صحيفة المثقف

قُصي الشيخ عسكر: مقطوعات شعرية

qusay askarخطيئة آدم

ان بعض الصدق اثم

ب

يا وجع الندم

اريد ان انام

ج

المفتري  تطهر

تطهر   المفتري

د

إديلايد

انا ابن هواك لكن بالتبني

هـ

ما العمر  الا ما تعاش مسرة

على باب فردوسها

ز

خبيئيك عني

كفرت في حبك عن ذنوبي

ح

ست فسائل

حكاية الألف عناق وعناق

٢

وانا اسأل نفسي احيانا: كانت لنا ليلة حاسمة بعد الف ليلة وليلة فهل تكون لنا ستة فسائل من عناق بعد الألف عناق الذي تحول الى عناق واحد  ليرحل عن ذاته الى ستة؟

اقسم ان لمقاطع الثنائية اعلاه ليست من شعري، وما انا بقائلها قط بل هي عنوانات لقصائد كتبها شاعر غيري قرأت  مجموعته مرة واُخرى وثالثة وعندما وصلت الى الفهرس أنعمت النظر فيه مثلما أنعمت النظر في القصائد ذاتها   كانت رائحة المعاني في كل قصيدة تندمج اندماجا إبداعيا مع غيرها فالشاعر لا يكرر معانيه لكن هناك محورا مشتركا ووحدة موضوعية تجمع كل القصائدً، انها قضية النقاء والطهر فها نحن نعيش في عالم مزيف يتأكل فينا كذبا ونفاقا وزورا وسرقة  وقتلا .ان الشاعر سكب ذاته من خلال قصائده في هذا العالم ليحوله الى عالم طاهر نقي وذلك حين سالت فيه ذاته فجرى - العالم - مع نبع الطهر من جديد ، والحق اني وقفت عند بعض محطات النقاء التي استند اليها كقوله:

كل الفرائض والشعائر

مستحبات غدت

الا التبتل في رحابك وحده

فرض الوجوب

ومن علامات المركز المحوري ( الطهر ) يشخص  الاستناد  الى اللحظة التاريخية الخصبة التي تستوعب وتستوحي التاريخ قبلها عن وعي وتأمل وتدبر:

البستني

من عذب مائك بردة

فأخضر يبس

ولا أظنني في حاجة ان ادخل في تفاصيل البردة والتناقض الحاد بين  الكفر سابقا  والإيمان وعصر صدر الاسلام ثم الشاعر بصفته مجموعا او ممثلا لمجموع  يحس لحظته فيتجرد عن ماضيه اذ قد ينفع التفصيل احيانا ونجد الإشارة والتلميح هما الأفضل والأحسن  في موضع اخر.

ومن مستلزمات الطهر الذي هو  محور القصائد  تحديث القديم ، تجديد الكلمات، النفخ فيها حتى تسترد حياة جديدة، الجملة المعترضة  التي تشكل سندا للدعاء تحولت الى جملة معاصرة يستند اليها موضوع الطهر:

هل ترتجي غير المسرة

يا رعاك الله

نفس؟

ومنها ايضا تحديث المصطلح الديني والمصطلح الفقهي ليناسب الموضوع . منذ قال عقود قال القدامى من متذوقين للأدب وناقديه ان الشاعر المتمكن قد ياتي باللفظة  الخاصة بالعلم او اللفظة قليلة التداول لكونها اقرب للعلم وربما الشائعة فيجعلها رائعة رائقة في شعره كأنها جوهرة تلفت النظر من بريقها وحسنها بعد ان كانت تستخدم في مواضع معينة لا تخرج عنها ولعلنا نجدها أصبحت مستهلكة بسبب شيوعها، فتكون ذات بريق وجدة ورونق فالشاعر القدير هو من  فك أسر الكلمة  مما ألفناه عنها:

رب ورقاء هتوف في الضحى. ذات شجو صدحت في فنن

غير اني بالجوى اعرفها.      وهي ايضا بالجوى تعرفني

ومثلما فعل الشاعر القديم بكلمة "ايضا" المفعول المطلق التي يكثر استعمالها في النحو والمنطق وربما في علوم اخرى بعيدة عن الادب والشعر والخيال فعل شاعرنا بمصطلحي الفقه والدين  وهما الزكاة والخمس فتذوقناهما بل لامست ارواحنا نعومتهما حين خرجا عن الموضوع المخصص لهما الى الموضوع الشعري برونق جديد ومعنى اخر يرتبط بالخيال والابداع:

لا مال عندي

فالزكاة تبتلي

واللثم خمس

ومن مستلزمات الطهر تلك الحركة التي تحدث في  الليل  اي الرحلة  بهدف ما وأمل ما و تمثلها كلمة ( سرى):

تعبت من السرى ومن الوقوف   ضرير الخطو منطفئ الرصيف

فالسرى   لا تعني رحلة الشاعر ليلا فقط بل نكتشف انه يجعل من الخاص عاما في حالتين: الاولى عمومية الظلام وفق إشعاع كلمة "ضرير" التي يتساوى فيها الليل والنهار بل الرحلة تتحقق في كل زمن " أظنني  نشرت حلقات من كتابي المنقلب والمتحول من الكلمات وذكرت كلمة سرى من المتحول وشاعرنا هنا تعامل مع الكلمة بمفهوم معاصر وفق رؤيته بنقل الخاص الى العام".

والان

هل انتهت الثنائيات؟ كلا فقد خبأت بعضا منها:

٣

حرب  لكنها مقدسة

اتقول ما شأني ؟

 

تهيم   حصاد

عزلة   يقين

 

تقرب يا بعيد

أزف الوداع

 

حديقة الجنون

قاب فردوس لا أدنى

 

وطن ...ولكن للصوص

قسمة ضيزى

 

٤

غاية ما المح اليه ان هناك مقطعين احتويا آيتين كريمتين: " فكان قاب قوسين او أدنى " النجم/١٠و  " تلك اذا قسمة ضيزى" النجم /٢٢، وأجدني أقول بكل ثقة  ان  بإمكان القاريء الكريم  ان ينعم النظر  في  العناوين التي جمعتها فيوازن بين قصيدة تحمل هذا العنوان والقصيدة التي تحمل العنوان الاخر من خلال فكرة الطهر والمقدس النقي فالشاعر طلع علينا بمجموعته الاخيرة  المليئة بالبراءة بصفتها محورا للقصائد تدور حوله المتناقضات  بالضبط مثلما عاش المسيح ع مثال النقاء وسط مجتمع نهم جشع مراب سفاح  ومثلما عاش النبي محمد ص مثال النقاء في مجتمع قاتل همجي سفاح  اما نحن الأبرياء - نحن او الشاعر لافرق- فقد حاصرنا زمن العولمة  فقتلنا-بضم القاف-  تحت وطأته من غير ان نعرف اننا قتلنا وان قاتلنا يعيش معنا ويحيط بِنَا  ولمجرد ان ندرك أنفسنا نعود الى وعينا. نعم كل ما حولنا مدنس وهناك بؤرة من النقاء تكمن فينا نسيناها فجاء الشاعر ليذكرنا و بإمكان القاريء ايضا ان يجعل نفسه ناقدا فيختار وفق رؤيته عنوان قصيدة يقابله مع عنوان اخر فيوازن  بين معاني القصيدتين اذ ان المجموعة الشعرية تلك تدور حول محور التناقضات  من خلال الجوهر اللب وهو النقاء في عالم كله مدان.

 

٥

سأقوم بموازنة قصيدتين للشاعر من المجموعة نفسها  هما (تطهر) و(المفتري) اذ يمكن جعلهما وفق الترتيب  الآتي:

المفتري تطهر (جملة اسمية المفتري مبتدأ وتطهر فعل والفعل والفاعل الضمير المستتر خبر)

تطهر المفتري (تطهر مصدر مضاف والمفتري مضاف اليه)

في المفتري نجد الزمن يتحقق في النسبة، والنسبة وعلم الأنساب فرع من الزمن  يقول الشاعر:

كف افتراءك

ط

انت اخر من يحق له التحدث

باسم قيس العامري

انت قيس العامري ، ثم يقول:

انا يوسف المغدور

ثم  يمزج بين الحاضر والماضي  بصيغة جديدة:

فيم اعتذارك؟

انت ابرهة الجديد بثوب قديس....

ارايتم كيف  غير الشاعر في تدرج الزمن جعل قيس العامري يسبق يوسف ويسبق ابرهة في حين  ان قيسا  من حيث الواقع جاء بعدهما لكنه الان يحتل موقعه بينهما، ان التركيب الزمني وفق مبدأ الطهر يتطلب ان يكون التدرج الزمني الجديد وفق هذا الشكل تغييرا في موقع الشخصيات التراتبية  ذاتها وهي قيس ويوسف وأبرهة والمتكلم، ولو عدنا الى قصيدة ( تطهر) التي سبقت في الترتيب نجد ان سيرة المكان ونسبته  هي التي تحتل الموقع الزمني  في البدء: المكان ينتسب الى الزمن ، يقول الشاعر

منذ توضأ قلبي بتباريح الوجد ....

وانا حقل حبور

طفلا عدت وعاد الطين

رطبا مثل زهور الزنبق

والنسرين

ان سيرة المكان في هذه القصيدة  هي سيرة الزمان نفسه وهي سيرة الشاعر  اي الاتحاد بين الذات والطبعة والزمن في تحقيق مسالة التطهير ، هناك في قصيدة المفتري الشاعر وشخصيات زمنية  وهنا في (تطهر) الشاعر والمكان الذي يتحقق في الزمن .

 

لماذا أخفيت اسم الشاعر؟

انه الكبير يحيى السماوي  ومجموعته الشعرية هي ( ثوب من الماء لجسد من الجمر) اذكر عنا نحن المعنيين بالشعر والأدب زمن الثانوية  كنّا   نختبر فطنة بَعضنا فكثيرا ما كان احدنا يقرؤ قصيدة  لشاعر كبير مثل الجواهري والسياب والبياتي وبلند من دون ان يذكر اسم الشاعر فنعرف من طريقة بناء القصيدة وصياغتها انها من شعر الشاعر فلان ، والشيء نفسه ينطبق على الشواعر الرائعات نازك لميعة وعاتكة ، فالقصيدة نفسها تقول لك انا من ابداع فلان وهذا ما ينطبق على شاعرنا السماوي !

 

كلمة ليست الاخيرة

بعد هذا

انا على يقين  هناك غيري من  يحاول ان يقوم باختيار عنوانين لقصيدتين من قصائد المجموعة متباعدتين او متجاورتين ثم يجري بحثه على العنوانين والقصيدتين . المهم اني فقط أفصحت عن محاولة نقدية سآلت  القاريء ان يشترك معي فيها.

 

كلمة اخيرة

لابد ان اذكر ان هناك نصوصا وكتبا تجذبني اليها لكن حين أبدأ عملية النقد وانتهي من كتابة مقال نقدي اشعر اني بحاجة الى بضعة ايام استعيد خلالها أسلوبي القصصي والشعري، فللنقد اُسلوب خاص نعيش أجواءه ، لذلك اشكر الشاعر القدير يحيى السماوي الذي جعلني أعيش اجواء النقد بين جمره ومائه حيث النقاء.

 

قُصي عسكر

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم