صحيفة المثقف

عبد الواحد مفتاح: عبد الواحد ضد لا أحد

abdulwahid miftahأن تكون صانع قصص، أمر صعب جدا أقول ذلك لأنه يكون عليك أن تقوم بالعمل بنفسك.. لا أن تستيقظ صباحا وتخبر أحد أن يقوم به بدلا عنك.

أحيانا تكون مستعدا وبمزاج رائق.. لكن لا قصة، لا تجد ما تكتب (هذه ورطة المحترف) وهو ما أشعر به الآن، ذهني صافي وفارغ ..مثلا سأختار كلمة حب .. أُدحرجها على الورقة ..أظل أنظر إليها عاجزا عن افتكاك حبكة، لا موضوع أصلا ..ذاكرتي لا تُسعفني في شيء، أنا أصلا لم أقع في الحب من قبل، لأختبر هذا الإحساس وأهيم في الحديث عنه على لسان إحدى الشخصيات.

أفكر أن الحب نادر، ولذلك علي استخدام كلمات نادرة، لأُعَبر عنه، الأمر سيتطلب بعض الصعوبة، لكن لابأس ما دمت سأكتب قصة لا قصيدة لا يفهمها أحد، كما يفعل عبد الله زريقة.. ياما نصحته أن يبتعد عن الغموض لينتشر شعره بين الناس كالخبز.

كل ما أريده يألله أن أكتب قصة حب لطيفة، متلألئة بوجدانية صداحة، كأي كاتب رومانسي.. هذا ما أريده، لي أصدقاء أغلبهم يعاشرون المومسات أسفل أعمدة النور، بشارع محمد الخامس، لا وقت لديهم أصلا لاصطياد الفتيات، والدخول معهن في دوخة التمنع الممل بادئ الأمر، تم الثرثرة المطولة بالهاتف في الوقت المتأخر من الليل، كما أن لا أصدقاء كثر لدي.. كمال وعزالدين لا غير.. تم إنهم ليسو أصدقاء حقيقيين حتى..

في الحقيقة كتابة قصة عن الحب ليس مطمعي الخاص، إنها طريقتي القلقة للاطمئنان على صحة القلب والخصيتين

هذه الأيام أجدني فاسد ..لا واجبات لدي، كل شيء مؤجل.. تمر أوقات تَجدني مرتبك لأسباب أجهلها.

مؤخرة مريم لم تعد تُسعفني على غير قليل من الدفء، في وقت تزداد فيه اتساعا.. أشياء كثيرة تجدني أفقدها ..حتى الكتب القديمة التي كانت بخزانتي، رميتها لأُدلِل لوالدي أني أصبحت شخصا صالحا وأبحث بجد عن عمل لا أضيع حياتي في هذه الخزعبلة الحقيقية المسماة الأدب ..لو تَرَيثُ قليلا لكان لي مراجع، على الأقل تنفعني لأكتب قصة تتناول موضوع ما بعد الحداثة، ما دمت لا أجيد كتابة المقالات الطويلة، ومن يعلم قد أكسب جائزة المؤسسة الأمريكية، يالا تَعسِي تم أنه لا تعس ولاهُم يحزنون، أنا لا أحب ما بعد الحداثة وأكره من يُسَوق لهذا الكلام، أحن إلى ما قبلها، قَبلها أكثر روعة وصِدقية. أصدقائي في داعش.. أصدقائي السِّريُون، مازالوا يدافعون على إضفاء المشروعية على استمرار تاريخ قديم، ولو أنه عقيم لكنه مليئ بالمعنى. بكل عقلية الواحد التي لم تقبل يوما تعددا، أو حتى قبول ارتطام صورتها في عين الأخر، إنهم متمسكون بكل ما استطاعوا بأحقية المعنى، وقدرة القيمة، حتى وإن دفع ذلك إلى قتل كل من يخالف نظرتهم، المليئة بفهم كلي وشامل للحياة وما بعدها.

في حين أنظر بعين الريبة والحذر، لكل ما هو متعلق بفكر ما بعد الحداثة، هذا الفكر لم يشفق على نفسه بعد، لأنه سيسقط قريبا وينهار، ما إن يَطرَح أمام الناس سؤال المعنى خاصته، إنه فارغ تماما، ولا يمكن أن نَطمئن إليه مادامت قيمته: القوة والاستحكام على التأويل، وإخضاع الناس أن يصيروا متشابهين طبق لنموذج واحد، إنه متعالي ولا يشرح أي شيء، أو يعطي معنى واضح للحياة، كل الروحانيات فيه أن تشرب المزيد من النبيذ، ولك حرية ممارسة الجنس مع أيِّهِم، وفي أي مكان ووقت. هذا ما قلته لعبد الصمد، وشرحته له للمرة الثانية(عَمليا لا أعرف لقبه) هو صديق نلتقي بين الحين والأخر، يَشتغل كشبه ممثل دائم لتنظيمات كثيرة، لا أعرف اسمها، أو أي شيء عنها، لكني أحس بالفخر لأنه أحيانا يعتبرني مستشاره الخاص، في شؤون الإعلام، وأحيانا يستخدمني ليتأكد إن كانت القناة الثانية الفرنسية، ترجمت خُطبَة شيخه بشكل دقيق، فهذه القنوات كما لا يمل يكرر، تنقصها الحرية والحِرفية الدقيقة، وإلا كانت ساهمت في إدخال كل أروبا للإسلام.

عبد الصمد إلى اليوم، لا يعلم أني لا أفقه في الفرنسية إلا كتابة اسمي، والعد من واحد إلى مئة، لكنه يشعر بالسعادة في وجهه، وهو يراني أتفاعل بجدية مبالغ فيها مع التلفزيون، قبل أن أشرح بطريقة مبسطة، ما قالوه، وعن تأثرهم البالغ بكلمات شيخه وهو يتوعدهم.

 قبل أن يرحل سريعا ليلتحق بمسؤولياته المتعددة، والتي أوَلها دفع ثمن القهوة السوداء، التي أشربها بتمعن لا يخلو من ضجر، وأنا أبحت عمن سيجلس بجانبي إلى أن تدق السادسة، وأذهب للبيت والدتي تُحب رؤيتي في السادسة والنصف، هو دليل رائع أني وجدت عمل جديد، أما عن راتبه فما من شك أني أخبئه في بنك إلى أن تمر ثلاث سنوات، وأفاجئها بمجموعه، حينها سأشتري شُقة وستختار لي أجمل بنت في العالم، ولن تكون بالطبع غير نزهة، هذه المسكينة ما إن أخبرتها والدتي أني حصلت على عمل، حتى رَفعة الكلفة بيننا، قبل أن تبدأ شيئا فشيئا برفع ثوب  بيجامتها كلما مررت أمام بيتهم، قالت لي نتزوج الآن، و لِنُؤخر العرس والحاجيات إلى أي وقت، بلا مُقدمات أو رسائل متبادلة بيننا، غير تلك التي كانت على الشباك، حين أُطل أنا من نافذتنا المواجهة لمطبخهم فتتظاهر باستعدادها للإستحمام، بملابس شفيفة ورقيقة ..ملابس تعُضني عن بعد... عموما لن أستطيع التفصيل أكثر، قد تُصبح زوجتي ربما.. قد لا أجد سواها، وأخلاقي تمنعني أن أكتب مثل هذه الأشياء عن زوجتي المستقبلية.. إنها الأخلاق يا صديقي، عبد الصمد يقول أن جميع النساء عورات، صحيح أنني لا أستطيع قول عكس ذلك أمامه- وأتمنى أن لا يقرأ ذلك الآن- لكني متحفظ بقوة ..عبد الصمد شخص عابر في حياتي لا أكثر ..كل النساء عورات إلا زوجتي، سيجمعني معها رباط مقدس، هل تستطيع القول عن امرأة يجمعك معها شيء مقدس أنها عورة؟ الجنس فعلا شيء مقدس، فهو أمر لا أستطيع تَدبُر ممارسته إلا بصعوبة بالغة، ودفع الكثير من المال والوعود، من أجل أن يتحقق، إنه فعلا نادر في المغرب، لا أعلم في الدول الأخرى كيف يتدبرون الأمر، أسمع إلى حكايات عديدة ومُتضاربة، لم أعد أريد أن أصدقها، أريد أن أعيشها، بعد قيام الثورة وسُقوط القدافي ومبارك، لم يعد هناك شخص مقدس في العالم العربي غير الجنس، علينا القيام بثورة من أجل إسقاطه ربما..

لكن أصدقائي السريون، دَبَّروا الأمر ..جهاد النكاح، ليس حل إنه ثورة عظيمة لم يستطع العلمانيون الخونة أن يفهموها إنها الثورة الوحيدة عندنا العميقة في دلالتها وما ترمي إليه. أقسم بذلك، لفهمه سنحتاج للكثير من الدراسات التي لن يقوم بها أحد، المثقفون يعتقدون الحياة سهلة.. يشبهون هيفاء وهبي لا يستخدمون إلا أجسادهم للصور، وأفكارهم لكتابة عناوين جذابة لمضامين تافهة.

لما لم يحللوا بعد جهاد النكاح، الذي تقوده نساء ثوريات متحررات، وهن يضعن براقعهن، نساء من كل الأعمار يفجرون مفاهيم المسكوت عنه في الثقافة العربية، للأمانة صحيح لا أفهم شيئا عن جهاد النكاح لكني أجد التسمية رنانة وجميلة لا أعرف تماما كيف يمارسون هذا الفعل ولا ما هو أصلا، لكني متحمس.. متحمس له بقوة.

رغم أن نزهة تريد أن تقيم معي زواج الصبر، هي كما قالت، تتزوجني ويبقى كل منا في بيته، إلى أن تمر سنة أو أكثر وأشتري شقة.. إنه أمر مضحك، أن تعتقد أن شخصا بليدا مثلي يمكن أن يجمع يوما ما ولو بعد خمسين سنة، مالا كافيا لشراء شقة. 

قلت لها بحيوية لابأس بها.. سأفكر في الأمر وأرُد عليك قريبا، نزهة عند أول لقاء لنا بدت متواطئة معي، تعلم أني لم أحصل بعد على عمل. داخل الخيمة التي إكثريتها على شاطئ البحر بـ 54 درهما، والتي أحكمت هي إغلاقها.. قُبلاتها وهمساتها الحنونة كانت تقول ذلك، وأيضا أنها مُستعِدة أن تصبر أكثر وأكثر، لأنه لم يبقى لها غير أن تختنق بالضجر، من كلام والدتها عن أختها التي تصغرها بست سنوات، وتزوجت قبلها منذ أكثر من سنتين.

نزهة المسكينة التي أشفقت عليها، وأحببتها أيضا، مُهددة بأن تصبح عانسا، أما أنا فمهدد بأكثر من ذلك، أن أصبح رجل عائلة...    

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم