صحيفة المثقف

عبد الجبار العبيدي: حقيقة الإسلام الغائبة (1)

abduljabar alobaydiلا بد من ذكر الحقائق الواقعية التي نبين فيها ما نقصد اليه من وراءهذا العنوان الذي يجب ان يعرفه القارىء قبل ان يقرأ ما كُتبَ وسيُكتب فيه عن موضوعات الاسلام التي شوهها الفقهاء وحولوها الى تدجيل.

واول ما يجب ان يعرفه القارىء، هو ان الكتابة في موضوع الاسلام ليس جديدا، لكنه بات اليوم ناقصا من كل الوجوه بعد ان تزعمت مرجعيات الفقهاء الكتابة فيه ونشره بين الناس على الخطأ والصحيح، مدعين ان كل ما كتب في اطروحاتهم صحيح وواجب التطبيق.، وما دروا ان الأعتماد الأفضل في ما كان يجب الكتابة فيه هومعرفة حقوق الأنسان في التاريخ واحوال البشر الذين اعتنقوا الأسلام بين القسر والأيجاب، لذا ظلت عقيدة الأسلام عقيدة جامدة لا محرك لها دون ان تنتج ما انتجته الحضارات الأخرى من تطور وتجديد .

انني اقصد من هذه المقالة ما أحب ان يعرفه القارىء هو تقريب معنى الاسلام وتطبيقاته بين الناس، ولم أقصد تقديم أجابات شافية ووافية لكل الأسئلة التي سيطرحها القارىء في موضوع الاسلام، فالمقالة لا تقرر حقائق ثابتة، بل لفتح باب التفكير والمناقشة في أتجاه سليم لقضايا جديرة بأن توضع موضع التأمل والبحث لنزع السلطة الدينية من رجال الدين الذين لا يعترف القرآن بهم، ولا يخولهم حق الفتوى على الناس، ولا يميزهم بلباس معين كما في رجال العهد القديم .وفي الحالتين قد تفي المقالة بالهدف من الكتابة والتعريف بها. بعد ان كثر النقاش العلمي في مبادىء الاسلام وعجز الفقهاء عن الاجابة عليها بمنطق علمي صحيح.

ان اشد ما يجب ان يعرفه القارىء اللبيب هو ان المقالة ليست نقدا تجريحيا للاسلام وعقيدته، قدر ما هي وسيلة لتعريف الناس بالخطأ الذي لازم التطبيق الفقهي فيه منذ القر، الثاني الهجري.فلا يوجد لدينا اسلام سُني، واسلام شيعي، ولا معتزلي، او وهابي، بل عقيدة واحدة مزقها الفقهاء عند التفسير، حين غَلبوا التعصب على الفكر الحر، والمصلحة السياسية على الدين، لكنها كانت محاولات لم تصل أحداها الى وضع قواعد أو قوانين تُعين على أدراك ما جاء به النص المقدس، او تساعدنا على معرفة الطريق الصحيح لبناء مجتمع أنساني أكثر أمناً وأستقراراً وأقدر على توفير أسباب الرخاء للبشر، فظل الاسلام يتعايش في لغة الناس وليس في واقعهم.

أحب ان أقول: ان الاسلام لا يتمثل في العبادات من صوم وصلاة وحج وزكاة فقط، فقد مورس بعضها في عهد العرب قبل الاسلام، بل يتمثل في صورة أوضح وأصدق وأدق من هذا التوجه الناقص في تطبيقاته على الناس، بل يحتاج الى تطبيق القوانين في المساواة والعدل والعمل الصالح والأستقرار والعيش الرغيد والامانة في صيانة الأوطان، وحماية حقوق الناس..وأحترام البشر،

وتطبيق النص المقدس "لكم دينكم ولي دين ..."؟

ليس في الأسلام عبادة للشخصية، ونقل المأثورات الدينية، وبناء القبور والأضرحة التي صرفوا عليها المليارات لينشئوا قبراً لأنسان واحد حتى ولو كان رمزا، وظل زائريه لا يملكون رغيف الخبز. . والأدهى والأمر ان من يتزعم هذا التوجه هو حاكم لم يعرف في حياته سوى القسوة والظلم والأنانية وأحتقار البشر وسرقة أموالهم بأسم الدين.فهل عادت بناء القباب والمسيرات الدينية المليونية الباهضة التكاليف تنفع الناس والدين في شيء؟.

الأسلام كما قرأناه جاء بمفاهيم انسانية واضحة في حقوق الناس والمحافظة على الثروة والوطن كما في (الوثيقة النبوية) وان شابه الكثيرمن الغموض الذي بحاجة الى توضيح، (كما في الفتوحات القسرية على الشعوب الأخرى، وحقوق المرأة وما ملكت أيمانهم وما ملكت أيمانهن والوصية والأرث)، فهل فتح القائمون عليه ابوابا واسعة للتفكير والتغيير، ومهدوا للأنسانية  وللفكر الأنساني والنظم السياسية القوانين التي تحفظ لهم حقوقهم دون تفريق في مجال المناقشة الحرة لمعرفة الحقيقة الغائبة عنهم اليوم، وأدخلوا عليه عصور حضارية جديدة..؟

 نستطيع ان نقول وبثقة ..لا..؟

من هنا على الكُتاب والمُعلقين والسياسيين ان ينتبهوا لتغيير التوجهات التى الى ما ينفع الناس ويسعدهم بقول الحقيقة ليُنظر اليهم بصدقٍ في تطور المستقبل الغامض الذي احاط بالمسلمين ولا زال عبر هذا الزمن الطويل الذي لفه الباطل والغموض في التطبيق. وسيبقى الوطن العربيوالأسلامي مشلولا مادام فكر الفقهاء القسري هو السائد والمطبق بينهم الآن.

نحن الآن في القرن الحادي والعشرين الميلادي، والأدبيات الاسلامية لازالت تطرح الاسلام عقيدة وسلوكاً، دون ان ندخل في العمق الفلسفي للعقيدة الاسلامية، ولم نصل الى حل المعضلات الأساسية للفكرالاسلامي التقليدي، مثل اطروحة القضاء والقدر، ومشكلة نظرية المعرفة، ونظرية الدولة، والمجتمع والأقتصاد والديمقراطية، وتفسير التاريخ.فظل الفكر الاسلامي خارج المعاصرة والتطوير وظلت العاطفة الدينية مسيطرة على العقل العربي الاسلامي فحولته الى هشيم.

لقد ظل المنهج العلمي خارج تطبيقات الكُتاب والفلاسفة والباحثين الأسلاميين، فظلت حقوق المرأة خارج التقييم الصحيح للنص المقدس، الذي يتطلب بحثاً علميا ًموضوعياً، حين أكتشفنا ان المرأة لها وضعان، وضع في النص المقدس صحيح، ووضع في الفقه الأسلامي ناقص ومجحف مخيف، وهذا ناتج من نظرة فقهية ضيقة في التفسير. كماحدث في الفتوحات الاسلامية قديماً، وداعش حالياً الذي شابههم مثالا لا ينكره احد في التطبيق.

وبدلاً من الأصلاح والتصحيح ظل الفقه الاسلامي يهاجم الفلسفات الانسانية ولا يقبل التفاعل معها، فعدوا ان كل ما انتجه الفكر الانساني منذ عصر اليونان الى اليوم في هامش الخطأ والباطل، لذا عجزوا ان يعطوا تعريفا خاصا ومميزا للاسلام، أو قل عجزوا ان يقولوا لنا (ما هو الأسلام)؟.فأستمرت حالة التخلف الفكري في مفهوم العقيدة دون تطوير، وهكذا استمرت سيادة الحاكم عل المواطن الأنسان، فأصبحنا خارج التاريخ.

من جراء هذا التصور الخاطىء ألتجأنا الى مواقف فكرية أو سياسية تراثية مضت عليها مثات السنين، قامت على التعصب المذهبي الباطل الكريه، فأتهمنا الافكار الاخرى بالزندقة، والهرطقة والجبرية والقدرية، دون ان نستطيع الخروج من المآزق الكبير. وابتعدنا عن نظرية المعرفة وجدل الأنسان في تحديد العلاقة بين الوجود في الأعيان، وصور الموجودات في الأذهان.

نعم ونتيجة لهذا التوجه الخاطىء بقينا نعيش في أزمة فقهية حادة، تجبرنا على ضرورة التحول من فقه الفقهاء الخمسة الذي انتهى عصره اليوم، الى فقه جديد لأعطاء البديل، لنتخلص من كل تبعات الماضي الذي كبلنا بقيود لا تصلح ابدا للعصر الحديث.

فهل بأمكاننا الابتعاد عن الفقه القديم بعد صياغة نظرية أصيلة في المعرفة الأنسانية وجدل الأنسان منطلقة من صدقية النص المقدس، لكي نأتي بمنطلق فلسفي يَتبع عند الضرورة الحل الفقهي الصحيح؟ ونلغي كل هذا الجهد والمال الضائع على كتب التراث التي تُطبع فاصبحت عائقا امام التقدم والتطور وكل علم حديث.

هكذا علينا ان نفعل مثلما فعل اصحاب الديانات السماوية الأخرى التي استطاعت ان تخترق المستحيل بعد ان سيطرة الكنيسة ورجال الدين وجمدت العقول زمن طويل . هم نجحوا .. ونحن لازلنا نهرول خلف أوهام أرث الماضي القديم .. ونعده تراثاً قابل للتجديد؟ بينما التراث هو المعاصرة حين يتفاعل الانسان مع النتاج المادي والفكري المعاصرلينتج التحديث والتقدم والتطوير .فأي اسلام هذا الذي نعبد، أسلام محمد(ص) أم اسلام داعش، وكل فقهاء التخلف والتخريف ..؟

من هنا يجب ان تبدأ الصحوة بين العرب والمسلمين ..؟

 

د.عبد الجبار العبيدي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم