صحيفة المثقف

حيدر جاسم المشكور: القانون المجنون

haidar jasimalmashkurسمعت من بين ما سمعت، ولكثر ما قرأت ان هناك قانونا اعمى وضميرا اعور، لكن ما كنت قد سمعت ولا قرأت بالقانون المجنون.. او على الاقل لا يمكن لكاتب رصين ان يلقي التهم جزافا على القوانين الوضعية المحبوكة بدقة وعناية من قبل خبراء القانون والمؤيدة بقوة السيف والكيف الحكومي، والقاضية بخدمة رأس الهرم من صداع الهزيمة، وصراع الغنائم.

وبما ان نظام الدولة في العالم العربي ـ منذ القدم ـ لم يكن حريصا على شرعية الحاكم ونزاهة العالِم، بقدر ما هو محكوم بسيادة الموروث وضرورة الانصياع؛ بيد أنك لم تجد من يرشدك الى هذه المقولة (القانون المجنون) او حتى يعاضدك القول ولو سرا، بما فيهم الثوار المعارضون من نهضويين ويساريين قد يختلفون معك لسبب أو آخر.

اولا: لأن القانون اداة طيعة لخدمة الحكومة ورجالاتها؛ ولا اظن ان الحكومة تقبل ان يخدمها قانون مجنون يصعب الاعتماد عليه.

ثانيا: ان المعارضة بكل فصائلها لا تريد ان تعرض نفسها للمسائلة من دون ادلة قطعية تثبت صحة دعواها.

ثالثاً: وهو الاهم، قذف القانون بالجنون جريمة لا تغتفر، تعرض صاحبها لحكم تعسفي، ثأراً لشرف المهنة، ودرءاً للتطاول؛ ما يلقى بذلك ردا عنيفا يناسب بشاعة التهمة.. في حين ان القانون المتستر في ظل دستور عقور، هو احقر بكثير من غلاسة الجنون وصفاقة المجنون.

فالقانون الذي لا يعرفك، ولا يكلف نفسه عناء البحث عن ضياعك، ويعيشك في تفاوت مهول بينك وبين المسؤول، هو قانون صفيق، مستهتر بحق الامة المحكومة تحت وصايته.

وبلا ادنى شك ان كل ما يبعث للجنون هو مجنون.. حتى عباقرة العلم، انتكسوا بهذه المعادلة المخيفة.. والقانون العراقي انموذجا، فقد دأب حرصا لمسايرة الانفذ وذلل له كل المعوقات التي تعترض طريقه على الامد البعيد.

والمتتبع الحصيف للعملية السياسية في العراق يجد التلكأ والارتباك الفج في المساومة المحاصصية، والتبعية العقيمة.. فهل يمكن لشعب جبار بتاريخه العظيم ان يعيش ويلات السياسات المهينة ـ في ظل الديمقراطية المقيتة ـ وهو عبداً لألهة القرار في بلد يوشك على الانتحار بسبب الافلاس المادي والمعنوي والاخلاقي، في ظل قانون مجنون كتب على نفسه (ولا حرج) فكانت هفواته عبئاً ثقيلاً، ورزءاً خطيرا على الامة، وهو كل يوم يداري مصيبة، ويسند فجيعة.

فكان للقانون اليد الطولى في كل الانتكاسات التي مرت على البلد، بعد ان مررها وسوغها بالشكل الذي يعاضد الحكومة ويخذل الشعب.. وكان اذ ذاك القانون المجنون يدور في الشوارع والشرائع عبثاً، وقد لعب دور الارجواز المهرج المستكين فيما قابله تعاطف شعبي خجول، أو الى حد ما جهول.

وبما انه (لا يخرج من بيضة الشيطان الا شيطانا صغيرا)* فمهما كان ذكيا ومحتالا كان هناك من الملائك من يترصده بقوة، ويقف له عارضا دون تحقيق مآربه.. وهذه الملائك تكمن في الوعي الشعبي، والحرص الوطني، والاصرار الجماهيري  لقلب الموازين.. التي ما كانت في يوم من الايام عادلة أو معتدلة  بمقدار ما كانت مداهنة ومتواطئة، وما محاكمة سليم الجبوري - اقصد السيد سليم الجبوري رئيس مجلس النواب العراقي أحد أركان الدولة وصانع عزها وباني مجدها، هذا اذا لم يكن من أحد أركان الدين  والفاتح الاكبر لبلاد ما وراء الكون ـ التي مُرِرت بسرعة البرق و بُرِأت ساحته من كل التهم.. وما بدر من السيد العبيدي لم يكن الا تخرصات واراجيف اراد بذلك شق عصا الامة؛ لولا المواقف الشجاعة للقانون العراقي الحكيم.!!

فهل ثمة عاقل يصدّق لعبة المحاكمة، الا ان يكون اعمى او مقتنعاً تمام القناعة بجنون القانون.. فذاك ما يبرئ ساحة كل متهم ويبرر أخطاء القانون تحت قانون الهي (ليس على الاعمى حرج... ولا على المريض حرج).

 فلا أقول الا ان الشعب الذي يستحي من أن يطالب بحقوقه كاملة، غير منقوصة؛ هو شعب لا يستحِ.

 

حيدر جاسم المشكور - العراق / البصرة

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم