صحيفة المثقف

بكر السباتين: اللقاء بين القيصر والسلطان وعنجهية الغرب.. انفراج تركي وقلق يسود القارة العجوز

bakir sabatinالرئيس التركي حينما يفكر في إحداث تغيرات جوهرية في سياسة بلاده الخارجية فهو سيضع في نصب عينه مصلحة تركيا قبل كل شيء، وإزاء ذلك يمكن اختبار مرونته كزعيم صنع من بلاده القوة الاقتصادية السادسة على مستوى القارة الأوربية العجوز، والسابع عشرة على مستوى العالم، ليصبح ضمن الدول العشرين الأغنى عالمياً وعضواً فاعلاً في نادي باريس.

فمنذ إسقاط تركيا للطائرة الحربية الروسية ومستوى التبادل التجاري بين روسيا وبلاده انخفض إلى مستويات متردية بلغت 42%، ولعل ذلك كان من أهم اسباب حصول تباطؤ مقلق في معدلات النمو الاقتصادي التركي، وانعكس ذلك على مستوى التنمية الشاملة في تركيا، التي كانت تعتمد كثيراً على تصدير الخضار إلى حضيرة الدب الروسي فيما اعتمدت السياحة كأحد أهم مدخولات البلاد على السياح الروس، وبعد فشل الانقلاب على الشرعية في تركيا كانت السنارة الروسية تغمز لخلق فرصة تاريخية تنقذ اقتصاد البلدين من التداعيات السلبية المتفاقمة، وذلك من خلال اتصال هاتفي أجراه عدو تركيا بوتين، ليبارك لأردوغان على فشل الانقلاب العسكري الذي يتهم أردوغان حلفائه الغربيين بمساندته، فكانت الفرصة التي لم يضيعها أردوغان بترتيب زيارة لروسيا في سياسة تحولية فاجأت دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا، وأثارت حفيظتهم.

وعن مبررات هذا اللقاء التاريخي بين القيصر والسلطان (كما يحلول للغرب وصفهما) وبحسب "دي فيلت" الألمانية، يعتقد كل من بوتين وأردوغان أن الغرب خدعه. فقد قال أردوغان عشية زيارته إلى روسيا إن بلاده تحاول منذ نصف قرن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ولكن من دون جدوى، وتسمع بدلا من ذلك مآخذ بروكسل، التي تتهم أنقرة باستمرار بانتهاك حقوق الإنسان وملاحقة الخصوم السياسيين؛ ولم يتخل الاتحاد الأوروبي عن عادته هذه حتى بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة.

وفي هذا السياق عبرت الصحف الأوربية عن قلق الاتحاد الأوروبي برمته من اللقاء الذي جمع بين القيصر الروسي والسلطان التركي في سان بطرسبورغ يوم 9 أغسطس/آب الجاري، وكان ينبغي على تلك الصحافة أن تعاتب بلادها على دورها الخفي والغير مباشر في محاولة التخلص من أردوغان الذي وجد ضالته بروسا، والوصول إلى أن استاعدة العلاقة بين البلدين تعد صفقة رابحة بينهما، فماذ تقول الصحف والخبراء الأوربيين في تحليلاتهم للموقف، فيما لو كان يمثل تمحوراً استراتيجياً ضد أوروبا بشكل أو بآخر؟ هذا هو في حقيقة الأمر ما يشغل دول الاتحاد الأوروبي التي خسرت الثقل البريطاني من بين صفوفها، علماً بأن بريطانيا مرشحة هي أيضاً للانفتاح على الاقتصاد التركي من باب المصلحة وتعويض خسائرها على إثر خروجها الاختياري من الاتحاد.

الخبراء بدورهم شخصوا الموقف على قاعدة المصلحة التي حركت الباراغماتية السياسية بين البلدين، ومنهم خبراء مؤسسة "نويه تسورخير تسايتونغ" -روسيا الآن - البحثية الذين أشاروا إلى أن روسيا فرضت منذ شهر يناير/كانون الثاني 2016 حظرا على استيراد البضائع التركية، ما تسبب في انخفاض حجم التبادل التجاري بين البلدين بنسبة 43 في المئة. لذلك، فإن تطبيع العلاقات سيكون مفيدا لاقتصادي البلدين. وسوف يشمل هذا أيضا مشروعي مد خط أنابيب غاز "السيل التركي" وبناء محطة "أكوا" النووية لتوليد الطاقة الكهربائية، حيث جُمد المشروعان بعد تأزم علاقات البلدين. وقد أعلن الرئيس التركي في سان بطرسبورغ بأن هدف البلدين هو بلوغ حجم التبادل التجاري بينهما 100 مليار دولار سنويا.

وتتوافق مجلة "شبيغل" مع هذا الرأي، مشيرة إلى أن لتقارب روسيا وتركيا أساسا اقتصاديا، حيث تتكبد موسكو خسائر فادحة بسبب العقوبات الغربية وإلغاء الاستثمارات. أما تركيا، فمن مصلحتها عودة السياح الروس إلى منتجعاتها واستئناف توريد الخضروات والفواكه إلى الأسواق الروسية.

من جهتها شككت صحيفة "فاينر تسايتونغ" النمساوية بدوام هذه العلاقة في رؤية تطمينية للغرب، قائلة: إن هناك الكثير من النقاط لتقارب بوتين وأردوغان على الرغم من أن روسيا وتركيا لم تكونا حليفتين تاريخيتين، بل كانتا على العكس من ذلك. لذلك، فإن تقاربهما حاليا فريد من نوعه. ولكن مدة دوام هذا التقارب ومدى متانته يعتمدان على تسوية الأزمة السورية؛ لأن "بوتين هو أهم حليف لحكومة بشار الأسد، وأردوغان يريد إطاحة هذه الحكومة بأي ثمن".

وفي هذا الصدد، تشير "دي فيلت" إلى أنه "إذا تمكن بوتين من دق إسفين بين تركيا والناتو، أو جر أنقرة إلى مشروع التكامل الأوراسي" فسيكون هذا نجاحا كبيرا له. لكن خبراء الغرب يستبعدون مثل هذا السيناريو، فضلا عن عدم إمكانية التحالف العسكري.

ويبقى السؤال مقلقاً لدول الاتحاد الأوروبي عن انعكاسات هذا اللقاء على أوروبا، متناسين أن تركيا ومنذ نصف قرن كانت تطرق أبواب الاتحاد الأوروبي جاهدة دون أن يستجيب إليها أحد، وكانت العقبة دائماً أن تركيا لا تحترم حقوق الإنسان، هذه الحقوق التي كانت بسعر التراب في دول أوروبا الشرقية التي أدخلت إلى الاتحاد على حساب قوته الاقتصادية، فنجم عن ذلك خسائر تكبدت ألمانيا جزءاً من فاتورتها، ربما قبلت أوروبا عضوية تركيا في حلف الناتو، ولكن جاء ذلك من بابب حيوية دورها اللوجستي المندرج في مصلحة الأمن الأوروبي، لصالح تجركات الحلف الإقليمية، وبالنسبة لتركيا بدت هذه العضوية صفقة أمنية خاسرة، فعندما تعرضت الشرعية التركية للانقلاب الفاشل تراخى الحلف في نجدتها، فما كان على أردوغان إلا أن يبحث عن خيارات أخرى تحقق الصمانات الأانجع لأمن تركيا المستهدف داخلياً وإقليماً؛ فكانت الورقة القوية التي لعبها الأخير بالعودة إلى علاقة متميزة مع روسياا التي تشارك تركيا بنفس المعاناة إزاء الموقف الأوروبي المتعالي رغم تعارض ذلك مع مواقف البلدين في ما يتعلق بالأزمة السورية! ويبدو أن عنوان هذه العلاقة سيذلل كل الصعاب ما دامت مصلحة البلدين تتقدم المسيرة.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم