صحيفة المثقف

عبد الجبار العبيدي: حقيقة الاسلام الغائبة (3)

abduljabar alobaydiلم يعد بالأمكان القبول باراء الفقهاء الخمسة القديمة، واراء المفسرين المتشابهة للقرآن وفق قواعد الترادف اللغوي الخاطئة، وما فعله ابن هشام (ت 218  للهجرة) بالسيرة النبوية التي كتبها ابن اسحاق (ت 150 للهجرة)، ومؤسسات الدين الحالية المتزمتة والمدعية بأنها تملك الاسرار الربانية المقدسة ( قدس سره) وتنحاز دون وجه حق لطائفتها دون الأخرين، فمحمد (ص) لم ينحاز لأبن عمه ابي لهب، وعمر (رض) لم ينحاز لأبنه عبيد الله في وراثة الخلافة، وعلي (ع) لا يوافق على تعيين اخيه عقيل في ولاية لعدم كفاءته لها، بينما تريد مؤسسة الدين والتابعين لها بحجة الأنتماء لاهل البيت والصحابة، ان تبقى هي الاساس الذي لا يخترق في تفسير النص وتقرير مصيرالدولة والعراقيين، و اللعب بمصائر الاجيال بحجة المذهب اوالدين، ويحتلون المسئولية الوطنية دون المواطنين، والاسلام لا يعترف بمذاهب الدين بالمطلق، ليبقى صحيحي البخاري ومسلم وبحار الانوار للمجلسي هم من يوجهون الافكار ونحن في القرن الواحد والعشرين، وبعد ان اصبحت احاديثهم وفتاواهم تاريخ، لا يعترف بها القرآن ولا يخولهم حق الفتوى على الناس ولا يميزهم بلباس معين كما كان عند رجال العهد القديم .

ولا بد – اذن- ان نعيد النظر في اصول التاريخ الاسلامي وننبه الاذهان الى ما يضرنا فيها بعدان تغير كل شيء، حتى الأديان لم تعد تُقبل على عواهنها كما جاءت في الكتب المقدسة مادام النص الديني ثابت ومحتواه متحرك قابل للتجديد وهو التشابه الذي يحتاج الى التأويل المستمر مع الزمن المتغير.، لذا لابد من وضع منهج جديد في اصول التشريعات الدينية قائم على البينات المادية واجماع الأكثرية من اصحاب الفكر النير في معالجة النص (التأويل بدلا من التفسير اللغوي والذي رفضه القرآن الكريم بالآية 7 من سورة آل عمران)، حتى تبقى حرية الرأي وحرية الاختيار في قبول التوجهات الدينية من عدمها هي الاساس في تطبيق الحقوق والقوانين.

لقد آن الآوان علينا ان نقول: ان المفهوم الحقيقي لمفاهيم الأديان يجب ان تطرح بنظرية واقعية جديدة تتلائم ومفاهيم الحضارة الحديثة كما عند الشعوب المتقدمة التي احتلت المكانة المرموقة في التاريخ الحديث، ونطرح جانباً فكرة ان الدستور يستمد كل نصوصه من ثوابت الاسلام، مادام المجتمع العراقي متعدد الديانات والتوجهات الأجتماعية. وأنهاء فكرة النقل المبنية على الحدس والتخمين، والانتقال الى فكرة العقل التي أقرها القرآن في آيات البصائر، يقول الحق: "أفلا يتدبرون القرءان أم على قلوبٍ أقفالها (محمد24)"، حتى لو تضاربت مع ما جاءت به ثوابت الدين، مادام تفسير هذه الثوابت اصبح اداة لتخلف المجتمع والدين.فلابد من تهديم السياج الحديدي القديم، لنحرر عقولنا التي كبلها فقهاء الدين لصالح السلطة ضد حقوق الجماهير. وننهي نظرية "اطيعوا أولي الأمر منكم كما جاءت في النص المقدس وفسرت تفسيرا لا هوتيا بعيدا عن حقوق الناس والدين.

نعم اصبح لزاماً على المثقف ان لا يتردد من الأقتراب من الحقائق التاريخية التي سكتنا عنها كل هذا الزمن الطويل بحجة الخوف، فهي خيانة للتاريخ وللذات الأنسانية، وللمنهج العلمي الصحيح.وان الاستمرار في اتباع نظريات التحريم يعني بقاؤنا في اماكننا دون حراك الى ابد الآبدين، علما ان القرآن يطرح نظرية الأحكام والثوابت والتحريم يأتي من خلالها وليس بأصل ثابت في التطبيق.لذا نحن بحاجه الى فقه جديد معاصر وفهم معاصر للسُنة النبوية، بعد ان نخترق الموروث والفقهاء الخمسة الذين تعداهم التاريخ.

علينا ان نُقدم لتغيير الحالة الراهنة التي حكمتنا سنين باسم الدين حتى لو حكموا علينا بالحرق كما حكمت الكنيسة على لوثر وكالفن، لكن حرقهما حرق كل رجال الدين، وتحولت اوربا الى العصر الحديث.

لا يمكن للعراقيين ان يسكتوا على رئاسات ثلاث وتوابعها السارقة لاموالة والمستعبدة لشعبه والبائعة لوطنة والمتعمدة في تغيير خارطته الوطنية لصالح الأخرين بمساندة سلطة الدين، تحكمهم بالعنصرية والطائفية وقوة المجاورين، وان يصبح العراق ومصير شعبه رهن القوتين اليوم رهن المحاور الدولية، وهي محصنة في اسوار الباستيل، ولننادي باعلى اصواتنا فلتسقط الطائفية والعنصرية وكل مؤسسات الدولة التي ساندت وتساند الظالمين، ولنترك اساليب المجاملات لمن اساء وغدر بحجج واهية لا تتفق مع الاخلاق والدين. وعلى المجتمع الدولي ان يساند العراقيين الوطنيين بعد ان تمادي الحكام الظلمة في حقوق الوطن والوطنيين.

لقد آن الآوان ان نرفع الراية علناً لنقول لمعاوية الاموي والمنصور العباسي وكل جماعات مخلفات الدين، ان الدين وتشريعاته المتزمتة ليست هي الحل لنقلنا الى عالم التحديث وعلينا ان ننمي الشعور وعدم الأطمئنان مع الزمن ضدهم لانهم ليسوا هم الاصلح في قيادة الامة .فأن ما يطرح علينا اليوم ليس حلاً اسلامياً على الاطلاق، وأنما حلا شوفينياً توافقياً، لذا نريد ان يتحول غضب الامة الى حالة نفسية تحول الأنسان الى التفكير الهادىء المنطقي السليم لنخلص الى قرارات سليمة بابعاد مؤسسة الدين ورجالها عن طريق تقدم العراق والعراقيين. وننبه المواطن ان لا يبقى مكتوف الأيدي تجاه المخربين الظالمين بحجة القبيلة والمذهب والدين.

علينا ان نبحث من جديد في آيات خلق الكون، وخلق الأنسان واستنطاقها وفق قانوني الجدل العام (كل شيء هالك الاوجههُ، القصص88) والجدل الخاص بنفحة الروح، ونفرق بين الروح والنفس، وبين الصالح والطالح، فالفاسد لا يمكن ان يكون مصلحا كما تدعي كتل البرلمان العراقي الفاسدة في معضمها اليوم. ونقدم فهماً جديداً للمعروف والمنكر، ورؤية جديدة للصراط المستقيم، وفهما جديدا للسنة النبوية قائمة على نظرية العقل والتطور لنعبر كل ما طرحته مؤسسات الدين من اختلافات في الأحاديث التي هي اصلا رفضها النبي (ص) قبل وفاته كتطبيق عملي في حياة المسلمين خوفا من ان تتخذ وسيلة لتفريق الأمة حين قال (ص): لا تنقلوا عني غير القرآن حتى لا يتداخل قولي مع القرآن، (انظر الواقدي ت207 في المغازي، الطبعة الحجرية القديمة).

 وعلينا رفض نظرية التقديس (قدس الله سره) لان القرآن يرفض تقديس الانسان وحتى الاعتراف بمرجعيات الدين، لذا فأن ولاية الفقيه لا وجود لها في الاسلام، فالمسلم مخير وليس مجبر (لكم دينكم ولي دين ) أنظر، سورة البقرة في التقديس الآية 174). أما ان القرآن (حمال آوجه)كما ينسبون النص الى الامام علي(ع)، فهذا خطأ كبير، فليس مثل هذا النابغة العظيم ان يقول مثل هذا القول والقرآن يقر بالتأويل.

وعلينا أعادة النظر في الأرث والوصية، وتقسيم الأرث بين الذكر والأنثى بتطبيق الآية 180 من سورة البقرة حلا للاشكالية الحالية في ظلم المرأة في الأرث والتقدير،  كما هو مطبق في الدساتير المتقدمة (الوصية) وليس كما جاء في اراء فقهاء الدين التي أصبحت تاريخ .

واعادة النظر في تأويل الآيات القرآنية التي تخص الأماء وما ملكت ايمانكم والتي هي اليوم وسيلة لتدمير حقوق المرأة كما في المتعة والمسيار وجهاد النكاح وما تبتكره المشايخ من تخريفات منسوبة للدين، في وقت كرم الله الانسا(0 وكرمنا بني آدم) ولم يقل كرمنا الرجال اوفرق بينهما بالمطلق. لذا يقتضي الحال اعادة ترتيل الآيات القرآنية والخلاص من الفصل بين المكية والمدنية والتداخل الكبير في النص المقدس ومعرفة معنى الترتيل اي الترتيب بالتسلسل الزمني، بعد ان جمع القرآن في عهد الخليفة عثمان بن عفان (رض) في وقت مبكر وبعد ان أحرقت الأصول خوفا من الأختلاف، وليس لدينا اليوم من الاصول ما يعتمد عليها في التثبيت.

فهل نتبنى منهج البحث التاريخي العلمي للخلاص من مفهوم الترادف اللغوي الخاطىء الذي فرضته علينا مؤسسة فقهاء التفسير.

لقد آن الآوان ان نُدخل التعديل في المناهج الدراسية الجديدة حتى لا يبقى الطالب أسير أخطاء الماضي وفقه الفقهاء القدامى ومؤسسة الدين ...؟

الى الحلقة الرابعة قريبا – حوار في نظرية اسلامية المعرفةً...؟

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم