صحيفة المثقف

علاء هاشم مناف: الصورة الشعرية في قصيدة السيد حيدر الحلي: يا أهل فهر

 الصورة الشعرية: إن الإتجاهات المتعددة لتأكيد الصورة الشعرية وكشف علاقتها المتميزة بالعمل الابداعي الفني، والعمل الفني لا يقتصر على الشعر إنما المقصود في ذلك حتى قصيدة النثر، كذلك المسرحية، والرواية، والقصة القصيرة، والنثر الفني، وقد تناولها النقد الاوروبي بالتحليل والتقصي وبالتحليل السسيوسيكولوجي، أما في مجال الشعر فقد بلغت إشكالياتها درجة من التعقيد، قد يكون نتيجة لاتخاذالصورة الشعرية منهجاً في إطاره الفني من ناحية المضمون، وكان هذا لابرز مدرستين في الشعر الاوروبي الحديث : منها المدرسة الرمزية symbolism  والمدرسة الصورية imagism أوربما قد يكون هناك سبباً آخر في اتخاذ الصورة الشعرية أساساً إبداعياً.(1)

من جهة أخرى فإن علاقة الصورة بالمعنى هو المدخل الرئيسي لفهم مسارات وتصورات النقد العربي لإشكالية الصورة الفنية وأهميتها من الناحية المنطقية و"المعنى"هو مصطلح يدخل في مجالات متعددة الكتابات الابداعية وخاصة الكتابات القديمة حصراً وهذا ما جعله يقع في باب الاصطلاح، وأكثر استخداماً في هذه الكتابات، هي الدلالة التي تقرن ذلك المعنى بالغرض المطلوب، والمعنى اصبح يرادف الفكرة المجردة التي يتقنها المبدع وتشير الدلالة إلى أن هناك ثنائية جدلية بين الألفاظ والمعاني وتلك الثنائية تعمّقت داخل المادة الابداعية، وهذا أدى بدوره إلى الفصل الكامل بين "الشكل والمضمون" وكان للصورة الفنية نصيبها من هذه الصياغةالشكلية، وكان للمجاز الاعتزالي وسيلة من وسائل التعبير وله امثاله في الشعر ، وكان لتجريد المعنى القرآني والابتعاد عن شكله الظاهري، فاصبح المعنى مجرد قائم بذاته، و"الصورة المجازية" هي وجه من أوجه الدلالة.(2) 

والصورة الشعرية عند الشاعر حيدر الحلي تنبني على المدلول وهو المعنى القائم على سيكولوجية الكلام القديم والسابق أصلاً في وجوده، أمّا الدلالة، فهي العبارات والالفاظ التي يعبر بها الشاعر، فهي محدثة وعارضة، وهذا ما انتهى إليه الاشاعرة في مشكلة "خلق القرآن" أي ان كلام الله قديم من حيث المعنى لإتصاله بالذات الخالقة، أما من حيث الألفاظ المتصّلة بالبشر، فهو محدث ومخلقوق.(3)

القصيدة

يا آل فهرٍ أين ذاك الشبا

                   ليست ضُباك اليوم تلك الضُبا

للضيم أصبحت وشالت ضُحىً

                   نعامةُ العزِّ بذاك الإِبا

فلستِ بعد اليوم في حبوةٍ

                   مثلكِ بالأمس فحليّ الحبُا

فعزمُك أنصبَّ على جمرِه

                   دمُ الطلى منك إلى أن خبا

ما بقيت فيكِ لمُستنهضٍ

                   بقيَّة للسيف تدُمي شبا

ما الذلَّ كلّ الذل يوما سوى

                   طرحكِ أثقال الوغى لُغّبا

لا ينُبت العزَّسوى مربع

                   ليس به ترق الضبا خُلّبا

ولم يطأ عرش العُلا راضيا

                   مَن لم يطأ شوكَ القنا مغضبا

حيَّ على الموت بني غالبٍ

                   ما أبرد الموت بحرّ الضبا

لا قبرّ تبك الخيل من مطلبٍ

                   إن فاتك الثأرُ فلن يُطلبا

قومي فأما أن تجيلي علي

                   أشلاء حرب الشُزَّبا

أو ترجعي بالموت محمولة

                   على العوالي أغلباً

ما أنتِ للعلياء أو تقبلي

                   بالقُب تنزو بكِ نزو الدبى(*)(4)

   في قصيدة السيد حيدر هناك استفهام تبدأ به الصورة الشعرية في البيت الاول وهو الشعاع الاول في القصيدة، ثم يتبلور المعنى ثم تتجسد صورة الثنائيات في الصورة، أي بين المعاني والالفاظ من دائرة الاشكاليات العقائدية، فالاختيار للألفاظ في انتاج المعاني وهذا الموضوع يلف القصيدة منذ بدايتها أي هناك معنى تعبر عنه الألفاظ ، وتعكس صفات الجودة، والاستفهام باعتباره وجه من أوجه الدلالة لتعبير عن ذلك المعنى.

والشاعر استخدم الفاظ القرن الثالث أي عصر الجاحظ الذي استخدم الصياغات الكلامية ببراعة ثم الصياغة والتصوير للحدث، حيث قلّل الشاعر من شأن المعاني، لأن المعاني ملقاة في الطريق، كذلك نسمع ما قاله ابن قتيبة في أقسام الشعر في عيون الاخبار، الذي حسن لفظه ومعناه او حسن لفظه دون معناه، او معناه دون لفظه، وأن الاثنين، الجاحظ وابن قتيبة هما من المعتزلة. لقد كان السيد حيدر يركز على المفردة دون التركيز على المعنى، لأن الشعر في تقديره هو صناعة مثل أيّ صناعة، وهو افتراض كان يدعمه الشعر العربي وواقعه المتركزّ في المنطق الدلالي، لقد كان الشاعر واسع الخيال، وقصيدة يا أهل فهر، ترتكز على الجانب البلاغي من الألفاظ والمعاني، بعد ان وضع لها الشاعر المهاد الفلسفي الواضح منذ الشطر الأول، والمعنى الذي آخذ أشكالاً متعددة تتفاوت قيمتها تبعاً للصياغات الدلالية، حيث اصبح من الوارد ان يبرر ثبات المعنى المتعدد الصياغات ، والشاعر كان ينطلق من مفهوم فلسفي ثم ينتقل إلى المضمون الصوفي الخفي ليعبر عن ثبات الدلالة والمعنى، وفق صورة مادية (5) تقرر أن " معاني الشعر بمنزلة المادة الموضوعية والشعر فيها كالصورة".

 

النبر الشعري والنبر اللغوي

إن النبر الشعري في هذه القصيدة قد يكون متفقاً مع النبر اللغوي وقد يتجاوزه، ولكن النبر اللّغوي في هذه القصيدة كان له الاولوية ومن المفترض أن في هذه القصيدة، حصول نبر شعري، إذا كان موقع النبر الشعري الذي يخالف موقع النبر اللغوي ، في البيت الاول، والبيت الرابع في حين هناك اشكالية، هو إذا كان موقع النبر اللغوي قد يؤدي احياناً إلى انتقال النبر الشعري إلى مقطع غير المقطع الذي ينبغي ان يكون عليه الشعر، وقوع النبر، وهذا ما حصل في البيت السادس من القصيدة، والمحصلة في ذلك نقول، هو أن النبر اللغوي والنبر الشعري، يقعان في"الزمكان نفسه" وفي أغلب الأحيان أن قوانين النبر الشعري التي صيغت على الاساس الايقاعي، ولم تستق وجودها من النبر اللّغوي، عندئذ نقول ان النبر الشعري قد يضيء لنا جوانب عديدة من النبر اللغوي، رغم ان القرآن سبق هذا التحليل في تجسيد الاثنين اي النبر القرآني لا يتحد بالنبر الشعري بشكل إطلاقي، ولكن يبقى عامل واحد في احتماله هو كون نبر القرآن إتحد بالنبر اللغوي أو وصل إلى مقاربته من التطور التحليلي، مثل "الابدال والاغلال والقلب"(6)، وقد يكون وراء هذه القضايا من التحليل تفاصيل ايقاعية صرفة ترتبط بالنبر واشكالياته اللّغوية.

 

بقلم: الدكتور علاء هاشم مناف

.....................

1- كمال ابو ديب: جدلية الخفاء والتجّلي، دار العلم للملايين، ط4، 1995، ص20.

2- الدكتور جابر عصفور: الصورة الفنية في التراث النقدي عند العرب، المركز الثقافي العربي، ط3، 1992، ص313ـ 314.

3- الدكتور جابر عصفور: الصورة في التراث النقدي عند العرب، ص364.

4- ديوان السيد حيدر: تحقيق علي الخاقاني، الطبعة الحيدرية، النجف الاشرف، 1950، ص62ـ 63.

5- الدكتور جابر عصفور: الصورة الفنية في التراث النقدي عند العرب، ص315-316.

(*) الدبى: أصغر الجراد.

6- الدكتور ،كمال ابو ديب،في البنية الايقاعية ، دار الشؤون الثقافية، ط1، بغداد،1987،ص291-292.

 

         

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم