صحيفة المثقف

معمر حبار: الهجرة بين الموت غرقا و الموت بالتقسيط

moamar habarعرب الأوائل ركبوا البحر من مكة إلى الحبشة فارين بدينهم، لعل ربك يجعل لهم مخرجا. واستعانوا بدولة أجنبية وهي الحبشة لتحميهم من الأخ العربي، الذي هددهم في دينهم، وقطع عنهم قوت عيشهم، وأذاقهم الذل والهوان.

أبرهة الأجنبي يومها، إستقبلهم أحسن إستقبال، ومنحهم السلم والأمان، وعاملهم بإحسان، بل زاد في الكرم والمروءة، حين ردّ هدايا قريش الغالية جدا، رفقة أدهى رجالات العرب بقيادة عمرو بن العاص وسهيل بن عمرو، وكانا يمثلان يومها وسائل الإعلام العربية، وقريش كانت تمثل يومها الدولة التي فرّ منها الأبناء.

قيل للمهاجرين يومها لن تعودوا لمكة إلا وأنتم محمولون على أكتاف الرجال، وأن أرزاقكم وأموالكم  هي ملك قريش ومن ترضى عنه قريش.

وبعد 15 قرنا، يجىء الأحفاد من العرب، فيمتطون أمواج البحر إلى أوروبا هذه المرة، لعل ربك يجعل لهم مخرجا. وما زالوا يستعينون بأوروبا لتحميهم من الأخ العربي، الذي هددهم في دينهم، وقطع عنهم قوت ، وأذاقهم الذل والهوان.

وقد سمعت لبعض شباب العرب خلال هذا الأسبوع، يقولون بعدما نجوا من القارب الذي غرق وهو متجه بهم خفية إلى أوروبا.. الموت غرقا أفضل من الموت بالتقسيط.

يتابع المرء أخبار العرب الذين إختاروا الفرار من بلدانهم وفضّلوا الهجرة إلى أوروبا، فيرى أشلاء تتقاذفها الأمواج، و أجسادا يمزقها القرش إربا إربا. فهو إذن بين موج وأنياب قرش.

الشباب العربي الذين إختاروا الهجرة لأوربا دون أن يخيفهم موج فوقه موج أو أنياب قرش، تركوا من ورائهم حضارة العراق، وتاريخ سورية، وأزهر مصر، وزيتونة تونس، وثورة الجزائر. فلم تغني عنهم ما كانوا يكسبون من عز سابق ومجد تليد.

بين يدي الآن شهور التاريخ الهجري، جاء في 12 شهرا التي يحملها طيلة السنة، بحيث ..

يبدأ بشهر محرم، وهو من الأشهر الحرم

وينتهي بشهر ذي الحجة، وهو من الأشهر الحرم

وما بينهما شهرين من أشهر الحرم.

مايعني أن المسلم له على الأقل 4 أشهر لوضع السلاح ، والتآخي مع أخيه، ونبذ كل أشكال العنف، وفتح الصدر لمن ظلم وتجاوز.

لكن حين ينظر المرء من حوله، يرى دماء تسيل طول السنة، ورقابا تطير كل العام، وحضارات تنسف عبر الأيام، على أيدي بعض من يحتفلون بالهجرة النبوية الشريفة من العرب والمسلمين.

كانت الهجرة النبوية لأجل الهروب من الدماء، وحقن الدماء، وحفظ الروح الزكية من العبث والإهانة. ليسعى كل من استطاع بما استطاع أن يجعلها كذلك، ويحتفل كل سنة بأرواح جديدة تصعد في أمان وتعيش في سلام لم يمسسها سوء، ولم تمتد إليها الأيادي بغدر، وصعدت إلى ربها حين أدت ما عليها سالمة آمنة .

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم