صحيفة المثقف

عبد الكريم قاسم: افتح عقلك: تفتح صفحة مع عدوك

abdulkarim qasimاعتاد متسولان على العيش خارج القرية، كان احدهما أعمى، والآخر كسيحا.  ذات يوم، اشتعلت النيران في الغابة قرب القرية حيث كان يعيش المتسولين. كانا يتنافسان، في المهنة، يستجديان من الأشخاص أنفسهم. كانا يغضبان من بعضهما باستمرار.

 إن البشر في المهنة ذاتها لا يمكن أن يكونوا أصدقاء، لأنها مسألة منافسة وزبائن والمتسولون يصنفون الزبائن والأماكن والمناسبات وأنت لا تعرف لأي شحاذ تنتمي!.

 عندما كانت الغابة تحترق، فكر هذان المتسولان لبرهة، فقد كانا عدوين، لا مجال حتى للحديث، لكن الحريق كان حالة طارئة.

 قال الأعمى للكسيح: الطريقة الوحيدة للهرب هو أن تجلس على كتفي، فستستخدم رجلي، واستخدم عينيك، تلك هي الطريقة الوحيدة لننقذ أنفسنا.

 فهم الكسيح ذلك على الفور، لم تكن هناك مشكلة، فهو لا يستطيع الخروج، إذ كان يستحيل عليه اجتياز الغابة التي كانت تحترق بأكملها. يمكن للكسيح أن يتحرك قليلا، لكن ذلك لا يفيد. ما كان يحتاجه هو الخروج، والخروج سريعا جدا.

 الرجل الأعمى كان أيضا متأكدا من انه لا يستطيع الخروج، فلا يعرف أين هي النار، ولا أين الطريق، ولا أين تقع الأشجار التي كانت تحترق، ولا مكان الأشجار التي لم تحترق، بالتالي سوف يضل طريقه. لكنهما كانا ذكيين !، فتخليا عن العداوة والبغضاء، أصبحا صديقين، وأنقذت حياتهما.

 إنها حكاية رمزية، هي كناية عن فكرك وقلبك، لا علاقة لها بالمتسولين، لا علاقة لها بالغابة المحترقة، بل تتعلق بك، بوطنك ومجتمعك العراقي، لأنك تحترق في كل لحظة، تعاني من البؤس والألم، الأعمى هو فكرك وحده. لديه أرجل، ويستطيع أن يجري ويتنقل بسرعة، لكن بما انه أعمى، فهو لا يستطيع أن يختار الاتجاه الصحيح لسيره. هو حتما سيتعثر بشكل مستمر، يسقط، ويؤذي نفسه، سيشعر بأن الحياة بلا معنى. عبارة يقولها مثقفو العالم بأكمله: (الحياة بلا معنى).

 السبب في أن الحياة تبدو لهم بلا معنى، هو أن الفكر الأعمى يحاول أن يبصر النور، وذلك مستحيل.

افتح عقلك وحاور ممن تعتقد انه عدوك في الداخل والخارج، كلاكما يحترق. تحول العراق الى غابة، والمواطنين الشجر، ونحن بين الأعمى والكسيح نحترق، إذ قسموا المجتمع العراقي الى طوائف ومذاهب وجغرافيات وثارات دينية وعشائرية.     

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم