صحيفة المثقف

وداد فرحان: حتى وإن كانوا نازحين أو لاجئين

wedad farhanيعيش البعض في مناطق البركانين يتجاهلون الكوارث المحدقة بهم، التي تؤدي الى فقدان منازلهم بالإضافة الى فقدان حياة الكثير منهم. تجدهم لا يفرون من الخطر بل يتعايشون معه ويصمدون له نفسياً، كما يحصل في مناطق الصراعات العسكرية والسياسية.

طالما يراودني التساؤل عن ماهية عيش الناس في هذه المناطق رغم المعرفة المسبقة بأسباب الخطر؟

فبعد سنوات من الحرب الأهلية في سوريا وسنوات من عدم الاستقرار السياسي في العراق المصحوب بالعنف العنصري، والملايين من النازحين داخل البلدين أو الى البلدان المجاورة يملئون المساحات. انهم يهربون من البراكين السياسية والكوارث الإنسانية المحدقة بهم بسبب رعونة البرامج الضيقة التي تعتمدها مراهقة النظم السياسية الفتية في بلداننا.

إن سبل كسب العيش يعطي فكرة جلية عن نشاط السكان الاقتصادي الذي نبني عليه فكرة طريقة عيشهم وحياتهم، ما يؤدي الى اكتساب حقيقة واضحة عن واقع البلدان وسبل تعاملها مع مواطنيها.

لغاية الستينات من القرن العشرين كان المواطنون العراقيون يمارسون الزراعة أو الرعي مقابل قلة من التجار وموظفي الحكومة. هذا الحال لم يصمد أمام التغييرات الاقتصادية والسياسية التي أدت لهجرة أبناء العراق طلبا للرزق أو الأمان في بقاع المعمورة.

'سبل العيش' كمصطلح لا يُستخدم في البلدان المتقدمة، إلا أنه يتفشى كالجدري في مفاهيم أطر ونماذج بلدان العالم الثالث وخاصة التي تتحول الى تجارب جديدة في عالم القوى المتحاربة ضمن النظم السياسية التي يتحكم بها الدين كمصدر لتحديد مصائر الناس.

إن ما يثير في هذا الطرح هو الانتقالية التي شهدها المجتمع العراقي والتي أدت بالنتيجة الى تقسيمه الى فئات متنوعة تحددها الطبقات الطارئة، فمنهم من ينتمي الى الطبقة الأولى وهم الثلة الحاكمة بكل مستوياتها بضمنهم من يشغلون الوظائف القيادية والحزبية التي استولت على أعمال التجارة والتحكم برأس المال وانتقاله من الميزانية والدخل الوطني الى الحسابات الشخصية والمصالح الفردية يتشاركون به كل ضمن حصته وفق المعايير التهديدية المخيفة لبعضهم البعض.

هذه الطبقة لا تكتفي بالاستيلاء على الموارد التي تكفل سبل العيش للمواطن، بل تزيد بإزالة تلك السبل من خلال تشغيل مؤيديها في القيادة الاقتصادية واحتكار المصادر الطبيعية ما تؤدي الى ولادة الطبقة الثانية التي يسيل لعابها على فتات استيلاءاتهم من خلال الاشتغال بأعمال التجارة وتبييض الأموال التي تكون تحت سيطرة الطبقة الأولى.

أما الطبقة الثالثة تشمل من يحاولون العيش على هامش الموارد وما تركته الطبقات الأولى والثانية أو الذين حكم عليهم بوظيفة لا تغني عن جوع ومنهم المتعففين، الذين تحسبهم أغنياء.

أما أغلب أبناء بلد السواد فهم ينتمون للطبقة الرابعة التي ولدت منذ أكثر من عقد من الزمن الحديث.

هؤلاء هم الذين يكافحون من أجل لقمة العيش وفسحة الأمان.

الأمان  الذي أصبح الاختيار ذات الأسبقية الأولى في تفاضل الاختيارات مقابل سبل العيش وديمومة لقمة الحياة.

أن على الشعب ومن أجل الحد من المخاطر المحيطة به، أن يتصدى للمسائل الثقافية والوعي الوطني اللتين تؤثران في الاستعداد لمواجهة القادم المجهول على ألا يغيب عن أذهانهم انهم سيواصلون البقاء في ظل المخاطر من أجل عيشهم بكرامتهم الموروثة حتى وإن كانوا نازحين أو لاجئين.

 

وداد فرحان/ سدني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم