكاملاً حدوده تتصل باللانهائي حتى يصبح العمل الروائي ضرورة تركيبية في إطار الفعل البعدي، سواء من خلال لقاء بطة وسالم لطلب الزواج أو رفض حسن من قبل بطة لأنه ابن ورشة أو رفض واقع حمدية المشتركة في الورشة، ومن خلال علاقة بطة بسالم وعلاقة سالم بسعدية، وفي كلا الحالتين كانت تفاصيل مزدوجة في شخصية البطل سالم الذي يعاني من إشكاليات عديدة منها: المرض السكري والاستنزاف البلولي، علاقة سالم بسعدية وزواجه منها، وعلاقة سالم ببطة وحبه لها. وعلاقة بطة بوالدتها حمدية المرتبطة بالورشة ورفضها لهذه السلوكيات ، حيث كان تعلقها بسالم لأنه يمتلك الحس الإنساني رغم مرضه. هناك تفاصيل شخصية لسعدية البائسة التي كانت تتمنى أن يكون لها طفل من سالم. وحب حسن لبطة ورفض بطة له لأنه منتمي إلى شبكة الورشة ، كل هذه التفاصيل تتشكل بشكل درامي في هذه الرواية ، لكن من جانب آخر لم يربط الروائي هذه الإشكاليات بشكل درامي وفق ملكة سردية ترسندالية، إضافة إلى هذا فإن الروائي استعرض هذه الاحداث دون صياغة ربط سيكولوجي بين هذه الشخصيات وما تعانيه داخل هذا المعترك الروائي وما تتصف به كل شخصية من هذه الشخصيات بشكل حفري وحرفي، إلا أن الروائي إقتصر على وصف المشهد والحالة، وسرد الموقف الدرامي دون الخوض في تفاصيل هذه الشخصيات من الناحية السيكولوجية وعندنا مثال على ذلك هي رواية (ثرثرة فوق النيل) لنجيب محفوظ هو كيف قدم شخصية رجب، والشخصية الصحافية للفتاة في العوامة أو ما حصل في الثلاثية في شخصية البطل أحمد عبد الجواد، هذه الشخصية المزدوجة ، هناك لغة خفية يظهرها محفوظ بشكل جلي مع المحافظة على منطق الحوار بين شخصيات الرواية، إضافة إلى كل ذلك، هناك شطحات واضحة للعيان في (ص:132) على سبيل المثال ، عندما يظهر لنا صوت الراوي بالكوموفلاج) . حيث يظهر الراوي بشكل مباشر (كذبت حمدية وقتها على السايح بخصوص المال فكما خانت حسن ووالده قررت أن تخون السايح في الدولارات" (ص:132) . ويتصاعد العمق الدرامي في الرواية بين حسن وحمدية وخيانة حمدية لوالد حسن واصابع الحشيش " ثم انحنى أمام زميله مقدماً مؤخرته له، إتجه الشاذ الثاني وفي يده علبة كريم، فتحها وأخذ بعضاً منها واقترب من الشاب المنحني ودعك مؤخرته من الداخل والخارج بالكريم ثم إتجه إلى المنضدة التي عليها أصابع الحشيش وأخذ بعضها واتجه نحو زميله المنحني ثم وضع يده اليسرى على مؤخرة الشاب واصابعه تفتح ثقب مؤخرته ، وبيده اليمنى بدأ يحشر اصابع الحشيش داخلها، فعلها عشرة مرات بعدها أرتدى الشاب الملابس ، تبادل الثلاثة الأدوار إلى أن انتهوا من حشر كل كمية أصابع الحشيش داخلهم، بعدها القى الجميع التحية على الونش وحسن وانصرفوا في عجالة "(ص:139) . في هذا المشهد هناك قدرة على التصوير داخل إطار من التجربة والطرح العادي المتميز في البحث عن استخراج المميزات الدرامية للموضوع المراد معالجته ، فكان الحكم الدرامي هو المشروط في الصفة المتباينة للذات والموضوع في إطار هذا العمل حيث وجود الذات وهي تتحرك في إطار رؤية درامية يظهر فيها الوجه التحديدي من الناحية الفلسفية . لقد كانت مهمة الروائي هي القدرة على معرفة الاستخدام الأمثل للفعل الدرامي كأداة للوصول إلى منطق تفصيلي يحقق وعي المحاولة في انتاج الكتابة الابداعية على أساس الموضوع لطموح ونوايا ومقاصد لما يمكن أن يقدمه الروائي من رؤية تقنية للفعل الجمعي داخل معترك الحياة، والروائي أحكم مفاتيحه بشكل ستراتيجي وثوقي في إطار تجريبي يشرح لنا من خلاله الحرية التي تعني الفوضى في زمن الانفتاح والطغيان المادي الذي سلب الحريات، حيث أصبح المجتمع المصري تسوده الفوضى عبر دوجماطيقية طغيانية وتجريبية فوضوية وهكذا "إنفض غشاء بكارة بطة" (ص:148). وهكذا انتهى الروائي محمد اسماعيل جاد رواية الورشة في [منلوغ] بين المولود وصورة بطن سعدية. "انت مصر تبجي ليه؟ عاوز تحب وتـتحب، خلاص يا ابني الحب ده كان زمان"(ص:156) فكان الرجوع لسالم إلى جدران الصور وسرير الولادة، فكانت بداية جديدة لسرير الطفولة ونهاية سعدية لذكريات اليمة، وسعدية بوجود الوليد.

 

بقلم: الدكتور علاء هاشم مناف

.......................

([1]) احمد إبراهيم الهواري، البطل المعاصر في الرواية المصرية، وزارة الاعلام العراقية، ط1، 1976، ص37.

([2]) جوزيف كامبل، البطل بالف وجه ،ترجمة: حسن صقر، دار الكلمة ، سورية دمشق، ط1، 2003، ص85

([3]) الدكتور غالي شكري، ازمة الجنس في القصة العربية، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، ط1، 1971، ص317.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم