صحيفة المثقف

عبد الجبار العبيدي: حقيقة الاسلام الغائبة - نظرية المعرفة (4)

abduljabar alobaydiنظرية المعرفة: هي نظرية فلسفية تهتم في البحث المعرفي ومصادره وطبيعته العلمية. ونحن في المجتمع العربي الاسلامي بعيدين عن هذا التوجه الانساني والفلسفي، لدرجة انه لم نستطع ان نقدم صياغة حديثة لنظرية المعرفة الانسانية مصاغة صياغة معاصرة للنص المقدس مستنبطة من تأويل النص لأننا لازلنا ننظر الى علم الفلسفة على أنه حرام .

من هذا التوجه المتخلف لم نصل الى ايجاد نظرية في المعرفة الانسانية ، مصاغة صياغة حديثة ومعاصرة مستنبطة حصرا من النص المقدس، لتعطينا ما نسمية باسلامية المعرفة. وبهذا بقينا بعيدين عن منهج التفكير العلمي، وعلى التعامل والتفاعل مع الانتاج الفكري العالمي، حتى اصبح كل منتج حضاري سابق لعقيدتنا يقع في خانة الباطل .ان هذا التوجه الخاطىء ادى بنا الى التفكك الفكري والتعصب المذهبي، حتى رمينا كل من يخالفنا بالألحاد والزندقة والجبرية والقدرية، وما درينا ان كل فكر انتجه الأنسان هو ليس عدوا للأسلام بالضرورة.

مالم نصحوا ونغير من هذه النظرة الضيقة لعلوم الاخرين سنبقى نتعايش مع مواقف التشنج والسذاجة وضيق الافق دون معرفة ما تعارف عليه المتقدمون..وحكامنا اليوم مثالاً...؟

الآيديولوجات العالمية كالشيوعية والرأسمالية والبوذية والهندوسية خلقت قادة يؤمنون بها وبمبادئها، مثل، ماركس، وآدم سمث، وجورج واشنطن، وغاندي، وماو، وهوشي منه، لأعتقادهم بأنها هي البديل لحياة التخلف والأندثار، قادة: لا خانوا، ولا سرقوا، ولا اهملوا الدولة والوطن والمواطن كما نرى قادتنا اليوم .كان همُهم الوطن والانسان وليسوليس المنافع الشخصية ومناصب الوليان، ضحوا من اجل القيم والوطن وعاشو ا كما عاش المواطن العادي دون تمييز، وصنعوا من أفكارهم حضارة وتقدم وقانون، لذا عملوا دولأ واحترموا شعوبهم، فأخلص أتباعهم لمبادئهم حقا وحقيقة دون تبديل. وها ترى دولهم اليوم تحتل الصدارة في العدالة وتطبيق القانون واحترام انسانية الانسان في التطبيق.

بالمقابل ماذا قدمت الآيديولوجية الاسلامية لأتباعها عبر هذا الزمن الطويل؟ غيرالفقه الاسلامي الميت البعيد عن جدلية الانسان والذي أنتج لنا طالبان والقاعدة وداعش وكل فقهاء التخريف ..فهل كان أتباعهم من المؤمنين بها وبمبادئها؟، اوقل هل كان أيمانهم بعقيدتهم في عمقه شك وتضليل؟ أم ان الآيديولوجيا الاسلامية لا تصلح للتقدم والقانون.

اعتقد نعم، ومنذ 1400 سنة والى اليوم لم نرً الحقوق والتقدم والقانون، سوى سفسطة فقهاء الدين وتابعيهم وأكاذيبهم التي مللنا سماعها ومل منها حتى القانون؟، ولو كانوا العكس ... لقدموا لنا ما قدمته الآيديولوجيات السابقة لأصحابها من علم ووحرية وتقدم، ولحافظوا عليها دون تبديل.فظل أتباع هذه الآيديولوجيات الأسلامية المتعددة على السواء من المخالفين والمعتقدين بها؟، حتى أختار الحكام لأتباعهم، الثقافات الوهمية، واخلوا بالتشريعات والاحكام، واحلوا لنا نظريات التأمل والوهم، كنظرية المهدي المنتظر التأملية، وولاية الفقيه الدكتاتورية (قدس سره)، واراء ابن تيمية التي فرضت على تابعيها وأتباع الحاكم حتى لو كان فاسداً، والغزالي في نظريتة الضرورات تبيح المحضورات، وفقهاء التخريف من الوهابيين في جهاد النكاح، والابتعاد عن كل ما هو منطقي وحديث، فكانت لنا طالبان والقاعدة وداعش وكل من في رأسه تخريف وغلٍ قديم.؟ هذا هو الذي قدمته عقيدتنا للمسلمين، فضاعوا في أتون المناهج الدراسية الوهمية دون تحقيق.

بعد هذا أهملوا تأويل القرآن ووقفوا من الاسلام الصحيح موقف العداء من أول الأمر، ليس لعداوة قديمة فيما بين عبد شمس وهاشم كما يدعون، وأنما لأنهم لم يأولوا النص او يفهموه لقصر في ثقافتهم آنذاك، فخدموا به السلطة دون عامة الناس .فماتت نظرية المعرفة عندهم، بعد ان أنشاوا لنا كل هذه العدوات اللامبررة بين العرب والمسلمين، وبعد ان دونوا لنا في التاريخ ان عبد شمس وهاشم ولدوا توأمين ملتصقين فقطعوهما بالسيف، حتى أنشأوا لنا نظرية الاعتداء والحروب؟ وهي في واقعها الصحيح وهم وتضليل؟

لذا فقد كان دخول معظم أتباعهم الاسلام – على ما اعتقد - عن خوف لا أقتناع، وهذه هي الحقيقة بعد ان غفل القانون حق المواطنين في الحرية والرأي التي نادى بها محمد (ص) بعد دخوله مكة (لكم دينكم ولي دين)؟ حتى كانت (السقيفة، والردة ، وما سمي بالفتوحات الاسلامية والاعتداء على تراث الاخرين، اما المصيبة الرابعة هي التي قالها الخليفة الثالث (رض): ان تصلبوني لن أتنازل عن الخلافة، أنظر الطبري في خلافة عثمان، و:كأن الخلافة جاءته هدية من الله، وليست من الناس وهذا مبدأ خطير.واليوم يكررها الخليفة في دولة القانون الذي دمر الوطن والمواطنين حين قال: (أخذناها وبعد ما ننطيها) وأتباعه يصفقون .حتى حل بنا ما نراه اليوم من تراث الأقدمين (منا امير ومنكم امير كما في محاصصة المغييرين ). وليذهب الشعب الى السعير، فأسسوا لنظرية الملك العضوض كما كانت عند الاموين والعباسيين ومن جاء من بعدهم من المسلمين..

خطأ استراتيجي قاتل نفذوه فينا منذ البداية وحل بنا حين عقدت السقيفة دون اجماع المسلمين، وأنا اقول ليس بالضرورة ان يكون الامام علي (ع) هو الخليفة الأول، ولكن ليس من حق ابي بكر (رض) أيضاً ان يكون الاول فيها-فالخلافة شورى بين المسلمين (وأمرهم شورى بينهم) ان ألتزموا بالنص القدس، وان ما ادعته الفرق الشيعة بحق علي (ع) في غدير خم كان وهماً، وأنما كانت التوصيةالمحمدية ان صحت من باب اشهار الكفاءة لا التعيين؟.

وحين حلت كارثة السقيفة، كانت الخلافة بحاجة الى دراسة وتنظيم، فتركت الخلافة دون تحديد مدة او مدى سلطان، فتحولت بمرور الزمن الى حكم عضوض مستبد، فظلت مسائل النظام السياسي دول حل حين حل السيف بدلا من القلم، والقبيلة بدلا من الرأي، وما جرت بعد ذلك من أحتكار للسلطة والثروة والسلاح كما هو اليوم عند المغييرين .فماتت نظرية المعرفة التي نادى بها القرآن، وطالب بصياغتها صياغة حديثة ومعاصرة تصلح لكل الأزمان حين طالب العلماء مجتمعين لا مفرقين بوضع دستور الامة وحقوقها بالتأويل للنص دون التفسير الفقهي الناقص في التعيين (الآية 7 من سورة آل عمران).

وبدلا من الأنصياع للنص المعارض لأحتكار السلطة والتفرد بالمال العام، الذي اتبعوه منذ بداية تكوين الدولة، غابت نظرية المعرفة منهجا عن التفكير العلمي والتعامل والتفاعل مع الأنتاج الانساني وعَدوهُ باطلا، فظهر التفكك الفكري، والتعصب المذهبي، واللجوء الى مواقف فكرية تراثية لا تنتمي للنص بالمطلق حين عدوا ان كل ما انتجه الفكر الانساني قبلهم باطل ومرفوض فنشأت العزلة، وظهر صوت التزمت ليتهم كل المعارضين بالزندقة والجبرية والهرطقة، وخاصة بعد موت المآمون وحركة الترجمة ومجيء المتوكل العنين(ت232للهجرة) حتى اعتبر ان كل فكر انتجه الانسان في الحضارات السابقة هو عدو للاسلام بالضرورة.

ومن هنا غاب المنهج المعرفي، حين أهملت نظرية جدل هلاك الشيء (كل شيء هالك الا وجههُ، القصص88)، ونظرية جدل الأنسان، (ولقد صَرفنا في هذا القرآنِ للناسٍ من كلٍ مَثلٍ وكان الانسانُ أكثرَشيء جدلا، الكهف54).

وأهملت بقية النظريات مثل جدل الرحمن والشيطان وعناصر المعرفة الأنسانية مثل الحق والباطل، والعقل والفكر، والبشر والانسان وحين التوقف عن الخوض في هذه الأشكاليات التي طرحها القرآن والتي اصبحت عائقا امام دكتاتورية السلطة والاستيلاء على المال العام ومساواة المواطنين فيما يخص حقوق كل منهم وواجباته. توقفت الأرضية المعرفية العلمية، فاصبحنا نعيش أزمة فقهية حادة، تطالب بفقه جديد يستبعد افكار فقهاء الحاكمين ونظرية (الحديث) المخترعة التي قالوا هي البديل عن القرآن الكريم .وليعلموا ان السنُة النبوية ليست قوانين اجبارية في التطبيق (قوله ص في فتح مكة:لا تنقلوا عني غير القرآن، أنظر الواقدي في المغازي) لأعطاء البديل، فكانت المطالبة بنظرية المعرفة هي واجبة التطبيق لكنها رفضت من سلطة الفقهاء والدين لمعارضتها سلطة الحاكمين.

ومع مرور الزمن ضاعت بين اجيالنا القضية التي أخفوها، حتى ضحوا بنظرية المعرفة في الحق والعدل تجنبا للفتنة كما يدعون، انظر علي سعيد في كتابه أصول الضعف.

ومن خلال مسيرة النقص والمعاناة سرنا خطوة خطوة في طريق يختلف تماما عن التعايش مع النص القرآني الصحيح، وكانت بداية النهاية لامة الاسلام التي اصبحت اليوم موضع شك حضاري فيها وبكل فقهائها من الحاليين عند المسلمين وفي كل العالمين.لدرجة ان مواضيع حقوق المرأة وما ملكت ايمانهم والآرث والوصية اصبحت موضع مسائلة دون جواب علمي لها من فقهاء الدين، وبعد ان اصبحنا يشار الينا بالبنان أننا من القتلة والأرهابين، فأين ما ندعيه من تراث الأقدمين ..؟

ولعل غياب نظرية المعرفة الصحيحة عند المسلمين اليوم هي السر في المحنة الثقافية القاسية التي ما زلنا نعايشها مع كل الفرق الشيعية والسُنية الوهمية بمختلف توجهاتها، ,فاصبحنا من المتورطين في لغة بعيدة عن الواقع في فهم الاسلام - الصحيح بمصطلحاته - اسلام يعيش في لغة الناس ، وليس في واقعهم المتردي البغيض اليوم .

ونتيجة لهذا الواقع المر، فلا يحق للشيعة والسُنة بمختلف مذاهبها ان تدعي الاسلام الصحيح، وليس لها الحق في قيادة الامة بعد ان ابتعدت عن المبادىء الحقة التي جاءت بها نظرية المعرفة لمحمد وأهل البيت الأطهار والصحابة الأبرار. فيا قادة الشيعة والسُنة اتركوا الشعوب لتشق الكفن وتعلن عليكم الصور..؟

الحلقة الخامسة: الناسخ والمنسوخ وهماً لا حقيقة...؟

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم