صحيفة المثقف

علجية عيش: العقلُ والعقلانية والثقافة الظلامية.. نحو حوار صريح

eljya ayshيعتقد البعض أن التفكير يبعد المرء عن ملذات الحياة، وقد ينتهي به التفكير إلى فقدان صوابه أي إلى  الجنون، والحقيقة أن نزعة "التفكير" عملية ذهنية، والإنسان الذي لا يفكر في ما يحيط حوله من الظواهر ولا يبحث في تفاصيلها لا يمكنه أن يخرج بنتيجة وهو يبحث في مسألة من المسائل المعقدة، أو يخرج للعالَم (بفتح اللام) بنظرية جديدة، لقد بحث الفيلسوف الفرنسي ديكارت في قضية وجوده، وربط وجوده بالتفكير في مقولته الشهيرة: " أنا أفكر إذن أنا موجود"، لقد جعل ديكارت من " التفكير" جزءًا من وجود الإنسان،  لأنه بدون العقل، يصبح الإنسان لا وجود له، حتى لو كان على قيد الحياة، وذهب في ذلك إيليا أبو ماضي في قصيدته "الطلاسم"  وهو يتساءل كيف جاء إلى الحياة؟ ومن زرع فيه تلك الروح؟،  فهل نقول عن المجنون أنه مدرك للمجتمع الذي يعيش فيه؟ أو يدرك بما يحيط حوله؟، هو طبعا فاقد كل شيء رغم أنه  يتنفس ويتحرك، لكن الحركة هنا،  لا تقف عند حدود المشي أو تحريك اليدين، بل حركة البصر والسمع والكلام،  كلها تجتمع لتشكل عملية التفكير، وبقاؤنا في هذه الحياة مرهون بمدى حركية هذه العناصر، حتى لو فقدنا عنصر منها، فالفاقد البصر مثلا يعتمد على حواسه السليمة في تحسس الأشياء ليؤكد وجوده وتواصله بالآخر، لكن فاقد العقل وإن كان يسمع ويرى ويتكلم، ويشم فهو غير مدرك للأشياء التي حوله..

جل النظريات الفلسفية التي تحدثت عن العقلانية، وضعت أصحابها في موضع شكّ أو اتهام، فهذا يصفونه بالشيوعي، وذاك يطلقون عليه تهمة الإلحاد، وآخر بـ: "اللاديني"، ويدخلونهم جميعا في عصبة "الزنادقة"، ومنهم من أحرقت كتبهم، ومنهم من دفعت بهم هذه الشكوك إلى "الانتحار"، أو "الجنون"، لأنه تعرض إلى حالة من الاضطراب والقلق والإحباط، فتتعرض منظومته الفكرية إلى التصدع، وكثير من الأطباء والأدباء والشعراء  والفلاسفة من  وصلت بهم الأمور إلى الانهيار، وسدت هذه الانهيارات والإحباطات بهم الأفق، فلم يعودوا ينظرون إلا إلى الموت يخلصهم من الألم، والحقيقة أن الوضع الذي آل إليه العقل العربي وانهيار منظمته الفكرية، سببه انتشار "الثقافة الظلامية" لمجموعة من التنظيمات الدينية الأصولية والتيارات الفكرية، المضادة لـ: " العقلانية" التي أدت بالمجموعة البشرية إلى حافة الجنون، بل إلى الجنون نفسه، وجعلت المجتمع البشري يعيش التناقضات، والظاهرة قابلة للتوسع أو الاتساع إن صح التعبير، بهي ترى في العقلانية  كشعار إيديولوجي عفى الزمن عليها، والسؤال الذي يمكن أن نطرحه كمثال هو: لماذا تنساق الأنظمة العربية وراء التطبيع مع إسرائيل دون تفكير؟ ولماذا تتبنى الفكر الغربي في منظومتها الثقافية والتربوية وتتخلى عن الفكر العربي؟ وتجعل من الحوار "العربي عربي" ضربا من التفاهة وترى فيه مضيعة للوقت.

الحقيقة أن المجتمعين العربي والغربي مزيج من التيارات الفكرية والإيديولوجية (الإسلاميين، القوميين، الشيوعيين، الناصريين، البعثيين، الوطنيين، الديمقراطيين، الاشتراكيين والليبراليين، واليسار واليمين المتشددين)، وهذه التيارات آن الأوان لكي تناقش الإشكاليات الفكرية والمشكلات السياسية التي تشكل جوهر "الحوار" ووضع حد للضجيج السياسي والارتباك الفكري الذي طغى عليها، وأدى إلى تكريس واقع بائس، حجب على العقل القدرة على التفكير، خاصة مع انتشار الفكر السلفي المتطرف وظهور "داعش" كحركة دينية متطرفة، لا نقول حركة إسلامية لأنها تضم عناصر من مختلف الجنسيات والعقائد والإيديولوجيات، معظم المفكرين يرون أن الحوار مع الآخر يسبه نقد الذات، كنت قد قرأت مقالا طرح فيه صاحبه سؤالا هذه الحقيقة التاريخية والظاهرة الإنسانية التي لا زالت مستمرة في عالمنا اليوم، جعلت الإنسان البسيط عاجزا حتى على تخيل مجتمع بشري في غنى عن الدين وصارت عبارات من قبيل : "الدين ضرورة للإنسان" أو " لا يمكن العيش بدون دين" متعلقا بمدى حاجة البشرية إلى الأديان، وقال أن الحاجة إلى الدّين يبدو  ضرورة  ملحة لدى الأفراد، وأضاف أن هذه الحقيقة التاريخية والظاهرة الإنسانية التي لا زالت مستمرة في عالمنا اليوم، جعلت الإنسان البسيط عاجزا حتى على تخيل مجتمع بشري في غنى عن الدين وصارت عبارات من قبيل : "الدين ضرورة للإنسان" أو " لا يمكن العيش بدون دين"، لكن الواقع كشف العكس، فـــ: "اللادينية" تكاد تحتل الساحة في العالم كله، فقد أظهرت دراسة عن حجم أتباع الأديان في العالم، أن من لا ينتمون لأي دين يمثلون ثالث أكبر مجموعة بعد المسيحيين والمسلمين، وقبل الهندوس مباشرة، وتقول الأرقام أن  عدد "اللادينيين" في أنحاء العالم كله يصل إلى نحو 1.1 مليار شخص، ولدا يمكن القول أن الحوار العقلاني مطلوب، وضروري في أي مجتمع متحضر ديمقراطي يؤمن بحرية المعتقد، وبالتعدد وحق الاختلاف.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم