صحيفة المثقف

سمير خلف الله: قراءة في التوظيف الغائي للإسلام في الجزائر (2)

كما أنه لا يجب أن تعمينا وضعية الحمل الوديع والتي يعانقونها عن الحقيقة فتاريخ السلفية وعلى وجه الخصوص مشبع بالحقد والكره للآخر والعمل قدر المستطاع على اجتثاثه . والتاريخ الإسلامي متخم بقضايا مأساوية راح ضحيتها العقل التنويري كما هو الحال مع نكبة ابن رشد . إنهم يلجؤون إلى هذه الحيلة تقية وربح للوقت لأن أنيابهم وأظافرهم قد قلمت اليوم وهي لا تستطيع أن تضمن لهم النصر وهذا على المدى المنظور في المعركة ، وعندما تشتد سواعدهم وتتسلح قواعدهم فهناك سوف يكون لهم رأيا آخرا . ولكن في الوقت الراهن فهم يتواجدون في كل زوايا المجتمع سواء كانوا يرتدون اللباس الخاص بهم أو هم لا يرتدونه بهدف التمويه ، ولكننا نراهم رغم هذا في سلوكياتهم وتصرفاتهم الدالة عليهم . خاصة وأنه وأينما حلوا إلا وحل معهم غسيل الدماغ والاستعباد الفكري وشل قدرات البشر على المبادرة الخلاقة والجادة وسلاحهم في هذا هو التخويف من غضب الله ونار جهنم الحارقة لمن لا ينصاع لهم فهم الدين والدين هم .

ولأجل ما سبق فإنه من الصعب جدا الحكم على نواياهم ما إن كانت صادقة فيما يخص خدمة المجتمع لأجل خدمته وفقط ، أو أن هذا الأمر ينبع  فيهم من دافع أخلاقي يحث عليه ، ولا يهدف إلى تحقيق غاية أخرى . ذلك أنه ليس من حقنا أبدا الحكم على نوايا الناس إلا من بعد أن يقدموا لنا هم إقرارا صريحا أو من خلال تتبع آثار برامجهم على المستوى التطبيقي وعلى أرض الواقع . فلسنا هنا مع كانط Emmanuel Kant والذي يحث على أخلاق الواجب ، ولا مع الأم تيريزا Mère Teresa والتي هي الأخرى ما كانت تستهدف الخير لأجل الخير وإنما كانت وكما يقول دارسو سيرة حياتها تعمل لأجل المسيح وعقيدتها الكاثوليكية . ولهذا فنحن هنا نتتبع مشروعهم ، وهذا لكي لا يخدعوننا ولا نخدع نحن بهم أيضا ولا نستفيق إلا والكارثة فوق رؤوسنا . نعم إننا لسنا هنا مع أبي ذر الغفاري ولا مع حاتم الطائي ولا مع روبن هود Robin des Bois وإنما نحن مع بشر ككل البشر تتحكم فيهم دوافعهم وطموحاتهم الدنيوية وغرائزهم واحتياجاتهم ولا ننتظر منهم أن يفتحوا جمعية خيرية بعيدة عن كل هذه الأمور . ولهذا فنحن نرى بأن عملهم الدؤوب لأجل أسلمة المجتمع الجزائري ليس لأخل الدين في حد ذاته ولا ينبع من خوف على الجزائريين من أن تأكل أجسادهم نار جهنم ولا أن تطحنهم نوائب الدهر في هذه الحياة ، وإنما هي معركة سياسية وعقائدية بين جملة من الأيديولوجيات والتي تحاول كل واحدة منها الهيمنة على الساحة وتلوين المجتمع بلونها والذي يعكس ولو بصورة نسبية حجمها في الشارع ، وهذا رسالة منها إلى مؤيدها وإلى خصومها وأعدائها على حد سواء . ولذا يتوجب علينا أن نكون واعيين لدعاياتهم وهذا لكي لا تسرق منا أعمارنا وتوظف في مشاريع هي ليست مشاريعنا .

وعليه فكم يحز في النفس أيضا ذلك الكم الهائل من تلك السخافات ومن تلك الجهالات والحماقات وهذا كما يصفها معارضو الإسلام السياسي والتي ألبسوها ثوب الدين ، وهذا بهدف التمويه على البسطاء واستدراجهم . وخاصة ممن كانوا يعانون من عدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي فيكونوا بهذا ضعفاء أمام أية ومضة بريق أمل قد تنتشلهم إلى واقع أفضل من واقعهم ذاك ، مما قد يحقق لهم الأمن والأمان النفسي . ولقد انتبه القائمون على مشروع الإسلام السياسي على مدى أهمية العامل الاقتصادي في تنفيذ مخططاتهم . وهم هنا يستلهمون فكرتهم هذه من الخليفة الراشد الثالث الفاروق رضوان الله عليه والذي اهتم بصحابة الرسول ص وهذا حينما أجزى لهم العطاء ثم ميز بعضهم ومنحهم شرف العطاء ، وهذا ليكونوا أعوانا له في إدارة أمور الدولة وفي تدبير شؤون الناس اليومية . وهنا يجب على الدولة الجزائرية قطع هذا الطريق عليهم وذلك بتوفير سبل العيش الكريم لكل الجزائريين وتوفير فرص عمل مناسبة وللجميع ، وهذا لإبعادهم عن خطر مشروع الإسلام السياسي ، يقول معارضوهم دوما وحتى تكون خياراتهم أكثر موضوعية وحيادية في أية استحقاقات انتخابية مستقبلية .

فهذا الأخير أي الإسلام السياسي لا يعشش إلا في مناطق البؤس الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وهو هنا مثله مثل الشيوعية في القرن الماضي ، حيث كانت تحل أينما حل الفقر والتهميش . ولذلك فقد تفطن الغرب الرأسمالي إلى هذه النقطة وعمل على إيجاد دولة الرفاه الاجتماعي ، ولا زال يعمل في هذا الاتجاه وإلى يومنا هذا . ولذلك وبمنهجه الحكيم هذا فقد تمكن وكما هو الحال في فرنسا وفي إيطاليا وفي ألمانيا الغربية سابقا من امتصاص شحنة الغضب التي يمكن أن تجعل الأفراد يعتنقون الفكر الشيوعي وينخرطون في مشروعه ، وبعمله هذا فهو يكون قد جفف كل المنابع التي يمكن للفكر الشيوعي أن يستغلها في معركته ضد الرأسمالية . وهذا ما يجب أن تفعله الحكومات اليوم والتي يجب عليها تجفيف المستنقعات التي يمكن للسلفية على وجه الخصوص أن تصطاد فيها وتعمد ومن خلالها أفراد جدد في مشروعها ، والذي هو حتما سيدمر الدولة والثقافة وسيدمر أسس التعايش المشترك بين مختلف شعوب وأمم العائلة الإنسانية الكبرى والتي أوجدها الله وهذا بشهادة القرآن الكريم لكي تتعارف وليس لكي تتقاتل .

وكم يحز في النفس ونحن نرى البعض من أبنائنا قد سلموا زمام عقولهم لفكر معاق ولأناس مستواهم العلمي متدني ولا يحوزن على أي تكوين أكاديمي جاد ، يؤهلهم لكي يكونوا بناة للإنسان وقاطرة تجر غيرهم إلى بر الأمان . ونحن هنا لا نـُـعَـرضْ بأي شخص ومهما كان ، فكلنا خرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئا وهذا ما يخبرنا به القرآن الكريم في الآية 78 من سورة النحل . وعليه فالعيب ليس أنني لا أعرف شيئا ما وإنما العيب أن لا أتعلم وأن أبقي أدور كحمار الطاحونة حول محور جهلي وأسير بين الناس مدعيا للعلم وللمعرفة ، وهذا كما ادعي الدنكيشوت Don Quijote البطولة عن جهل منه . هذا هو العيب القاتل ، ذلك أننا كلنا يسحرنا وهج وبريق الظهور الاجتماعي ولو على جثة العلم والمعرفة والحقيقة وعلى أشلاء الأبرياء . نعود ونقول كم هو مؤسف أن يسلم البعض منا أشرف آلة منحها الله إياها لأناس هم أعداء للعلم ولا يريدون اكتسابه وفي نفس الوقت هم مدعون له .

نعم لقد أصبحت حلقات بعض أدعياء العلم من أبناء ما يعرف بالتيار الإسلامي وخصوصا السلفي منه عبارة عن حلقات تنافس المدرسة الجزائرية الرسمية ، وأصبح ما يقال فيها له السلطة أكثر مما يقال في مدارسنا وفي جامعاتنا ، وعلى ما هو مقرر في المناهج الرسمية حتى ولو كانت هي الأصح والأسلم ، لا لشيء إلا لأن هناك حلقة فقدت ، وفقدت معها الثقة ، نقول هذا وبكل أسف في مدرستنا وهذا نتيجة عدة عيوب علينا أن نكون شجعانا في الاعتراف بها وفي الإقرار بوجودها ، وهذا حتى نعمل جميعا وكل من موضعه لأجل إصلاحها . وبالتالي تكون مدرستنا هي الخيط الذي يجمع كل الجزائريين وهذا على اختلاف ألوانهم تماما كما هو حال سلك العِـقْـدْ والذي يجمع حباته المختلفات الألوان والأشكال والأحجام وهذا هو سر بهائه وجماله وقوته ونفس الأمر مع المجتمع فقوته في تنوعه مما يحقق حتما سنة التدافع الرباني على سطح الكرة الأرضية مما يضمن الخير لكل أبناء العائلة الإنسانية ، نعم نريد مدرسة جزائرية بالجزائريين ولأجل الجزائريين . وعليه يجب على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها في ضرورة إيجاد إصلاح حقيقي للمدرسة الجزائرية بعيدا عن كل الترقيعات الشكلية والتي أكلت ما تبقي من شرعية لهذه المدرسة في نظر بعض الجزائريين ، وهذا لصالح شرعية متزايدة للمدرسة الموازية للإسلام السياسي . نعم لقد أصبحت حلقات السلفيين خصوصا ومقولاتهم تتفوق على المدرسة الجزائرية من حيث كسب الأنصار والأتباع وكل هذا في غفلة منا جميعا . ونخشى أن نستفيق يوما ما، ولكن من بعد أن يجرفنا السيل وبهذا يكون الأوان قد فات وقطع خط الرجعة على الجميع وإلى الأبد .

نعم ماذا ننتظر من فرد سلم زمام عقلة لمن يفتقد لأدنى أبجديات العلم والمعرفة ، ونحن هنا لا نتهم أي شخص بالجهل ، فالعلم وكما يقال عبارة عن بناء لولبي ليس له بداية وليس له نهاية ، ولأننا كبشر ما أوتينا من العلم إلا القليل منه وشعارنا في هذه الحياه هو: " وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا " طه 114  و ما دعا به إبراهيم ربه وهذا حينما قال: " رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ " الشعراء 83 . وعليه فلا يجب أن يدعى الواحد منا العلم خاصة إن لم يكن من أهله . ولهذا فنحن هنا لا نتطرق للأشخاص وإنما نتطرق لمنظومات قيم جاهلة وتتدعي المعرفة اليقينية وهذا هو الأمر المرفوض والخطأ القاتل . نعود ونقول ماذا ننتظر من فرد سلم زمام عقله وأمره لمنظومة قيم رثة يحشو فيه صاحبها ما يريده من سخافات وجهالات يراها هو اليقين ذاته ، كما يرى أسرى كهف أفلاطون خيالاتهم على أنها عين الحقيقة .

ولأجل ما سبق كم يعز علينا أن نرى مجموعة من اليافعين أو من الشباب يتحلقون حول مدعى للعلم بأمور الدين . وهذا بدلا من أن نراهم يتحلقون حول رجال العلم الحقيقيين وإلى المستنيرين منهم على وجه الخصوص . وكان الأولى بهم أخذ العلم من منابعه الأصلية لا نهل مجموعة من الأفكار المزيفة والمغشوشة من جهات عليها ألف علامة استفهام ، وهذا لكونها لم تتابع ولا تتابع أي تعليم ومهما كان عالي أو دونه . وما يحصلون عليه مجرد دجل يدعي العلمية مستند إلى الخرافة وإلى الذاتية وإلى السطحية . ترى ماذا سيقدم لهم هؤلاء غير تفاهات وعموميات ضحلة ومشوهة تضر أكثر مما تنفع لهم ولنا جميعا .

 

سمير خلف الله ابن مهيدي / الطارف / الجزائر

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم