صحيفة المثقف

علجية عيش: عصر إنسان الشبكة العنكبوتية افتراضي يجهل الحقيقة

eljya ayshالمحلل السياسي د. عبد الرحمان جعفر الكناني: هذه أسئلة العصر التي لم تجب عنها مؤسسة "أمريكانالوجيا"

كيف تتحول الهواجس إلى طاقة تتيح للإنسان الشعور بأنه ليس عبئا على أنظمته المتهالكة أو مستهدفا من قبلها؟ سؤال طرحه الدكتور عبد الرحمن جعفر الكناني  وهو يتحدث عن الجيل الحالي، قال عنه أنه جيل هرم، يتآكل، قبرته حركة الحضارة الجديدة، وجعلت من مثواه الأخير شاهدا لأثر قديم، يعتني به المؤرخون الذين يجدون فيه اكتشافا تاريخيا يستحق البحث والتنقيب، تتناقل خصائصه الأجيال الآتية إنسانا كان يحيا بـتوازن الروح والموضوع، الذات والعقل، المادي والمحسوس، إنسان يتحرك، يفكر، ينتج، يتصارع ويتعالى بقيمتي التضحية والإيثار

يرى  الدكتور عبد الرحمن جعفر الكناني  وهو كاتب ومحلل عراقي ورئيس تحرير جريدة "الأمم العالمية" في دراسة أجراها حول "واقع الإنسان كجسم سياسي" أن البحث عن موقع الإنسان المعاصر في ظل المتغيرات الدولية وانبعاث الفكر الأمريكي الحديث الذي أحدث انقلابا جذريا على مستوى الحياة البشرية في كوكب الأرض قاطبة، متخلية عن شروطها الأخلاقية الإنسانية ومتجردة عن المبادئ لصالح ثقافة الاستهلاك التي أضحت عنوان الوجود الإنساني الراهن، حيث يصف العصر الماضي  بعصر المبادئ والمؤسسة والأمة، ببلوغ عصر “الإمبراطورية الأمريكية” السائر بخطى النمط الاستهلاكي الموحد للأجناس البشرية الخاضعة لهيمنة القطب الواحد، يرتفع فوق أنقاضه إنسان الشبكة العنكبوتية مجردا من المبادئ، فقد شخص الدكتور الكناني واقع الإنسان ككائن سياسي  مجلاد من الروح، التي بها يضمن وشرائط بقائه، وأراد الدكتور عبد الرحمن جعفر الكناني القول أن السياسة جعلت من الإنسان  ممسوخ الهوية،  فاقدا للروح الإنسانية، وهو كجسم سياسي  آخذ بالانهيار، فتنهار معه أركان أمة لا يبقي مجالا للإنسان في التعبير عن قيم " الانتماء للأرض والذات وتطبيق القوانين"،  فهذه المفاهيم كما قال  بدأت تتراجع أمام تطورات المجتمع الحديث.

الأسباب طبعا تعود إلى امتداد  شبكة الاتصالات  (هكذا يراها صاحب  الدراسة) فتعرض علاقة الإنسان بجسمه السياسي للمزاحمة من قبل كمٍّ هائل من الاتصالات المنتشرة خارج هذا الجسم، بشكل تبدو معه الأفكار والسياسة والقيم بعيدة كل البعد عن أي مبدأ منظم لحياة المجتمع.. الذي يحتاج الآن لأدوات جديدة في التحكم في مسيرة الحياة، ويشير الكناني انه بفضل شبكة الاتصالات بدأ الإنسان  يتقدم  شيئا فشيئا نحو العصر الجديد، لكن يتقدم وهو مجرد من كل سلاح تقدمي، أو رؤية حضارية  تعبر عن خصائصه كإنسان، ومن خلالها يتمكن من إشغال ذلك العصر الذي لا يمنحه صفة الامتياز في خارطة الإنسانية الحديثة.. الإنسان أشبه بتلك الآلة التي اعتادت التسارع في حركتها دون توقف لا وقت لها للتفكير أو التأمل.. أضحت مدججة بآلات الاتصال الفضائية التي تختصر في جهازها العالم.. فمن لا يحمل هاتفا محمولا الآن؟!، ويربط الدكتور جعفر الكناني علاقة " تحت والآخر" بما يحدث في الخريطة السياسية، لم يعد فيها البحث عن أمور تخص "الأنا" لأن شبكة الاتصال خلقت عالما افتراضيا، لا يهم أن نعرف مع من تتحدث، بقدر معرفة  ما يدور من حديث  بين الطرف والطرف الآخر، ذلك هو السؤال المعاصر المتداول في ظل حركة البشر الهائلة، التي نصاب في زحمتها بصداع لا يرحم- يضيف الدكتور جعفر الكناني-،  لأن السياسة أو أفكارها لم تعد تشغلنا، والديمقراطية حلم تجاوزناه قبل أن نبلغه.

ويرى صاحب الدراسة أن الاستلاب الفعلي لحقوق الإنسان في العالم العربي، معضلة  غفلنا التصدي لها.. ونحن نسعى لبناء عصري، والإستلاب استمر منذ حقب استعمارية متوارثة، جردت الإنسانية من خصائصها الذاتية فما عاد له أي للإنسان ميزان ثابت للحق الإنساني أو تقليد اجتماعي لممارسته، فلا يمكن للإنسان الحديث أن ينهض في عملية البناء وهو مسلوب الإرادة وبطاقة هامشية معطلة، وعلى حد قوله هو فإن  روح العصر بقدر تأسيسها الجذري على قاعدة المعرفة والعلم تتشكل اليوم من نزوع متحرر يخرج المرء من عزلته ويتيح له تحويل هذا الهاجس المحصور في صدره إلى طاقة إبداع قوة لجوجة ينبغي أن تأخذ مداها في جميع القنوات والصيغ التي تتيح للإنسان أن يشعر أنه لم يعد عبئا على أنظمته المتهالكة أو مستهدفا من قبلها.. وأنه ليس طارئا.. انه لبنة في الأمن الإنساني، ولذا فهو يرى  أن  الصراع والحوار كنموذج لحضارة راهنة هما طرفا قانون المواجهة، كيف ذلك؟ يجيب بالقول أن  الصراع والحوار..الذي يحكم العلاقة بين النموذج الحضاري الغربي وبين وضعنا الراهن.. القائم على أنقاض حضارات إنسانية منهارة لم نرث غير مضامينها المعنوية التي لا يمكن إعادة صيغتها كفعل حضاري متجدد..، فالنموذج الغربي يصادر كل ما هو عام وإنساني، ويزينه باعتباره خصوصية تميزه، ولم ينقطع عن مصادرة القيم الحضارية والإنسانية ويفرغها من محتواها..، لكن الازدواجية في النموذج الغربي تفضح ذاتها لأنها تستغل الفارق الكبير في التطور الذي يفصل الغرب عن المجتمعات الأخرى وهو يروج لمضامينه كرمز أحادي لحضارة العصر.. ومرجع مطلق لها.

و قد اعتمد الدكتور جعفر الكناني في دراسته على نظرية المفكر الأوروبي جان ماري جوينو الذي بيّن كيف يمارس العالم الامبريالي العنف في مسافة بمزيج من ادعاء سذاجة الإنسان الطيب والوحشية الضارية، وباقترابنا من صور ما حدث نجد الموتى العراقيين الذين لم يعد يظهر عنهم سوى إحصاءات متلبسة، ونجد الحرب وكأنها لعبة من ألعاب الفيديو، فلم نكن حتى بحاجة لأن نبغضها، ونجد حكوماتنا المعنية مكرسة لتعبئة الرأي العام الغربي خلال كل فترة صراع، فنحن لم يكن لدينا استعداد للضحية ولا للكراهية وللمرة الأولى في تاريخ الحروب نجد القادة العسكريين الذين استوعبوا درس فيتنام يولون أهمية كبيرة لتنظيم الرأي العام الشعبي والمدركات الجماعية التي لديه عن المعارك،

النتيجة التي خرجت بها الدراسة هي أنها كشفت عيوب  النموذج الغربي الذي  ينطوي أساسا على شكل "كاذب" يحمل في مضامينه قسوة همجية تدفعه باتجاهين متناقضين: الأول يكمن في شفافية إنسانية ظاهرة شكلا، والثاني في  ممارسة البطش والسيطرة والاستبداد والاستغلال والاستعلاء، ذلك هو عمق الخلل الأخلاقي داخل التجربة الغربية التي جعلت من التقدم المادي وسيلة لنسف الخصائص الإنسانية وضرب القيم المعنوية والروحية في العلاقات البشرية،  وإن الاتجاه الغربي نحو استخدام التقدم التكنولوجي كورقة ضغط على العالم، يعبر عن انسجامه مع نموذجه الحضاري الذي يجعل من الإنسان مجرد آلة يتحكم هو بحركتها ودورانها تبعا لأهوائه ومصالحه واتجاهاته، إن الحقيقة تكمن في وجود مشروع أمريكي للهيمنة، دخل فعلا مراحل طور البناء تدعمه الصهيونية العالمية ويدعو إلى استنزاف العالم، وتفتيت الوطن العربي..

فالذي يجري هو إرهاب تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية ضد كل من يسعى إلى بلورة رؤية نقدية معارضة لمحاولات الهيمنة الأمريكية على العالم وسياسة عربدة القوة والقمع الأخلاق الأمريكية المزدوجة التي تشجع وتدعم الإرهاب الصهيوني وإرهاب الدول التي تدور في فلكها.. ثم تعتبر مواجهة الاحتلال وممارسات القوة الغاشمة إرهابا!!، ويستخدم هذا المشروع أحدث الوسائل المعاصرة في تنفيذه وترويجه، وهو ينطلق من أن منطق القوة هو الأساس في دفع العالم للخوف واليأس والاستسلام.. وهذا ما يجعل الوعي بحقيقة التوجهات الأمريكية يشكل نقطة البداية الصحيحة لرفع مستوى مواجهتها عبر التأكد على الإيمان بالقيم والثقة بالنفس ووضع الإمكانات المتاحة في طريقها الصحيح..، ولعل ذلك من شأنه إرباك السياسة الأمريكية وكشف تناقضاتها وإثبات فشلها..، وفي غياب حصانة المجتمعات ومناعتها..، يتحتم طرح الأسئلة الجوهرية حول الإنسان من جديد.. (الإنسان من هو؟ هل هو الحيوان الأكثر تطورا على وجه الأرض، أن هو  الحيوان الناطق،  المدرك؟  الحيوان الذي يدفن موتاه؟ أم هو المخلوق الوحيد القادر على إحداث تراكم متواصل من المعرفة التي يعتمدها في بناء حضارة ؟!، إنها أسئلة العصر التي لم تجب عنها مؤسسة "أمريكانالوجيا".

 

قراءة علجية عيش

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم