صحيفة المثقف

بكر السباتين: الندوات العائلية

bakir sabatinالصراعات المتفجرة في منطقتنا حولت الاجتماعات العائلية إلى ندوات سياسية وحلقات من العصف الذهني.. وهي ظاهرة ثقافية تستحق الوقوف أمامها طويلا..

هناك فرق كبير بين المناظرة والتثاقف المعرفي الاجتماعي، فالمناظرة تدور حول قضية خلافية محددة، بين متخصصين على قاعدة المحاججة، وهنا لا بد من جمهور يصوت على النتائج لبناء تقديرات عليها. أما التثاقف الاجتماعي فهو حديث ودي بين نخبة من الأصدقاء في أمر ما لقضاء وقت جميل من باب التواصل والتثاقف المعرفي، وهنا تكون الغاية فقط هي المتعة وتعبئة الوقت بالحوار التشاركي البريء الجميل بعيداً عن المنغصات..

مثل هذه الندوات أحياناً تخالف نصائح حتى الأطباء لمن يصارعون بعض الأمراض المزمنة في أن يعمدوا إلى الصمت حتى لا يصابوا بأزمات صحية كالتي حلت ببعض دولنا العربي.. لتفاجأ بأنه حتى طريح الفراش يجد في مثل هذه الأحاديث بلسماً لجروحه المعنوية يخرجه من حالة الاكتئاب التي تغشاه عادة، فيجاهد ليبدي رأيه، فتجده يحاور ولو بعينيه اللتين تتمردان على سكون جسده الواهن.. وخاصة حينما يتعلق الأمر بهذا النزف للطاقة الإيجابية المراقة على صفيح الأحداث الساخن، فإن لم يكن من باب الإيمان بنظرية المؤامرة، فهو يأتي لتمضية الوقت أو البحث عن زهرة النور التي تمنح الحياة أسباب التبرعم من أجل البقاء في عالم تشاركي محتمل، يقبل أحدنا فيه الآخر. وربما تمثل هذه الحوارات تواصلاً طبيعياً مع الأحداث التي تمثل مخرجات لما يدور في المطابخ السياسية المقفلة والمختنقة بالمتناقضات، كأنه إعلان بأننا موجودون في سياق ما تخرجه عقولكم المشوهة! لتنفتح الأسئلة كأنها نوافذ تدخل الهواء العليل، فتخرج روائح العفن من أعماق الروح لتجد المياه الآسنة طريقاً للخروج، فيحتسي المتحاورون قهوة النهار حتى في بهيم الليل.

رغم أن حالات الاختناق تحصد الود في كثير من الندوات البيتية حينما يعربد الشيطان في العقول ليتحكم القلب بأطراف الحديث، فيبلغ السيل الزبا عند البعض، وخاصة فيما يتعلق بدوري كرة القدم أو دورة المصائب المتعاقبة علينا، أو تحيط بكياننا العربي المتشرذم المنهوب، وخاصة حينما ينبري الآخر منطلقاً من عقدة النقص لرفض النجاح في مسألة ما إذا ما تحدت قدراته التي يزودها عقله العربي المضطرب، الرازح تحت شروط الانصياع لواقع الهزيمة، والاحساس بالشلل التام إزاء من يحرضه على التغيير وتطهير الذات من طاقة الفناء السلبية، لاستعادة القدرة على بناء الشخصية المحاورة من أجل الحقيقة، والتزود بالطاقة الإيجابية للتغيير وقبول الآخر، وخاصة إزاء قضايانا المصيرية كالقضية الفلسطينية، والأزمات التي ضربت القومية العربية في الصميم، أو ما يتعلق بالدين الذي ينتمي إليه غالبية العرب في عالم تتعارض فيه المصالح ما بين إسلام النور والإسلامفوبيا القائم على الإرهاب الظلامي.

وفي مثل هذه الحوارات الممتعة لا بد من ممارسة التواصل الذي يجمع المتحاورين على نقاط التلاقي بعيداً عن المساجلات القائمة على الأنا ورفض الآخر.. كي تحافظ على صديق، وتصنع صديقاً، وتحيد عدو متربص.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم