صحيفة المثقف

عبد الجبار العبيدي: حقيقة الاسلام الغائبة (9) نظرية الاستبداد كيف تأصلت عند المسلمين؟

abduljabar alobaydiمصطلح الاستبداد ليس جديدا. فمنذ ظهور نظرية الانفصال الكوني، وتكوين المجموعة الشمسية وبداية المخلوقات على سطح الارض تولدت معها نظرية الاستبداد دون قانون، حين بدء الوجود وظهرت حركة الزمن وحلول سلطان الفعل الانساني المتمثل بسلطة الغالب على المغلوب .

ورغم اننا لا نملك وثائق مكتوبة ولا ادلة تاريخية محفورة لما حصل للمخلوقات قبل ان يُخلق آدم، لكن المكتشفات الآثارية القديمة بدأت تخبرنا بالكثير مما غمض من مراسيم الحياة القديمة، عندما تم أكتشاف انسان النايتدرال في الصين، والذي كان عمره اكثر من 150 الف سنة قبل الميلاد. واذا صح هذا علينا ان نعيد النظر بالنص الديني المقدس في عقيدة الدين .

من هنا نقول ان محوربداية الوجود الانساني هو آدم ابو الانسانية وابوالتاريخ وليس ابو البشر، به بدأ التاريخ الانساني، وما قبله لم يكن سوى وجود فيزيولوجي هو المخلوق المجهول الذي لانعرف عنه شيئاً.، والنبوة بدأت بنوح ومنه بدأ التجريد: (انا أوحينا اليك كما أوحينا الى نوح والنبيين من بعده..... النساء 163). لذا نرى ان قوانين تحكُم وجود البشر، بدأت من هنا اي من بعد وجود آدم، حين حاول الانسان العثور على قواعد تَحكُم سير الحوادث او اسباب قيام حركة التطور الانساني، وما مرت به من احداث. فظلت كلها تأملات عاشت حية في أذهان الناس دون معرفة سر الوجود، وكيف خلق؟وكيف تكائر؟وكيف بدأ يتكون ؟ كلها أقاويل بنيت على التصورات لا على الحقائق العلمية الثابتة بسند علمي رصين وخاصةً عند المسلمين .

 اننا لا نملك الدليل المادي لدراسة الانسان وسيطرة القوي على الضعيف واخضاعه لأرادته سوى ما نقرأه من لمحات في الايات القرآنية التي نعتبرها المصدر التاريخي الوحيد كشاهد حي على ما نقول.يقول الحق: (لقد كان في قصصهم عبرة لاولي الالباب .....، يوسف111).وحتى نتبين بداية الاستبداد والقوة انظر الاية رفم 258 من سورة البقرة التي اشارت الى عدم معرفة الخلق بالنظام والقانون وحقوق الناس ففرضوا ارائهم بالطغيان الفردي والجماعي دون مراعاة لحقوق الاخرين.

ان طرح شعار حاكمية الله، ألذي ألغى بدوره كل مفهوم للخيار الانساني هو شعار أنساني مبتكر وليس ربانياً مُقدر، ما عدا وحدانية الخالق.، لقد تأصلت هذه النظرية عند الفراعنة حين اعتبروا الانسان عبداً مطيعاً لهم عليه كل الواجبات بلا حقوق، ويتجلى ذلك بالمحاورة بين الفرعون وموسى.حين حاول موسى اقناع الفرعون بضرورة الاعتراف بحقوق الناس دون تمييز، فيرد الفرعون عليه: (، ...اني لأظنك يا موسى مسحورا، الاسراء 101). حينما أنبهر من كلامه رغم ان موسى لم يكن فصيح اللسان بمقدرة أخيه هارون( واخي هارون هو أفصح مني لساناً، القصص 35).

واستمر الحال في عهد المسيحية رغم دعوة السيد المسيح الى المحبة والاخاء والحكمة ونبذ الاقتتال والحروب واحلا السلام والمساواة بين الناس: (ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والانجيل). ورغم اعتناق الرومان للمسيحية ففد ظلوا من المستبدين، حين جعلوا الروماني فوق غيره بحكم القانون .وتباهى الصينيون بالافضلية على غيرهم من الشعوب . وما بناء سور الصين الا لانهم ارادوا ان لاتُدنس اقدام الاخرين ارضهم وترابهم، فهم يعتقدون بأفضليتهم على العالمين، ولا زالت المرأة الصينية الى اليوم لا ترغب بالزواج من غير الصيني الا في الحالات الاضطرارية المحدودة جدا.أما الهنود، فقد نشأوا على التفريق الاستبدادي في الطبقات حين فضلوا طبقة البراهمة على غيرها من الطبقات الاخرى. وظلت عقد الجنس الاستبدادي تنتقل بين الشعوب حتى جاء الاسلام في القرن السابع الميلادي، فهل تغيرت الظاهرة أم ماذا؟

عندما جاء الاسلام، جاء ليعلن نهاية العصور القديمة التي كانت السيادة فيها على الناس لطبقة محدودة، تملك زمامهم، وتتصرف في أموالهم، وتحجر على حرياتهم، وتعتدي على دمائهم دون ان تخشى رقيباً او حسيباً. فحين جاء الاسلام جاء ليقول للناس حكاماً ومحكومين ان هناك رقيباً هو الله.وانه جاء بمبادىءأخلاقية أرسى دعائمها في سنيه الاولى. وهي مبادىء سياسية، فالاعتصام بحبل الله أمروليس خياراً (وأعتصموا بأمر الله جميعا ولا تفرقوا، آل عمران 103)، .ووحدة الامة أمر وليس خيارأ(ان هذه امتكم أمة واحدة وأنا ربكم فأعبدون، الانبياء 92).. لذا لايجوز لاية جماعة ان تتصرف كيفما تريد ولاي سبب من الاسباب.

لكن الدعوة في هذا التوجه لم تلقَ الاستجابة كما طرحت .

 ان الذي حدث ان بعض المسلمين تصور ان العقيدة الدينية هي عقيدة دينية فحسب، بينما هي في ذاتها قواعد سياسية، فالدين معناه منهج الحياة المتكامل عقيدة وشريعة واسلوب حياة . فالمنهج الاسلامي يقوم على المساوة الكاملة بين افراد الامة، فلا يتميز حاكم على محكوم الا بما يقتضي به الشرع، لان الله لم يميز بين ابناء البشر . والشريعة الاسلامية تسوي بين الحاكم والمحكوم في سريان القانون،  لذا فالحاكم لا يتمتع بصفة القداسة ولا العصمة ابدا، لا هو ولا مرجعيات الدين، واذا ما خرج الحاكم على نهج الشريعة وجب على جماعة المسلمين الوقوف في وجهه وعزله عن السلطة او الثورة عليه وازاحته من ساحة الحكم بالقوة والعنف. لم تطبق النظرية، لا بل راح اتباع الجماعة الاسلامية يستبدون أكثر من الفراعة والرومانيين..

ما سُل سيف في الاسلام مثلما سُل على الخلافة .

 أما ان المسلمين لم يلتزموا بهذه النهج التشريعي فالذنب ليس ذنب الاسلام بقدر ما هو ذنب من تعهد بتطبيقه على الارض وعلى الناس معا. وعندما تعقدت الامور بعد السنة الخامسة للهجرة، وخوفا من عدم التطبيق القانوني والاخلاقي للعقيد ة الجديدة أصدر الرسول (ص) دستور المدينة المكتوب من اكثر من سبعين مادة الزم فيها اتباعه في التطبيق، لكن هذا الدستور تم أخفاؤه بعد الفترة النبوية فوقعت الدولة في فوضى الاجتهادات الفردية والى اليوم،

انظر الوثائق النبوية، دائرة المعارف الأسلامية )..

لابد لنا من ان نبين ان ربط الاسلام بالاشخاص حال دون تحويله الى مؤسسات، فظلت الدولة مربوطة بشخص الحاكم وليس بمؤسسات الدولة المدنية، ولم يقدم الاسلام مؤسسات سياسية تضمن حرية الرأي والراي الاخر في التعبير، مما افقد القضاء فقهه الدستوري الذي ينظم بنية الدولة وشرعيتها، هذا الغياب ادى الى ظهور مؤسسة الاستبداد السياسي حين بقي الخليفة يحكم دون تحديد مدة او مدى سلطان، من هنا استمرت تصفية المعارضة والحاكم اصبح مطلقا لا يخضع للمحاسبة والمراقبة، وبيت المال تحت اشرافه المباشر. وقد بدأ هذا بشكل واضح ومباشر على عهد الامويين حين بدأ النص الديني لا يشكل المعيار الحقيقي الوحيد للسلوك السياسي .هنا بدأ الانحراف وعاد خط الاستبداد من جديد، فبدأت تظهر تيارات الانحياز نحو القوة لا نحو العدالة الاجتماعية، وكأن لا اسلام جاء ولا نبي ظهر،

ولا زالت الحالة مستمرة الى اليوم .

لقد تمثل الانحراف الاول بخط الارجاء مؤسساً لخط الضعف، ثم جاء خط الجبر نتيجة نظرية القضاء والقدر(وما تشاؤون الا ان يشاء الله ) الذي وضعت المسلم في اطار الاستسلام لكل شيء، أي ان كل ما يحصل له فهو مكتوب عليه سلفاً.فاصبحت الاعمار والارزاق والاعمال مكتوبة ومحددة بزمن، فبقي الانسان جامدا دون حراك.وبدأ الاتجاه في تعريف القضاء والقدر هو بصمة الاستبداد السياسي الخطيرة على العقيدة الاسلامية .فلا احتجاج على حاكم ولا فقه دستوري يحدد شرعية الدولة، فظهر مفهوم الطاعة العمياء للحاكم دون نقاش(متمسكين بالاية الكريمة(أطيعوا الله واطيعوا الرسول وألوا

الآمر منكم) لينتج منه دمجا غير مقبول شرعا وهو طاعة أولي الامر متساوية من طاعة الله. هنا اصبح الفقه الاسلامي خليطا في الاعتقاد بين المعاملات والاحوال الشخصية  والعبادات والاخلاق وكما يريدها الحاكم فنتفت الحاجة الى الشرعية والرأي الجماعي معا.

 وحين نأتي على الحديث النبوي فتلك من اعقد المشكلات، حين دس السم في العسل وكتبت الاحاديث الموضوعة لتأييد سلطة الامويين والعباسيين، ,واجيز أخذ الحديث عن الاطفال، في حين ان الرسول قال وبعظمة لسانه الشريف(خلوا بيني وبين الناس ولا تنقلوا عني غير القرآن، انظر الواقدي في المغازي). اما نقلة الاحاديث من اليافعين فحدث ولا حرج فقد نقل عبدالله بن عباس اكثر من 1696 حديثا وهو لا يتجاوزابن عشر سنين، وأنس ين مالك اصغر منه بسنة وعبدالله بن عباس لم يعرف النبي ولم يجتمع به ابدا. ومن يدعي خلاف ذلك فليقدم الدليل.

من هنا يتم طرح امور الاسلام ويريدوننا ان نلتزم بها وهي كلها من احاديث الاحاد.ومن هنا ايضاً نستطيع ان نقول ان المسلمين تركوا الكتاب للسنة وتركوا السنة للائمة الفقهاء حتى اصبح التراث حاجزا بين المسلمين وبين مصادرهم الاساسية. أنظر صحيح مسلم والبخاري وبحار الانوار للمجلسي سترى الأعاجيب بعد ان زُرع الاستبداد الفكري في رؤوس الناس اصبح الخطأ هو الصحيح وبمرور الزمن لم يعد لاحد ان يعود للصحيح فكانت النكبة المرة التي نعاني منها الان. لقد جاء القصص القرآني، ليس من اجل الاخبار، كأي كتاب تاريخ، لكنه جاء ليشرح سنن التاريخ وحركته، فكتب عن فرعون وهامان وكل المستبدين دون ان يلتفت اليه المفسرون، بل قاموا بشرح نواقض الوضوء ومفسدات الحج والصلاة ومروا على الباقي مر الكرام، فتركوها دون تفسير.

 لقد أنتصرت مدرسة الترادف اللغوي على المدرسة العقلية والعلمية لفهم افضل للقرآن والكتاب والقضاء والقدر ويقف ابن خلدون على راس مدرسة الترادف، فمنع الاجتهاد في التفسير او نقده فاصبح التراث وكأنه التنزيل المقدس فضاعت علينا الحقيقة والاسلام معاً. ولا زلنا تحت رحمة الاستبداد الفقهي المختلف الذي لا يخترق دون تغيير. فهل سنعرف طريقنا نحو بناء دولة الحقوق والقانون مثل الأمم الاخرى... لا أعتقد ...؟

ان خير الدروب ما أدى بسالكه الى حيث يقصد...؟

 

د.عبد الجبار العبيدي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم