صحيفة المثقف

قُصي الشيخ عسكر: التباس

qusay askarبالكاد كنا نتبين وجوه بعضنا خلال إنارة الصالة الناعمة الهادئة، لكن الضوء الساطع الذي ينبثق من غرفة المكتب كان يتسلل إلى ردهة الاستقبال فيكشف بوضوح تام عن لوحة مفاتيح  معلقة على حائط خلفي وثمة إلى الأمام دكة خشبية تحجز بين النزلاء الجالسين في الصالة ومن يقف داخل الردهة من موظفين يؤدون طلبات الزبائن.

أظن أن الأجواء القاتمة في صالة الانتظار بدت لاتشجع أيا من على الحديث مع غيره،غير أن قدوم شخص ما لعله مدير النزل أو أحد الموظفين جعل العيون تنشد إلى حيث الدكة ولوحة المفاتيح. كان الرجل في الخمسين ذا وجه جاد أقرب إلى الصرامة ورأس بيضوي يشبه هامة النعامة  مع ذلك لم يبد ليثير الرهبة. تطلع إلى حيث نجلس ونطق باسم ما لم أتبينه. نهض أحد الجالسين ووقف عند الدكة.سأله الرجل من أي قرن أنت، فرد العابر القرن الثامن عشر.تراجع الى الخلف حيث اللوحة فالتقط مفتاحا سلمه إلى الرجل الذي لم نتبين ملامحه  على الرغم من دخوله فسحة الضوء الساطع عند الدكة فقد كان ظهره باتجاهنا. التقط مفتاح غرفته كما يلتقط ديك حبة من على التراب وانصرف يحث الخطى داخل الممر.

يبدو أن الرجل النعامة لم ينظر إلى قائمة مرمية على الدكة بل كان يحفظ الأسماء عن ظهر قلب، نطق باسم آخر مبهم، فأدركت أني قد أكون بعيدا لاأعي، فتجاهلت العتمة واقتربت اتطلع في القائمة .، لم يلتفت الي الرجل فجالت عيناي بلمحة سريعة كانني ابحث  عن مكان اخر  خال ثم عدت إلى موضعي الأول.

من أي قرن أنت؟

الأول قبل الميلاد.

التقط الرجل مفتاحه وغاب في الممر.

الأول الثالث.. العاشر .. الخامس قبل الميلاد... الرابع  عشر.. الألف الثالث قبل الميلاد... الثاني... قبل الميلاد بعده ... القرون تتوالى كل يقف لحظات عند دكة الاستقبال  وظهره باتجاه ردهة الاستراحة يستلم مفتاحه ويغيب في الممر الذي يكاد يتوارى عن العيون.

تكاد القرون تنتهي ، والرجل ينطق باسم مشوش الملامح ينهض شخص ما يقف مقابل الموظف وظهره نحوي:

من أي قرن أنت؟

الحادي والعشرين!

إنه من قرني أنا حدثت نفسي، وقد نسيت أن القرون كانت لاتعبر بالترتيب من من ردهة الاستراحة فالاستقبال ثم الممر . التقط الرجل مفتاحه بتثاقل وغاب كالآخرين ، وبدا لي أن الموظف ، المدير، الرجل النعامة لأسمه ماشئت يهم بالانصراف، ثم يتراجع كمن تذكر شيئا، كان هذه المرة ينطق اسمي واضحا:فاندفعت نحوه،وقبل أن ينبس ببنت شفة قلت حيث لم يبق لي من قرن أصحبه معي:

القرن الثاني والعشرون!!

وللمرة الأولى أجده يتمعن في وجهي طويلا،ويقول بعد جهد:

آسف يبدو أن اسمك ذهب لمكان آخر!

قال ذلك ودلف مسرعا إلى حيث الغرفة ذات الضوء الساطع التي أظنها غرفة الإدارة وكنت أسأل نفسي من ياترى ذلك الشخص الذي لم أتبين ملامحه وكان حمل القرن الحادي والعشرين وذهب به وحده قبلي!

 

قصة قصيرة جدا

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم