صحيفة المثقف

علجية عيش: امرأة لزمن آخر.. كيف يمكنُ للمرأةِ أن تبْنِيَ المرأة؟

eljya ayshتعمل المرأة العربية على المحافظة على القيم والعادات والتقاليد الموروثة، ولأنها تعيش في مجتمع محافظ  تتوفر فيه جميع مقومات التماسك والترابط الثقافي والاجتماعي والحضاري والتاريخي، فهي في بداية طفولتها تجد نفسها محاطة بتعليمات، تجبرها على الأخذ بعين الاعتبار التأثرات الثقافية الخارجية، كون العائلة العربية تعمل على غرس وترسيخ في نفوس أفرادها مبادئ القيم الدينية والخلقية التي يعمل بها المجتمع، وتعمل على إكسابهم السلوك الاجتماعي الذي يتماشى وتلك القيم السائدة في المجتمع والذي تنقله عن طريق التربية من جيل إلى جيل، ذلك أن التنشئة الاجتماعية تخضع لعادات وتقاليد اجتماعية متداخلة مع الدين الإسلامي، وإن كان المؤتمر العالمي  الذي تنظمه مؤسسة القلب الكبير، أكتوبر المقبل في طبعته الثانية بالشارقة بالتنسيق مع المؤسسة الإنسانية العالمية المعنية بمساعدة اللاجئين والمحتاجين حول العالم، وهيئة الأمم المتحدة، سيناقش مدى ما حققته المرأة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من أجل استحداث منهج مُستدام للتنمية، ووضع برامج إنسانية من أجل إبراز قدرات المرأة العربية، خاصة وأن العالم اليوم يشهد تغيرات، ويواجه تحديات من شأنها أن تفرض على فئات المجتمع أعباء كبيرة وأولهم المرأة، من باب أنها الوحيدة التي  تقع على كاهلها العديد من المسؤوليات الأسرية والمهنية التي تتطلب منها المزيد من الجهد والعطاء، لإثبات قدراتها، فإن السؤال الجدير بالطرح هو : " كيف يمكن للمرأة أن تبنيَ المرأة"..؟، مما يمكنها من  تجاوز كل العقبات والتحديات، خصوصاً مع ما تتعرض له دول المنطقة من أزمات وحروب، أثرت سلباً على أوضاع المرأة، ولذلك فقد  وجب على أهل الاختصاص اليوم  مناقشته وإعادة النظر فيه.

المؤتمر جاء تحت شعار "بناء قدرات النساء والفتيات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، يهدف  إلى الاعتراف بالمرأة كعامل أساسي للتغيير في عمليتي السلام والانتعاش الاقتصادي، وتنسيق الجهود في مجال التنمية والتخطيط لبناء السلام، وتقديم الدعم اللازم لها، بما فيه اللاجئات والمقاومات، مع متابعة الإجراءات العملية المستهدفة التي تلبي احتياجات المرأة وتنصف حقوقها، والحقيقة أن السؤال ليس موجه لخبراء السياسة  أو لأهل الجَمْعِ والقِسْمَة من المختصين في علم الاقتصاد، وإنما موجه خصيصا لخبراء التربية والعاملين في المنظومة التربوية، للتجاوب مع التغييرات السريعة والقوية التي تعمل على إحداث تحول في الحياة، وخلق رؤية مشتركة للمستقبل وتحديد المطالب التي تساعد البشرية  في تحقيق رؤية الازدهار العالمي،  وقد تبرز  من مؤتمرات كهذه،  قيم ومبادئ  يمكن أن يتم تبنيها عالمياً، ومن ثم ترجمتها إلى واقع ميداني، فالإنسان هو الرأسمال في أي قطاع من قطاعات التنمية، وبدلا من بناء الإنسان سواء كان ذكرا أم أنثى نجد الأفراد والجماعات تتنافس مع بعضِها البعض ولا تُكَمِّلُ بعضَها البعض في السّعي لتحقيق مصالح ذاتية ضيقة،  كما أن انعدام الأمن والعنف ظاهرتان أصبحت تقلق المجتمع الإنساني وفي أغلب الأحيان، لأن المؤسّسات الاجتماعيّة، والهياكل والعمليّات لم يتم تأسيسها بطرق تخدم الصّالح العام على نحو فعّال، وعندما يحاول النّاس العمل داخل هذه الأنظمة للمساهمة في تطوير الصالح العام،  فإن قيودًا أو تحدّيات سياسيّة مباشرة تواجههم.

فالنظام التربوي في القطر العربي ( بمشرقه ومغربه) في الواقع يواجه عقبات وتحديات كبيرة، تسعى جهات سَيَّسَتْ المنظومة التربوية، إلى عرقلته بشتى الممارسات السياسية وتدمير منظمة القيم التي أتت بها الرسالة المحمدية، وفي مقدمتها الحفاظ على الهوية والعروبة، وتربية النشء على الأخلاق الحميدة وزرع في نفوسهم القيم الجمالية التي تهذب النفس وتربيها على الفضيلة،  وتحميها من الضياع الأخلاقي، في زمن فقد فيه المجتمع العربي كل مقوماته الدينية إلا من رحم ربي، ولعل السؤال  السالف الذكر (كيف يمكنُ للمرأةِ أن تبْنِيَ المرأة؟..) موجهٌ خصيصا لوزيرة التربية الجزائرية نورية بن غبريط ( كنموذج) حول موقفها المتعنت من مبادرة قامت بها المسماة صباح بودراس مُعَلِّمَة جزائرية في الطور الابتدائي، عندما نشرت فيديو بواسطة هاتفها الجوّال صورت منه أول درس قدمته للتلاميذ في افتتاح الموسم الدراسي الجديد ( 2016-2017 )، عرضت فيه فكرة تبنيها مادة التربية الخلقية قبل كل حصة دراسية، وما إن انتشر الفيديو عبر موقع التواصل الاجتماعي، حتى أمرت الوزيرة بفتح تحقيق، وكيفت المسألة إلى جريمة، حيث وجهت لها تهمة انتهاك خصوصية التلاميذ، وعدم التزامها بالقانون، الذي يمنع من التصوير داخل الأقسام الدراسية، واعتبرت ذلك عملا مخلا بالنظام الداخلي للمؤسسات التربوية، بل أقامت الدنيا وأقعدتها، وكأن المعلمة قدمت للتلاميذ درسًا عن كيفية اختراق القيم النبيلة للمجتمع الجزائري والتي جاء بها الدستور الجديد، وربما لو قدمت هذه المعلمة درسًا حول كيفية "عَلْمَنَة المدرسة الجزائرية"، أو "تهويدها"  مثلا لتحصلت هذه المعلمة على جائزة، دعما وتكريما لها،  خاصة وأن المعلمة ركزت على مسألة "العروبة " ولكن حدث العكس، بدلا من أن تحظى هذه المعلمة بالتكريم من طرف  الوزيرة بن غبريط، فهاهي تُهان، ولا شك أنها ستحال على مجلس التأديب كخطوة أولى للعقاب،  وهي إهانة لكل المعلمين والمعلمات ولكل المربين والمربيات، وهذا يجعل المنظومة التربوية في الجزائر  مهددة، بل في خطر، لأن صناعة الإنسان وبخاصة "المرأة" هي رأسمال كل  مجتمع.

الصراع طبعا كان بين امرأة وامرأة،  ثم السؤال يتجدد، ماذا تريد وزيرة التربية بن غبريط أن يتعلم أطفال الجزائر في المدرسة الجزائرية وخارج القواعد الدينية؟ إن موقف الوزيرة يترجم تنازلها عن  دور مهم جدا، ولعله أهم الأدوار الثقافية، ألا وهو غرس في التلاميذ مبادئ احترام النفس، وحب الوطن والعروبة ولغة القرآن، إن موقف وزيرة التربية الجزائرية نورية بن غبريط، يجعل كل من له ضمير للوقوف وقفة تأمل في المنظومة التربوية، ليست في الجزائر فقط بل في كل البلاد العربية،  لأن المدرسة كما تبني الرِّجال، فهي تبني كذلك النّساء، وعندما نقول النساء نعني "المرأة"، التي تجعلها أمام تحديات المستقبل، وسط دوامة الأحداث التي تعصف  بالبلاد العربية في سوريا، والعراق، وفلسطين ولبنان، وليبيا وتونس والجزائر أيضا، طالما مؤتمر الشارقة المقبل يهدف إلى دعم المرأة العربية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا..  والمسؤولية تقع أولا وقبل كل شيئ على عاتق الدولة، لتمكن المرأة على التفوق والإبداع، من خلا ل توفير لها المناخ الملائم، لتربية  جيل يعتمد عليه في المستقبل، وإن قلنا نعم للتحديث هذا لا يعني أن نضرب القيم العربية عرض الحائط، ونحارب اللسان العربي بوجود مبرر أو عدمه، من أجل التحوّل من وضع إلى وضع آخر، والتكيف مع التطور التكنولوجي،  يقول "الحداثيون" أن مسألة التحديث تعني تلك العملية التي تقوم في المجتمع عن طريق الأقلية (النخبة، المثقفين أو سواهم من ذوي النظر البعيد والشغف بالمستقبل الأفضل، فتدفع المجتمع إلى أن يطور أهدافه وأنظمته ومؤسساته ويواجه كل التحديات مادية كانت أم روحية، داخلية أم خارجية، وربط الماضي بالمستقبل.

ولأن النخبة أقلية فالقادة وجدوا الساحة مفروشة لهم ليتحكموا في مستقبل الأمّة، وحاولوا مسخها عن طريق "المرأة "، خاصة وأن الأوضاع السيئة التي تعيشها الأمة العربية  حقيقة راهنة وجب الاعتراف بها، وبسبب هذه الأوضاع التاريخية منها أو الجغرافية والدينية تحولت المرأة إلى "طعم"، بحيث استغلت سياسيا لضرب كل القيم، وفي هذا فالاستثمار في المستقبل لا يكون إلا عن طريق التربية، التي هي المفتاح الوحيد لصناعة المرأة وترقيتها، والمعلمة داخل القسم وحدها تستطيع  صقل التلاميذ وتشكلهم، كما تشكل العجينة بين يديها، فتبني في روحهم  صورة الرجل الناضج وصورة المرأة الناضجة، قبل انتقالهم إلى المرحلة الثانوية وإلى الجامعة، وقبل انتقالهم إلى المؤسسة الإقتصادية،  لأنها في تواصل دائم معهم داخل غرف الصف، وهكذا تبني المرأة المرأة، وتشكل بمجموعها كما يقول خبراء التربية قناة تعليمية متينة، فكيف إذن يمكن دعم المرأة إذا كانت مُحاصرة بقوانين، إذا قلنا أن المعلم أو المربي وحده هو الذي يحقق التنمية عن طريق تربية النشء واستثماره في المستقبل خارج السياسيات التي تضعها الحكومات ومنظمات حقوق الإنسان وغيرها..و لذلك يمكن القول أن المدرسة هي مؤسسة اقتصادية أيضا لأنها تستثمر في العنصر البشري، وتجعل منه مشروعا لتحقيق التنمية المستدامة، وتجعله قادرا على مواجهة كل التحديات السياسية الاقتصادية والثقافية، خاصة وأن مؤتمر الشارقة القادم يهدف  إلى الاعتراف بالمرأة كعامل أساسي للتغيير في عمليتي السلام والانتعاش الاقتصادي، وتنسيق الجهود في مجال التنمية والتخطيط لبناء السلام، وتقديم الدعم اللازم للمرأة.

 

علجية عيش

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم