صحيفة المثقف

علجية عيش: الفرانكفونية واللغة العربية قضية تتجدد في ظل صراع الهوية

eljya ayshدعا الأديب العروبي الطاهر يحياوي رئيس دار "الأوطان" للنشر والتوزيع النخبة "الفرانكفونية" إلى حوار ثقافي وعلمي وأدبي وتاريخي، حول "السيّاسات اللغوية وصراع الهويّة"، حوار قال عنه أنه سيكون أقلام مع أقلام، وحقائق تقابل حقائق، ودلائل تقابل دلائل، دون الخروج بالحوار الثقافي إلى غيره، ودون توجيه اتهاما لأحد، وأوضح الطاهر يحياوي أن النخبة الفرانكفونية التي تدعي أنها ستقودنا إلى التقدم والازدهار، لا علاقة له بالحكومة ولا الدولة الجزائرية، فالفرنكوفنيون هم الذين يزعمون هدا الزعم، ويحاولون إقناع الرأي العام الجزائري بآرائهم، ولذا فنحن ندعوهم إلى الحوار ولن نتهمهم باي شيء وإنما نريد منهم أن يثبتوا صحة دعواهم بأدلة يقبلها الناس

جددت أقلام فرانكفونية موقفها المعادي من اللغة العربية، وأعادت إلى السطح قضية الصراع اللغوي "العروبي الفرانكفوني"، في ردها على موقف أبداه الأديب الطاهر يحياوي، بعد انتقاده "النخبة المفرنسة" في الجزائر، وذلك عقب مقال نشره بيومية صوت الأحرار تحت عنوان: "الفرانكفونية من أخطر الحروب على انتماء اللغة العربية"، فكان من الواجب عليه تصريف الشعور العروبي الصادق والوطني، ويسير على درب الذين تعاقبوا على المنبر الثقافي، لإعلاء اللغة العربية ويؤرخون بألسنتهم الفصيحة وأساليبهم المتنوعة للغة "الضاد"، اللغة التي قال فيها العلامة عبد الحميد ابن باديس الصنهاجي: " شعبُ الجزائر مسلمٌ وإلى العُرُوبة ينتسب، من قال حادَ عن أصلهِ أو قال مات فقد كذب"، ولعلّ هي دعوة لمحاربة النّسيان، والكلّ يعلم الحالة المزرية التي أضحت عليها الجزائر بعد الاحتلال الفرنسي لها، الذي عمل على نقل فكره وثقافته إلى البلاد المغلوبة له، فقضية الفرانكفونية كما يراها البعض أضحت وَرَمًا سرطانيا ينخر كامل جسد الأمة وبالتالي فالمشكلة ليست في تشخيص الداء الذي أصبح معروفا ببساطة و عليه آن الأوان للإسراع في العلاج ما دام الجسد قابلا للاستجابة وأولى خطوات العلاج ليس الاستئصال كما يعتقد الكثيرين لكن تقوية المناعة، من خلال الخطاب الفكري التوعوي وكذا استثمار الدراسات والأبحاث الفكرية البناءة في مجالي الأدب واللغة والذي من شأنه أن يرجح كفة الدواء في مجابهة الداء، فيما رأى آخرون أن الفرانكفونية كشرت على أنيابها منذ مجيء بن غبريط، مشيرين في ذلك إلى أن الحركة التعليمية اليوم في خطر، وقد حذرت جمعية العلماء المسلمين من تفشي هذا الخطر، ودعت إلى إنشاء مجتمعا مدنيا مثقفا ومسلحا بالثقافة العربية الأصيلة.

ولم تلق مواقف الأديب الطاهر يحياوي قبول بعض الأقلام التي تدافع عن النزعة الفرانكفونية ومن بين هؤلاء الروائي بلقاسم مغزوشان، رغم أن هذا الأخير يكتب باللغة العربية كما أشار هو بذلك، في رده على صاحب المقال، حيث اعترف أنه كان مصدوما لقول صاحب المقال أن الفرنسية قتلت العربية، المؤسف أن الروائي بلقاسم مغزوشان وهو يشيد بلغة ديغول يؤكد أن اللغة الفرنسية هي اللغة التي تطعم الجزائري وتكسوه وتطببه، ويدعوا إلى مقاتلة لغة سيبويه، لأنها ألسن اللهجات الهدامة لقواعد اللغة، ويقول أنا أتقن سبع لغات لكن المشكل هو اللهجة العامية المدمرة، وأن العربي هو قاتل ومغتصب لغته، واللهجة أخصت فحولة اللغة، وبلغ به الحد إلى أن برّأ الاستعمار بأنه سبب كل البلايا، وأنه خرج من البلدان العربية، لكن هذه الأخيرة مازالت متخلفة، مرؤوسة من طرف حكّام بلداء، ويشير بلقاسم إلى مجازر اللغة التي يقرأها في مواقع التواصل الاجتماعي "الفايسبوب" بكتابة لغة الضاد بالحرف اللاتيني، وأشار المتحدث إلى قضية "الأمازيغية" بعد استعمار العرب لشمال إفريقيا، كما أن الإسلام نشر في بلاد فارس وتركيا ولكن هذا لم يطمس لغتهما، مشيرا أن سرطان الأمة العربية تتكون من خلايا خبيثة داخلية ولا دخل للاستعمار بعد تصفيته، ومن وجهة نظره فاللغة الفرنسية لغة علم كالإنجليزية والألمانية والإسبانية الخ، والغرب له سلبياته وإيجابياته، ونحن كنا قال هو نكتفي باستغلال إيجابية علومهم وابتكاراتهم، و لولاهم لمات مرضى العرب، أما عن فرنسا أضاف هذا الروائي أنها دولة مشهود لها بالاختراع والابتكار، دولة تصنع الدواء والسيارات والقطارات والآلات، وحتى إسرائيل وكل بلدان الغرب وآسيا، ولولا فرنسا لكانت الجزائر كأدغال إفريقيا، ولذا لا يمكن تقزيمها، رغم أن مجازرها في حق الشعب الجزائري وصمة عار في تاريخ فرنسا، للعلم أن بلقاسم مزغوشان له عدة مؤلفات روايتين بالإنجليزية، وأنهى مؤخرا رواية تاريخية بالعربية بعنوان: "المحروسة لا تشبه غرناطة"، وكان منذ خمس سنوات شارك الروائي بلقاسم مغزوشان من تيزي وزو بنصين مسرحيين "يطقان حسان آغا وعاصفة شارلكان"، في تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية.

من جهته أكد الطاهر يحياوي أنه لكل أمة لغتها، ووجب احترامها، غير أن اللغة العربية تبقى لغة عالمية يتلكم بها مليار مسلم، ودينها عالمي لأنها لغة القرآن، وهي روح وانتماء وليست عرقية أو عنصرية ومن حاد عن هذه الجادة، فقد ظلم نفسه، أما من وجهة نظر إيديولوجية فاللغة العربية كانت رد فعل للصراع الفارسي وغير الفارسي فداك من السياسة وليس من العربية وفي كل حضارات العالم وفي أممه مظاهر سلبية والأمة العربية قد تمر بمثل هدا ولكن المبادئ وجوهرها بعيدة عن هذا كله، وشتان بين تفتح الحضارات بعضها على بعض وتعاون اللغات وبين اغتصاب اللغات بعضها على بعض، وأوضح الطاهر يحياوي أنه دفاعه عن اللغة العربية ليس معناه الدعوة إلى الإنغلاق أو التزمت، أو دعوة لمقاطعة فكر أو إيديولوجيا، أو عقيدة أو انفتاح أو الأخذ من الحضارات واللغات والإفادة من فضيلة الإنسانية في أرض أبرقت أو سماء لاحت، بل هي دعوة إلى احترام اللغة العربية، ولا يضعوا لغتهم كبديل عن العربية، وهذا حق يشهده التاريخ والإنسانية والسياسات الدولية وقوانين الأمم المتحدة وكل الأعراف والتقاليد والآداب الإنسانية والدولية مند فجر التاريخ إلى مغربه، وأضاف الطاهر يحياوي قائلا: "من حق العروبيين أن يتنفسوا بلغتهم ويفكرون بها ويكتبون بها ويتعاملون بها مع الآخر، وهذا الحق لا يعد تهديدا باستعمار العالم، أو إعلانها حربا على شعب أو دولة، أو تخطي على أيّ عقيدة أو مذهب، بما فيها اليهودية والمسيحية، فهناك دول صغيرة وإمارات بحجم قرى ومداشر تمارس العمل بلغتها وتدين بديانتها ولا أحد يعترض عليها أو يتدخل في شؤونها، والجزائر من أرقى الدول التي ترعى القوانين الدولية والأعراف وتحترم الخصوصيات، أما ما تعلق باللهجات فهي كلها من جرائر الاستعمار الخبيث لتفرقة الأوطان وتشتيتها وتقسيمها، وهو - أي الاستعمار- السبب في خراب الأمة العربية اليوم، وهو وراء تدمير العراق وسوريا وليبيا والسودان واليمن وكل شعوب إفريقيا بكاملها، وسيأتي يوم تكون فيه القواعد العسكرية الأجنبية منتصبة أمام الخيام والأكواخ في كل شبر من إفريقيا واسيا وربما حتى في مناطق أخرى من العالم في أوروبا وغيرها مؤهلة لمثل هدا الاختراق، وهي حسبه إستراتيجية لإعادة ترتيب العالم والذين هم معنيون بدلك لابد عليهم أن يختلقوا الوسائل والطرق والمبررات لتمرير برنامجهم مهما كلف الثمن.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم