صحيفة المثقف

عبد الجبار العبيدي: حقيقة الإسلام الغائبة (2)

abduljabar alobaydiقلنا في الحلقة الاولى ان كل ما طرحته الحركة الفقهية عبر الزمن كان بعيدا عن الاسلام وعقيدته الحقة .من هنا بات من المؤكد وفق هذا المنطق فان الفقهاء لم يستطيعوا ان يقدموا لنا تعريفا واضحا وثابتا عن (ما هو الاسلام)؟، وهذه اكبر مشكلة يواجهها عالم الاسلام اليوم امام الشعوب الغير المسلمة أو الحضارات الأخرى التي حددت مفاهيم العقيدة الدينية ومفاهيم التطور والتقدم عندها ..

 ان من يعمل على تنفيذ مسحاً شاملاً للكتاب الموحى لمحمد (ص)، يتبين له انه يجري على خاصية معينة هي ظاهرية العصر الذي نزل فيه، تاركا اساسية الحكم ونمط الحياة تتفاعل مع الشروط الموضوعية لمجرى العصور التاريخية اللاحقة، بدليل نزول ثلاثة انواع من الآيات القرآنية، هي المحكمات، والمتشابهات، واللا محكمات واللا متشابهات. والاولى تشمل ايات العقيدة والثانية السبع المثاني، والثالثة تفصيل الكتاب . وبعد ان تحددت النبوة من الرسالة، وتبين ان النبوة هي مجموعة المعلومات التي أوحيت الى النبي (ص)، اما الرسالة فهي مجموعة التشريعات والأحكام، لذا فالحلال والحرام من وجهة نظر القرآن هي الاحكام والتشريعات الملزمة من لدن حكيم خبير .. ولا غير.

واذا ما رجعنا للاقسام الثلاثة من الآيات القرآنية، هل سنجدها جاءت معتمدة على تراكمات سابقة في المعرفة الانسانية لعصور ما قبل الاسلام ؟، أم كانت جديدة عليها ؟.

سؤال مهم جدا نوجهه لفقهاء الدين ونطلب منهم الاجابة عليه.

فمن وجهة نظر التاريخ الحديث والمعاصر، ان المعرفة لا يمكن ان تكون وليدة الحدث، بل هي تعتمد على ما سبقها من معارف، لذا فالقرآن لم يهمل الجانب الحضاري عند العرب قبل الاسلام، والعرب قبل الاسلام كانت لديهم تنظيمات ادارية متمثلة بمجلس الملأ ومعاهدات التجارة مع المجاورين في الشام واليمن، بالاضافة الى الشعراء والكتاب وما تركوا لنا من تراث ضخم، والقرآن أكد عليه وجاءت سورة قرآنية بأسم الشعراء، لكنه نهانا ان نقف منه موقف الانصياع الأعمى والتقديس، يقول الحق :"ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين، المؤمنون 24" "بل قالوا ان وجدنا آباءنا على أمةٍ وأنا على أثارهم مهتدون، الزخرف 22". لذا من الخطأ ان نسمي هذا العصر(بالجاهلية) فهي تسمية استشراقية متعمدة لاخفاء التراث العربي قبل الاسلام .

فالجذور الحضارية لأمة العرب كانت موجودة لكن استمرارها اصبح يتعارض مع العقيدة الجديدة، كونها جفت ونضبت بفعل الدعوة الجديدة، لذا فنحن اليوم مستهلكون لها لا منتجون.، بدليل ان الدولتين الأموية والعباسية والبويهية والسلجوقية لم تقدم لنا الا السفسطة وتخريجات رجال الدين الميتة، من هنا فالسلفية تستغل هذا الفراغ الحضاري لاعادتنا الى القديم بأسم الدين دون النظر الى واقع التغيير التاريخي الملزم، وبغض النظر عن مفهوم الزمان والمكان.، ناسين او متناسين عن قصد ان الزمن يلعب دورا في عملية التغيير، وهذا نقص منهجي كبير كتبناه خطئاً في مناهج الدراسة لأجيال اعتبرته صحيح..

لقد اسقطت السلفية مفهوم الزمان والمكان، واسقطت العقل والتاريخ حتى اصبحت تواجه هزيمة نكراءامام التحديات الحضارية اليوم، حين اخذت تبحث في فراغ وليس في أمر الواقع. والا هل معقولة ان الاسلام يريد لقوانين التطرف ان تسود؟

اذا كان هذا التوجه السلفي يراد به اثبات حقيقة الاسلام من وجهة نظرهم، علينا ان نسألهم، هل ان القرآ ن هو من التراث ام لا يدخل فيه؟

للأجابة عليه من وجهة نظرنا نقول أولاً :اذا كان القرآن ليس منزلا فهو من التراث، لكن الواقع يثبت ان القرآن كان منزلا ولا يمكن ان يكون من التراث لكونه علم ورسالة كما مثبت في الآيات الثلاث المحكمات والمتشابهات والمشتركات .

ان الخطأ القاتل اليوم عند المسلمين هواعتقادهم ان القرآن يجب ان يفسر على ضوء مفردات اللغة في العصر الذي نزل فيه، وهذا هو مقتلنا حين أعتبرنا النص المقدس ثابت لغويا وغير متحرك . وكأننا نريد ان نقول انه من التراث وغير منزل، لدرجة قالوا خطئاً ان القرآن حمال آوجه، وهذا نقص فقهي كبير.

من هنا نحن بحاجة الى التأويل وليس الى التفسير كما جاء في (الآية 7 من سورة آل عمران) . لأثبات ان النص ثابت لكنه متحرك في محتواه، وهذا الذي دعا الرسول (ص) الى عدم تأويل القران في عهده لتلافي ما قد يحدث من تغيير، ولأثبات ديناميكية النص في قبول التغيير.

ان ما نطلق عليه القرآن يتألف من اربعة اقسام هي :الكتاب والقرآن والفرقان والذكر وكل كلمة منفصلة بمعناها عن الاخرى حسب الآيات الواردة فيه: فألأيات المتشابهات يشملن القرآن والسبع المثاني، ويخضعان للتأويل وليس للتفسير الغوي، لكون ان اللغة تتطور وفي ايات غير المحكمات وغير المتشابهات يمكن التفسير فيهن لكن وفق منطق التطور اللغوي الحديث.

من هنا استغل رجال الدين النص ليحموا به السلطة وتجاوزاتها من كل خطأ ضد رغبة عامة الناس كما فعلوا مع دولة الأمويين والعباسيين الذين عاشوا وهم فاقدي لشرعية السلطة وظلوا يعملون من اجل تحقيقها وبذلوا كل جهد دون تحقيق.

لذا علينا ان نقدم قراءة معاصرة ونظرة جديدة للاسلام، تنطلق من خصائص اللسان العربي، وقوفا على الأرضيةالفلسفية والمعرفية للقرن الحادي والعشرين، وعلينا ايضا ان نعرض وجهة نظر جديدة الى الوجود والمعرفة والتشريع والاخلاق والجمال والاقتصاد والتاريخ، نستنتجها حصرا من آيات الذكر الحكيم، اخذين بعين الاعتبار شمولية الاسلام التي جاءت من حنيفيته في التشابه والحدود.

من يتعمق في الآيات القرآنية ومعانيها السرمدية يتبين له ان العمود الفقري للاسلام يعتمد على قانون الصيرورة (اي نظرية التطور) يقول الحق : " قل سيروا في الارض فانظروا كيف بدأ الخلق ان الله ينشىء النشأة الأخرة ...، العنكبوت 20) من هذه النظرة يجب ان نضع تعريفا جديدا للاسلام باجماع العلماء في اللغة والعلوم المادية مجتمعين لا منفصلين، ليقوم التشريع على البينات المادية وأجماع اكثرية الناس لا الفقهاء المساندين لأ صحاب السلطة، حتى تكون حرية التعبير عن الرأي حقيقة لا وهما كما يردها الحاكم، وتكون حرية الاختيار هما اساس الحياة الأنسانية في حياة الناس والمجتمع . فهل من هذه النماذج الاسلامية الباطلة نستطيع ان نكون دولة تحمي الناس والمجتمع ..؟ .

هذا ما ادركته الشعوب الاوربيىة وثارت على مرجعياتها الدينية وحولتها الى هشيم وفصلت الدولة عنها، فأخترقت الصعاب وانتقلت الى حضارة التقدم والحقوق . وما لم نعمل على فصل مؤسسة الدين عن مؤسسة السياسة ستبقى كل الكتل السياسية الاجرامية التي تحكم الوطن اليوم ترتكز الى قرارات مرجعيات المصالح الشخيصية المغلفة بالدين، ليكون الوطن كل الوطن وثرواته لهم دون عامة الشعب والمستحقين.

ألم يكن هذا ما نراه مطبقا في دولة العراقيين اليوم، حيث الرشوة والفساد الذي استشرى في كل مفاصل الدولة، والتفرقة المذهبية المرفوضة والطائفية البغيضة والمحاصصية الكريهة واللاقانونية، وعدم محاسبة المقصرين، ليتنعم الحاكمون وأولادهم الفاسدون بالثروة والسلطة، وعامة الشعب في خانات الجياع ينامون..؟

 

الى الحقلة الثالثة ؟

الفقه الأسلامي وضرورة التغيير...؟

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم