صحيفة المثقف

علي عبد داود الزكي: التربية والتعليم والاصلاح وعقبة القيم الاجتماعية السلبية

ali alzakiان النهوض علميا ومعرفيا وتكنلوجيا واجتماعيا وسياسيا اصبح اساسا يعتمد على تطوير التربية والتعليم وبناءهم بشكل صحيح وسليم ومواكب لاخر مستجدات العصر. لذا نرى ان الكثير من دول العالم تخصص ميزانية كبيرة للتربية والتعليم من موازناتها السنوية. ولازالت دول العالم الثالث تعاني من الكثير من الازمات والمساويء التي تربك وتعطل عملية التطوير والبناء الصحيح لبرامج التربية والتعليم العالي وعادة ما يتبع ذلك زيادة البطالة وتراجع وتدهور الاقتصاد وضعف وانهيار العملية التنموية. ان بلدان العالم الثالث ومنها العراق لا تعطي التعليم اولوية كبيرة في عملية البناء والتطوير اضافة الى وجود الكثير من الفساد والنقاط السلبية التي قد يصعب علاجها في اغلب الاحيانا. مما يؤسف له هو ان وزارة التربية العراقية فشلت حتى الان في تنمية المعارف وبناء شخصية الطلبة وتوحيد ثقافتهم المجتمعية وترسيخ قيم اعتزاز وطنية عراقية موحدة وشاملة للجميع. سبب ذلك يعود الى ما يحمله المجتمع من موروث سلبي نتيجة الجهل وطول معاناته من قوى القمع والدكتاتورية التي تسلطت عليه وعلى مقدراته عصور ودهور طويلة. ذلك سبب ترسيخ وشيوع ثقافة العنف والدموية وسيادة الامية الاجتماعية ونمو الاخلاقيات السيئة مثل تناقض القيم ما بين الظاهر والباطن، بحيث اصبحت مجتمعاتنا تعاني من مرض الازدواجية وشيوع الكسل والهروب من المسسؤولية الفردية في حماية ثقافة وقيم المجتمع العليا. كما ان قلة فرص العمل جعلت الانسان في حالة حاجة وفاقة وكسل وفراغ كبير يميل لملئه احيانا بالنفاق والكذب والتدخل بما لا يعنيه والتسلط والاجرام والكسل ومحاولة الحصول على ما ليس من حقه باي شكل من الاشكال مما يؤدي الى خلق الازمات والصراعات وبث روح التنافر والتناحر.

 ان عملية النهوض والاصلاح لمعالجة اي خلل وقصور في عمل مؤسسات الدولة وتحجيم الفساد والقضاء ليست بالعملية السهلة لانها تحتاج الى اصلاح بنيوي وتربوي واجتماعي شامل. ولا يمكن تحقيق الاصلاح الشامل الا بثورة اصلاح تعمل على القضاء على الثقافة السائدة والتي تقدس واقع الحال السيء ولا تتقبل التجديد ، ونتج عنها انتخاب حكومات عرجاء عاجزة وفيها الكثير من السوء والفساد. كما ان عملية الاصلاح تتطلب الحزم في مجابهة ومحاربة مراكز القوى المجتمعية المؤثرة والمستفيدة من الفساد وهي للاسف كثيرة وكبيرة. لا يمكن ان يتم الاصلاح الا بشيوعه كثقافة وهذا لا يمكن ان يتم الا بالتخلص من الجهل وزيادة وعي المجتمع واحترام الانظمة والقوانين. و لا يمكن ان يكون هناك نهوض وبناء وتطوير وتنمية دون ان يكون المجتمع متقبلا للاصلاح كقدسية اخلاقية واجتماعية ودينية. كما ان عملية النهوض والاصلاح بحاجة الى متابعة ومراقبة مستمرة. حيث ان عملية المتابعة تحدد وتشخص العيوب والمشاكل الطارئة لغرض معالجتها انيا. فقد لا يكون الخلل والعيب ناتج عن قصور في الرؤية وانما قد يكون ناجم عن عدم الاخذ بنظر الاعتبار المعطيات المستجدة. ان واقع الحال العراقي لا يشير الى اصلاح سريع لان الاصلاحات فشلت ولم نرى بوادر امل حقيقة حتى الان. وهذا يشير الى ضرورة ان يكون للاصلاح بناء صحيح بمراجعة شجاعة للقيم التربوية والاجتماعية قبل الشروع باي عملية اصلاحية. كما يجب ان تكون هناك قيادة اصلاحية حازمة لكي تستطيع توحيد رؤى الاصلاح وتنجح في التوفيق بين الافكار الاصلاحية المختلفة واليات تطبيقها على المدى القريب والبعيد دون جدل وصراع. ان الشروع بهذا المشروع يحتاج الى خبراء علم الاجتماع وعلم النفس لاجراء دراسات تحليله كافية لغرض بيان وتحديد نقاط الخلل التي يجب ان تعالج جذريا افضل من اجراء العلاج الجزئي والشكلي غير الناجع. بالتاكيد هذه النقاط لم يتم الالتفات لها منذ تاسيس دولة العراق الحديث من قبل اغلب قيادات البلد ومفكريه لايجاد السبل والحلول الصحيحة باستثناء المفكر العراقي الكبير المرحوم علي الوردي والذي للاسف لم يتم اعتماد دراساته في وضع حلول واقعية وصحيحة للنهوض بالمجتمع. ان نقاط الخلل وخصوصا الاجتماعية مهما كانت صغيرة ولكن لها دورا عظيما في تراكم السوء. كما ان شيوعها كثقافة مجتمعية عادة ما يؤدي الى رفض المجتمع للتجديد وسيقدس فيها المواطن روح الاتكالية ويميل لكسب اقصى ما يمكن دون الاهتمام للصالح العام. هنا يمكن الاشارة الى ان اهم نقاط الخلل في المؤسسات الحكومية او اغلبها نتج عن ثقافة المجتمع السلبية، والتي يجب ان تعالج على محورين؛ المحور الاول هو محور تفعيل القانون واحترامه وتطبيقه بشكل فعال وناجع ولا يستثنى من ذلك احدا وفرض هيبة الدولة،  اما المحور الثاني وهو الاهم يجب ان يعمل على ترسيخ قيم شرف وتعامل اجتماعية صحيحة ذات قدسية موحدة لكل ابناء المجتمع بكل اطيافه والوانه ويتم تنميتها في مراحل تكوين شخصية الانسان العراقي منذ صغره في مؤسسات التربية والتعليم والثقافة العامة والاعلام ويتم رعايتها ودعمها من قبل المؤسسات الدينية والمجتمعية.

 

أ.د.علي عبد داود الزكي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم