صحيفة المثقف

عبد الجبار العبيدي: حقيقة الاسلام الغائبة (6): الجهاد في الأسلاملماذ.. وعلى مَن؟

abduljabar alobaydiابتداءً.. فليقف القلم اليوم حدادا على ارواح الضحايا الذين ماتوا في الحادي عشر من ايلول عام 2001، وعلى وطننا العراقي الضحية من جراء هذا العمل الجبان الذي غير فلسفة التاريخ...؟

على رواد الفكر الاسلامي ان يطرحوا الآن البديل لتفسير احداث فلسفة التاريخ الاسلامي، لأعادة النظر في الوصايا العشر لتمكين الجيل الجديد من بناء منظومته الفكرية المبنية على البينة لا على التفسير الترادفي الخطير...؟ والا سيواجهون و العقيدة الاسلامية صعوبات المصير.

وعلينا ان نبحث أولاً: في الجهاد وأصوله، والتقية، وولاية الفقية، والمهدي المنتظر، والتقديس لمرجعيات الدين، وكل الزيف الفكري الذي غلفوا فيه التاريخ.اذا نجحنا فسنحول الاسلام الى نظرية الحُجة بالدليل ...لنتمكن من تهيأة الاجواء المناسبة لأعلان فصل سلطة الدولة عن سلطة الدين ... ومحاسبة المقصرين؟؟ بعد ان تحول الوطن العراقي الى مجموعة من الخونة والنهابين الذي افرغوا مال العراقيين في جيوبهم، وقتلوا ابناء العراقيين . ليتحول الوطن الى عزبة تخدم كل الخارجين على القانون، وسيبقى هذا اليوم عارا في جبين كل من ساهم وهو يدري بتدمير وطن العراقيين...؟ ؟ . فنقول:

 

أولا مفهوم الجهاد في الاسلام

اليوم بهذه الحلقة سوف نناقش مفهوم الجهاد وفق ما جاء في النص المقدس بعيدا عن اراء الفرق المتشددة في الدين، ومفهومه الشرعي الذي اتخذته هذه الفرق وسيلة لتحقيق مأربها الشخصية من جهة، وتحقيق مصالح اسيادها حكام السلطة من جهة اخرى، لنظيفها مشكلة كبرى الى مشاكلنا المستعصية عند المسلمين منذ مجيء الآمويين والعباسيين، لتزيدنا عمقاً وأنقساماًَ وضعفاَ وتدهورا نحو هاوية الانحلال والسقوط وتكوين الدويلة الضعيفة على غرار داعش والقاعدة، وتحالف القوى المتطرفة، دويلة منظمات بآيديولوجيات سوداء هدفها طمس معالم واختراع معالم اخرى، لتسود الاقليات حكم الوطن والمواطنين.هذا هو هدفهم وكل المتعاونين معهم اليوم في العراق وجوقة الحاقدين. وكأن عهد البويهيين والسلجوقيين قد عادا الينا مرة اخرى بثوب مغاير لثوب الآدميين، ورغم التشابه في الزمن والحدث، فالتاريخ لا يعيد نفسه، بل الأحداث تتشابه في زمن مختلف.. .فراحت تخلط بين الجهاد الحقيقي الشرعي، وبين القتال والقتل، وبين والحرب والغزو، وجهاد النكاح وفرض نظرية قتل المسيحيين والآزيديين وغيرهم من غير المسلمين، متخذين من تفسير آيات الجهاد التي وردت في النص المقدس خطئاً في التثبيت، والتقليد الاعمى لما تعارفت عليه العرب من حالات الاعتداءات القبلية والعشائرية والاخذ بالثأر قبل الاسلام شريعة لها.. وخاصة بعد شيوع نظرية الناسخ والمنسوخ الوهمية مدخلا لها ونظرية المهدي المنتظر الوهمية عقيدة لها، لتغلق الطريق امام انسانية الانسان في وطن العراقيين ناهيك عن اسباب النزول والتنزيل وتحويل نظرية الاحكام والنواهي الى نظرية الحلال والحرام، والقرأءات المختلفة للنص المقدس، والترادف اللغوي الخاطىء في تفسير معاني الكلمات وترتيبات نزول السور القرآنية الى ترتيلات قرآنية للتجويد مخرجاً وسبيلاً شرعياً لها لتدمير العلاقة بين الاديان التي مصدرها الله الواحد الاحد. فراحت تخلط ايضاً بين الشاهد والشهيد، والعباد والعبيد، والشيطان والرحمن، والروح والنفس، واصطلاحات اخرى كثيرة بقيت ترددها دون معرفة معانيها المختلفة. ولا حتى مراميها وما يقصد اليها التنزيل الحكيم، فوجدت في اغبياء السلطة والطامعين بالجاه والمال والجهلة من رجال الدين وسيلة في التحقيق. ولا ندري هل الجهاد اليوم يصلح للقرن الحادي والعشرين؟ أم انتهى مثلما أنتهى عصر (وما ملكت أيمانهم) وحقوق المرأة في الأرث والوصية، ليحلوا لهم التفريق بين الآدميين.

في هذا المقال المتواضع سنحاول ان نَدخلَ في مفهوم الجهاد ثم نقارن بين فهم الفقهاء له وبين الهدف الانساني من تشريعه في الاسلام في الزمن القديم، وبعد ان قسموه الى جهاد كفائي، وفرض عين دون سند او دليل، ليتبين لنا الفرق بعد تُحكِيم العقل وتأويل النص بما يتوافق والنظرية العقلية لمفهوم الجهاد في الاسلام حصرأ من القرآن الكريم.، وبين ما هم شرعوه لمصلحة السلطة ومؤسسة الدين؟ حتى أماتوا الاسلام والدين معا فأصبح الاسلام يعيش في لغة الناس وليس في واقعهم . ولا زالت تشريعاتهم الخاطئة نافذة في مجتمعاتنا المتخلفة الى اليوم تدعوا لها الرعاع دون علم من دين. و عصابات الجهاد التي تقتل على الهوية وتحرق دور المواطنين بحجة المذهب والعقيدة هي البديل، فلماذا اذن تحارب انسانية الانسان و المسلمين، وتقتل منهم كل يوم العشرات دون ذمة أو ضمير؟ وكأن عصر الصفويين والعثمانيين قد عاد الينا بثوب القاعدة وداعش وكل الخارجين على البشرية والدين؟، بعد ان نسوا اننا نعيش في القرن الواحد والعشرين؟.

اذن لابد من معرفة وتحديد مفهوم الجهاد في الاسلام ليتبن لنا الخطأ من الصحيح، في مجتمع ضاعت فيه المعايير....؟

 

الجهاد لغةً:

هو من جاهد جهاداً، ومعناه أستفراغ الوسع، اي بذل اقصى الجهد للوصول الى الغاية المقصودة منه في الدفاع عن الحق والعدل والعِرض والوطن، ويشمل :مجاهدة الاعداء في حالة الاعتداء على الوطن والمواطنين ولا غير، نصاً من الآية القرآنية: "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين البقرة 190"، ومجاهدة النفس اذا انحرفت عن خط الاستقامة. كما في قوله تعالى "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان اللهَ لمَعَ المُحسنين"-العنكبوت:69). وحتى في عصر قبل الاسلام كانت الخلافات القبلية والعشائرية تنهيها معاهدات الاحلاف وتوثق بينهم بالقسم، كحلف المطيبين وحلف لعقة الدم .(جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام). فلماذا اليوم ضربت كل المعايير .ومهما يكن فأن الفقه الاسلامي الموروث اليوم يعكس كل المشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في مرحلة تاريخية معينة لا تصلح لنا اليوم. لذا فالتفسير الفقهي يعكس الأرضية المعرفية للمرحلة التاريخية التي كتب فيها، وهي لا تحمل طابع القدسية . فكيف علينا الألتزام بها دون اخذ حركة الزمن في التغيير، والقرآن ثابت في نصه متحرك في محتواه، فهل يدرك اصحاب فقهاء التفسير.. الخطأ الكبير الذي وقعوا فيه، وأوقعونا معهم كل هذه السنين...؟.

 

الجهاد في النص المقدس:

هو ليس لمقاتلة الاعداء حسب، بل هو كلمة الحق التي تقال بوجه السلطان الظالم والجائر وعدم السكوت على ظلمه وتجبره على الناس، وهم بعيدون عنه، ومعنى ذلك هي المشاركة في الحياة السياسية بغرض التعاون لتقويم النظام العام وارساء اسس العدالة والقانون بما يراه المجاهد مصلحة ونفعا للناس، بدلالة الحديث الشريف: (الجهاد هو كلمة حق عند سلطان جائر) لا كما يطبقه اليوم خونة الوطن وسراق المال العام دون مخافة الله والناس. كما جعل الشرع المحافظة على الواجبات الدينية والالتزام بها حقاً وصدقاً جهادا دون أكراه " من اهتدى فانما يهتدي لنفسه ومن ضلَ فانما يضل عليها، ولا تزر وازرةُ وزر اخرى وما كنا معذبِيِن. لنبعثَ رسولاً...الأسراء 15". ويعتبر جهاد النفس عن الهوى هو من الجهاد الاكبر لان فيه ردع للنفس الانسانية عن الخطأ والاعوجاج، يقول الرسول(ص): (الجهاد الاكبر هو مجاهدة العبد لهواه). وتعتبَر الشريعة الاسلامية ان سلامة النية وصفاء القلب عن قصد في الرد على ايذاء الخلق وظلمهم من الجهاد، يقول الرسول (ص): "افضل الجهاد من اصبح لا يهُم بظلم احدٍ." اي لا يقبل الاعتداء على احد، لان آية الاعتداء في الاسلام حدية، يقول الحق: "ان الله لا يحب المعتدين "، اي محددة المعنى والوضوح لاتقبل التأويل المختلف. وبعد ان اثبتت الاحداث فشل هذا النوذج الفقهي المطروح علينا اليوم والذي لم يستطع عبر الزمن الطويل ان يقدم حلولا لمشاكل المجتمع المعاصر، لابد من ايجاد البديل؟.

والجهاد في الاسلام لم يشرع في القتال الا لرفع العدوان ودفع الطغاة عن طغيانهم وعدم الاعتداء على الاخرين . فحياة المسلم كلها جهادا في عبادته لله، وعمارته للارض، وتزكيته للنفس الانسانية، ودفاعه عن حقوق العامة، وبعده عن سرقة المال العام والخيانة الوطنية والتزوير، وهي افعال كلها مرتكبة من طبقة السلطة اليوم، فبأي حقٍ يحكمون؟. فالاسلام مرآة صافية عاكسة لكل صفاة الاستقامة الانسانية التي أكد عليها التشريع: (انظرالموسوعة الجهادية تحت مفهوم الجهاد في الاسلام ). فكيف نقبل اراء الفقهاء بعد ان امر النبي(ص) بعد فتح مكة بعدم تدوين اقواله الشخصية، كي يتحول دور المطلق الى نسبي، .لقد آن الآوان الى دراسة السُنة النبوية دراسة معاصرة وأيجاد تعريفا معاصراً أصيلاً لها بعيدا عن مدونيها القدماء كسيرة ابن هشام الناقصة التي دمرت سيرة ابن اسحاق الصحيحة والتي هي اقرب زمنيا لعهد الرسالة، لكنه لا زال هو المفضل لأنه رجل سلطة لا دين .

من خلال قراءة النص الديني يتبين لنا انه لا يجوز اكراه الناس لاي عمل يتنافى ومفعوم الحق والعدل وحرية الانسان والأعتداء على حقوقه، لذا فألاسلام من حيث الواقع العقيدي لم يتبع اي نوع من انواع العنف الداخلي او الخارجي وبنوعيه الفكري والسياسي بدلالة الأية الكريمة: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنه لمن يرجو الله واليوم الاخر، الاحزاب آية 21). هذا هو الواقع النظري، اما الواقع التطبيقي فقد شذ عن النص منذ بداية عصر الخلافة الراشدة وظهور منازعات السلطة ونظرية منا أمير ومنكم أمير، فانهزمت ثورة العدالة امام جور السلطان المدعوم بأحكام الفقه الرسمي والعقيدة الحاكمة منذ البداية ولا زالت مهزومة الى اليوم ..فكانت البداية لتدهور المجتمع الذي لم يعد لديه القوة ليستطيع وقف الظلم ويرد السلطة عن هواها كما نعاني اليوم في الوطن العربي وجماهيره المظاليم.، لفقدان القانون والعدالة وتطبيقها تطبيقا سليما على أيدي قضاة لا يملكون حرية النظرفي القضايا واصدار الحكم الذي يرضاه القانون والضمير.

ان اساس الجهاد في الاسلام كما اسلفنا محاربة الطغيان وتحقيق حرية الكلمة والتعبير عن الرأي وسواسية الناس امام القانون، وفي هذا السبيل يقول الحق:" فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالاخرة، ومن يقاتل في سبيل الله فيُقتَل او يَغلِب فسوف نأتيه اجراً عظيما-النساء آية 74 ". والمقصودبه هو فرض تحقيق العدالة والاستقامة وليس الأعتداء على الاخرين بقصد الغنيمة والسلطة كما تعمل عصابات الدين عندنا اليوم، لكن فقهاء السلطة قد جيروها لصالح الحاكم والأعتداء بحجة نشر الاسلام والمحافظة على الدين (الفتوحات الاسلامية الاولى مثالا)، فبقيت الخلافة لها الحق في اعلان الجهاد على الاخرين دون سابق اعتداء منهم على المسلمين، لذا كانت الفتوحات الاسلامية خارج نطاق حدود الجزيرة العربية خطئاً ارتكبته الدولة الاسلامية يستحق الاعتذار من الاخرين. لأنهم اصلا لم يكونوا من المعتدين.

وبما ان كل مراحل الدعوة في عهده (ص) قامت على عبارة واحدة فقط هي (خلو بيني وبين الناس، الواقدي 207 للهجرة) فالمشكلة كانت مجسدة في طغيان قريش وعدم قبولها للحوار الفكري - قبول الرأي الأخر - واصرارها على القتال، لذا لا بد من محاربتها والانتصار عليها صوناً للحرية ورداً للطغيان وتحقيق العدالة والاية الكريمة واضحة في هدفها، يقول الحق:: "أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين سورة يونس اية 99"، ولذلك فأن استعباد الناس محرم شرعا وقانوناً حين جعل الأسلام بموجب النص المقدس حرية الاختيار وحرية التعبير هما اساس الحياة الأنسانية فيه . فكلمة كافرين لا اصل لها في استعباد الاخرين، وانما تعني الظالمين، يقول الحق: "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، انا اعتدنا للظالمين نارا، الكهف 29 "، ولم يقل للكافرين، فهناك علاقة جدلية بين الكفر والأيمان.، لذا فالفتوح الاسلامية بالسيف كانت خروجا على عقيدة الدين. فكيف اذا كان القتال بين المسلمين أنفسهم وبمعاونة الظالمين، كما حصل في العراق ويحصل اليوم في سوريا وليبيا والأخرين..؟

هذا هو العمود الفقري للجهاد الداخلي في الاسلام ممثلا بالحصول على اعتراف الاخر كندٍ، فلو طرحت حاكمية الله بموجب ما طرحته الدعوة المحمدية لقبل بها حتى الملحد، ولشعر بحرج شديد في الوقوف ضدها، وبذلك نكون قد وضعنا ايدينا على النقطة الجوهرية في الطروحات السياسية، اما اذا فهمنا ان حاكمية الله تعني الحكم المطلق في كل صغيرة وكبيرة من الدشداشة القصيرة الى السواك والى جهاد النكاح واستعباد الناس بالقوة كما تفعل الجماعات الاسلامية الحالية المسندة من مؤسسات الدينالمتطرفة، و كما تروج لها المنظمات الاسلامية المتطرفة والمتشددة اليوم كالقاعدة وداعش الاجرام، وعصابات المليشيات المنفلتة، فقد وقعنا في فخ الطاغوت، وهذا ما نراه الان في وطننا الظليم . فأي جهاد هذا الذي يسمونه جهاد المسلمين؟ .

أما الجهاد الخارجي والذي نسميه فتحاً في مناهجنا الدراسية الخاطئة لنشر الدعوة فهو يقرأ في منحيين هما:

الاول- تهديد عدو خارجي غير مسلم لدولة اسلامية واحتلال اراضيها بالقوة.كما حصل في استعمار الدول الغربية للاخرين في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر للميلاد .

الثاني- تهديد عدو خارجي مسلم لدولة اسلامية ومحاربتها واحتلالها بالقوة، كما في ظاهرتي احتلال مصر لليمن في العهد الناصري، واحتلال العراق للكويت في العهد الصدامي, ومحاولة السعودية تدمير اليمن دون سبب مبرر.والأعتداءات على سوريا وليبيا ودول عربية اخرى دون وجه حق بَين ومقبول .

لأن كل من شعب اليمن وشعب الكويت والسوري والليبي لم يؤخذ رأيهم في التغيير. لذا أعتبر غزوا لا جهاداً شرعيا بالمطلق . وسينتقم التاريخ من كل من ساهم في التخطيط والتدمير...؟ ولا يعفى من التقصير كل من فتح أرضه وسماءه للاعتداء على المجاورين، فعو عدوان محض بموجب التشريع.

ا ما بخصوص البند الاول، لقد امرنا القرآن الكريم بأن نفي بالعهود والمواثيق حتى ولو كانت مع غير المسلمين، وأمرنا بألغائها اذا كانت مضرة بمصالحنا، وعدم تنقيذ العدو لها . وهذاهو الذي فتح المجال الواسع للتعاون بين الشعوب المؤمنة بالرسالة وغير المؤمنة بها، يقول الحق: "براءة من اللهِ ورسُوله الى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الارض أربعة أشهر وأعلموا أنكم غير معجزي الله، وان الله مخزي الكافرين التوبة آية (2، 1)" .

. وآية اخرى تقول: "ولا تقولوا لمن آلقى السلام لستَ مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا سورة النساء آية94 " . ويقصد بالسلام هنا الاعتدال والعلاقات الاخوية القائمة على العدالة بين المتحاربين.

هاتان الايتان المقدستان هما اساس العلاقات الدولية في الاسلام، لكن الحرب احياناً قد تكون ردا على عدوان، او تهديد ا خارجياً يستهدف ارض المسلمين وخيراتها، ففي هذه الحالة يعتبر التقاعس عن الجهاد منقصة شرعية لا تغتفر، وقد حدث ذلك في غزوة تبوك بعد ما شعر الرسول(ص) ان الروم قد يدخلون شبه جزيرة العرب من الشمال بدون رضاه، فتقاعس البعض عن النصرة للرسول وجيش المسلمين في الجهاد، هنا يقف القرآن الكريم منهم موقف التعنيف القوي لعدم تلبيتهم دعوة الجهاد ضد الاعداء حين يقول القرآن:"ما كان لأهل المدينة ومن حَولهُم من الاعراب ان يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبون بانفسهم عن نفسه، ( التوبة آية 120)"، ولقد وجه القرآن اللوم حتى للرسول(ص) نفسه لانه أذن لبعضهم بالانصراف عن النصرة والجهاد يقول القرآن الكريم :" عفا الله عنك لمَ أذنتَ لهم حتى يتبن لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين-التوبه آية 43". والعفو لا يأتي الا بعد التقصير، وحاشى رسول الله من التقصير..لكن الآية نزلت على سبيل العضة والأعتبار.

هذا النوع من الجهاد مقر شرعا وفي كل الاديان ومن يناصر الاعداء، وخاصة في حالة تعرض الدولة لعدوان خارجي لدولة الاسلام والمسلمين فهو خارج عن الملة شرعاً ولا تقبل منه مغفرة ابداً لثبات النص، فمن حق المسلمين رد العدوان بالقوة المماثلة، يقول القرآن " الحرمات قصاص، فمن اعتدى عليكم فأعتدوا عليه بمثل ما أعتدى عليكم، البقرة، آية 194" .وهنا يجب ان تتوفر الرغبة والعزيمة والارادة عند المُعتدى عليه، والرغبة هي القوة المعنوية لدى النفس الانسانية في تحقيق الهدف، والعزيمة هي التطبيق العملي للرغبة، والارادة هي القرار الاستراتيجي لضمان مستقبل الدولة..لذا من اخل بهذا التوجه القرآني فقد اخل بشريعه الاسلام، لذا فاأن الذين تعاونوا مع المحتلين دون ضوابط في حفظ حقوق الشعب، يعتبرموقفم من وجهة نظر الشرعية الدينية خونة آوطان...؟.اما الدولة العربية التي فتحت حدودها للعدوان على دولة عربية اسلامية اخرى فهي مشمولة بنصوص العدوان ووتقدم تعويضات العدوان والخسران .

ان بداية تطبيق ايات الجهاد على حروب الردة والفوحات الخارجية دخلت في منحى فرض الامر الواقع والسيطرة الخارجية ولا نص يؤيدها بالمطلق، لكون المعتدى عليهم لم يقوموا بالاعتداء اصلا على دولة الخلافة، بل طالبوا بتطبيق آية الشورى (وأمرهم شورى بينهم). ففي الردة القبائل العربية التي اسلمت لم تصل الى مرحلة الوعي التام للدعوة الاسلامية بعد، لان أسلامها لم يعد سوى ان قياداتها هي التي اسلمت بعد فتح مكة (سورة الفتح 1-3، )، ولكن مهما قيل في الردة فهي بحاجة الى دراسة اعمق واشمل مما نحن نفهما الان، وما يجب ان ندخلها في مناهجنا المدرسية بعد الوقوف على مفرداتها الصحيحة، لذا فأنها تبقى مشوشة في فكر الطالب دون تثبيت وهذا خطأ منهجي كبير..

..أما قضية الفتوح خارج جزيرة العرب لا زالت بحاجة ماسة لدراسة علمية موثقة لبيان الحقيقة التاريخية والشرعية لها، لانها حدثت متناقضة مع النص (لكم دينكم ولي دين)، بعد ان ظهر الكثير من المؤرخين الاجانب التي عدوها أعتداءً وتجاوزا على الشرعية الوطنية لاوطانهم –وهذا من حقهم - وهم يطالبون اليوم بأعتذار العرب والمسلمين لهم رسمياَ عنها.وانا اعتقد ان العرب والمسلمين بحاجة لان يقدموا تفسيرا تاريخياً مبررا لها لاقناع الدول التي فتحت بوجهة نظرهم، لعلها تزول العُقد التاريخية المستعصية في فهمها واهدافها، واذا ما اقتضى الامر بتقديم اعتذار رسمي عنها للدول الخارجية التي فتحت عنوة دون رغبة منها، حتى نقف مع المقياس الحضاري حين نطالب بالتعويضات المادية والمعنوية من الدول الاستعمارية التي احتلت اراضينا سابقاً ولا زال بعضها محتلا الى الان.، فلسطين مثالاً.

بقي لنا ان نبين الفرق بين الجهاد والعنف وما رمي به المسلمون اليوم، فقد كتب الاستاذ معز الدين الخطيب تحليلا علميا لها، نقتطف جزءً منه مع التصرف فنقول:" ان من غير الدقيق الاكتفاء بدرس ظاهرة العنف ومظاهر الخلط بينه وبين الجهاد ضمن الاطار الفقهي، فهو لاشك في ازمة بحاجة الى توضيح، لا سيما وان ظاهرة العنف اليوم اصبحت ظاهرة عالمية لا تقتصر على الاصولية الاسلامية فحسب، لكن ارتباط المنظمات الاسلامية المتطرفة بها يعود الى فهم خاطىء في مفاهيم الجهاد الاسلامية حين دمجوا العنف بالجهاد ولم يتركوا للحوار مكاناً، خاصة وان الحس الديني العالي لهؤلاء الجماعة وتكوينهم النفسي والفقهي الخاص بهم اشعرهم بالتهديد المستمر الذي لا بديل عنه الا العنف والالتزام به، ناهيك عن العوامل الاخرى الخاطئة في مفهموم تاويل النص الديني وقراءته قراءة احادية صرفة )معز الدين الخطيب، القاعدة والجهاد، دار الحياة، سنة 2005).

لا شك ان فرقاً واضحا بين الجهاد والعنف، فالاول يتميز بوضوح الهدف ووضوح الوسيلة والالتزام باحكام الشرع ومكارم الاخلاق التي جاء بها الاسلام، قبل القتال واثناء القتال وبعد القتال، ولكل منه شروطه الدينية والاخلاقية، فلا قتل للبشر، ولا قلع للشجر، ولاتدمير للثروة والموارد، وضرورة الخلاص من فكرة مقاتلة الكفار سواءًحصل الاعتداء منهم او لم يحصل كما هو في مفهموم نظرية التشدد الحالية عند داعش والقاعدة، مستندين الى قول الامام الشافعي: (الجهاد فريضة يجب القيام به سواءً حصل من الكفار أعتداءأم لم بحصل (كتاب الأم ج4 ص168) ورأي الشافعي لا يستند الى نص قرآني متين .ومع هذا فأن الفقهاء لم يعطونا تعريفا فقهيا واضحا من هم الكفار؟ وهذا التوجه يتعارض مع نص الاية الكريمة:" أدعُ الى سبيلِ ربك بالحكمةِ والموعظة الحَسَنة وجادلهم بالتي هي أحسن ان ربكَ هو أعلمُ بمن ضَل َعن سبيله ِوهو أعلمُ بالمهتدين، النحل "125. والاجماع على ان الجهاد هو في سبيل الله واعلاء كلمته وليس بسط سلطة الاسلام على الناس بالقوة وهنا مكمن الخطأ ولنا في ايات الجهاد ما يثبت ما نقول.لكن ما يدعيه الفقهاء بأن أية السيف المتمثلة بالأية (5) من سورة التوبة قد نسخت اكثر من 120 آية من أيات الجهاد لهو اعتداء منطقي على الايات القرآنية، علما ان النسخ لم يكن في الايات القصار وأنما جاء في الرسالات المتعاقبة من موسى الى محمد. (انظر كتاب كيف نتعامل مع القرآن للشيخ محمد الغزالي ص82-83).

ان الاية الكريمة 256 من سورة البقرة، جاءت عامة لكل الناس "لا أكراه في الدين قد تبين الرشد ُمن الغي"، لذا فهي تتقاطع مع شعار الفتوح المعلن عند البلاذري في كتابه فتوح البلدان (أسلم تسلم لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم، وان لم تسلم تدفع الجزية نظير حماية الدولة لك).

ان الاية الكريمة وضعت سُنة لكل الناس دون تمييز في الحرية الدينية والمدنية دون أكراه، لان الحرية هي هبة الله الى الناس، وليست هبة احد من الناس، فاذا تتبعنا آية الجزية في سورة التوبة يقول الحق: " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله واليوم الاخر، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين آوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون، التوبه 29"، ولم يقل قاتلوا كل من لا يؤمن بالاسلام دينا . فالأية الكريمة ليست عامة، بل وضعت شروطا ًدقيقة لتطبيقها عملياً حين لا يكونوا من المؤمنين بالله واليوم الاخر، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله، كقتل النفس الانسانية بدون جرم مرتكب، وان يبداوا هم بقتال المسلمين بدلالة الاية عن يدٍ وهم صاغرون.

اما الجهاد وما جرى عليه من تقسيمات الى كفائي وفرض عين فهو من اختراع الفقهاء لارضاء السلطة وليس بنص ديني ثابت، .والجهاد الكفائي: يعني تقديم العون للأخرين وحثهم على الاستقامة وليس لقتال الأعداء، وأنشاء الفِرق العسكرية بقيادات دينية متطرفة، لكن الفقهاء طبقوه في مجال القتال لحفظ السلطة وابناء السلطة من المشاركة في الدفاع عن الوطن وتحجيم دور الجيش الوطني لاغراض سياسية صرفة كما هو اليوم.

الديانات المنزلة كلها تؤمن بالله واليوم الاخر، ولا تؤمن بقتل التفس الانسانية بدون سبب مبرر ولا التفريق بين مواطنيها كما جرت العادة عند المسلمين اليوم، لذا فأن تفسير النص يحتاج الى اعادة نظر في قراءته، وما يعزز هذا الراي ما ورد بنص الاية الكريمة يقول الحق:("ان الذين أمنوا بالله واليوم الاخر والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الاخروعمل صالحاً فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، المائدة والبقرة 169، 62". فشرط الآية هو الأيمان لاغير، وهم مؤمنون كما جاء في النص المقدس، هنا نلاحظ ان شعار الفتوح السابق يصح بالحوار لابالقتال وجبرية القبول.لذا لابد من اعادة النظر في هذه الاشكالية الدينية الكبرى- اشكالية الفتوحات والفرق العسكرية لكي نضع حدا للاراء المتضاربة وحتى يخرج الاسلام منها سليماً معافى.

اما العنف كما تمارسه بعض الجماعات المتزمتة الى تنسب الى الاسلام، فينقصه الوضوح في الرؤية، وقصور الاهداف، وخطأ الوسائل، ومخالفة الضوابط الشرعية، ويعتبر اجتهاد افراد اوجماعات معزولة عن المجتمع، تخالف رأي الناس و هي لا تمثل امة الاسلام، بل تشكل قطيعة معها حين يصبح الجهاد بنظرها صحيحاً لكل راضٍ عنها غير منكر لها .

وحقيقة القول ان تفسير أيات الجهاد بالمنطق السلبي قد كلفنا الكثير ارواحاً ومالاً وسمعة عند الاخرين بعد ان تخربت بلداننا ولعبت كل من ايران والمملكة العربية السعودية ودولة قطر دورا كبيرا في التطرف و التخريب، حتى اتهمنا وأتهم الاسلام بالارهاب والارهابين تجاوزا علينا وعلى النص الديني دون مبرر سوى التشدد في آحادية الرأي الفقهي الخاطىء والاصرار العنيدعلى تطبيقه...؟

فهل من نهاية لهذا الموقف الخاطىء الخطير.....الذي كلفنا هذا التوقف الحضاري، وتدمير الامة والشعوب .وجعلنا في أخر الركب منتظرين....؟

عيب على أمة ذكرها القرآن بأسم الحق والعدل وأمرها بالوفاء بهما وممثلة له .. ان تصبح اليوم هي امن اشد اعدا الحق وانسانية الانسان...؟

الرسول الكريم (ص) لا يحتاج الى جهود الفقهاء للدفاع عنه بنص الآية الكريمة: " فأصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين، أنا كفيناك المستهزئين "، الحجر 94 .95

 

د.عبد الجبار العبيدي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم