صحيفة المثقف

علجية عيش: بين المعجزة والظاهرة

eljya ayshمن عجائب الكون أننا نحول المشاكل المستعصية علينا حلها إلى ظاهرة، خاصة المسائل التي لا نكون على دراية تامة بموقعها من المجال ‏الاجتماعي العام، ونجد السلطات العليا تؤسس لها مخابر ونخصص لها كل سنة ميزانية خاصة، حتى الظواهر التي يعجز العقل البشري عن تفسيرها وتحليلها يجعل منها "طابو"، لا يجرؤ أيٌّ كانَ مهما كان اختصاصه وقدراته الخوض فيها، لأنها في اعتقادهم مسائل تتعلق بالغيبيات، في حين نُحَوِّلُ المسائل العادية إلى ظاهرة، فقد نطلق على أحد الرياضيين أو الفنانين مثلا أنه إنسان خارق للعادة، ونقول أن فلانا تحول إلى ظاهرة، لأنه تمكن من حل مشكلة ما، وقدم ما لم يقدمه شخص آخر، الأمر طبعا يتعلق بما يتوفر عليه الشخص من إمكانيات وما يتلقاه من دعم مادي ومعنوي للقيام بمهمة ما، وهذا الدعم يزيده ثقة في النفس، في حين نجد من يملك قدرات خلاقة ولكنه لا يوجد من المحيطين به من يدعمه ويدفعه إلى الأمام، فتضعف عزيمته وإرادته، ويظهر أمام الناس بالضعف، وقد ينعتونه بالفشل..، وما لا شك ليه طبعا أن بعض المفاهيم مثل (العنصرية، الجهوية، المحسوبية، الوسطية، الرشوة، اللاعدل..) هي في الحقيقة آفات اجتماعية تفشت في المجتمع العربي والمجتمع الجزائري بالدرجة الأولى،  ومع مرور الوقت تحولت هذه الممارسات السلبية إلى "ظاهرة".

    والحقيقة أن المشاكل التي نغرق فيها نحن المسؤولون عنها، ومن الصعب أن نقول نحنُ أم هُمْ المسؤولون عنها، لكن نقول أنها من أفعال البشر، فلو لم تكن هذه الآفات السالفة الذكر موجودة لما كانت أزمة البطالة موجودة أصلا، ولو أن البطالة مشكلة وليست ظاهرة اقتصادية، لأنها تتعلق بالتسيير العقلاني والتفكير العقلاني في وضع البرامج التنموية، وإنجاز المشاريع، فعلي سبيل المثال لو الدولة في بلد ما شيدت مصانع للشباب بدل السجون، ووفرت مناصب الشغل، وطبقت العدالة في توزيع هذه المناصب كل ومستواه واختصاصه، لما كانت هناك بطالة، وبالتالي هي تقضي على الجريمة ولن تكون في حاجة إلى بناء مؤسسات عقابية، ويكون المجتمع في مأمن من تورط أبنائه في وكر الجريمة، إذن لا يمكن أن نقول أن البطالة ظاهرة، لأن الدولة ليست عاجزة عن حلها، وتملك كل الآليات والميكانيزمات للقضاء عليها، ما يمكن الإشارة إليه أن الخبراء صنفوا "الظاهرة "فنقرأ عن الظاهرة الاجتماعية (المثليين)، والظاهرة التاريخية ( التحول من تيار إلى تيار آخر)، والظاهرة الدينية (الإيمان والكفر)، والظاهرة البيئية ( الفيضانات)، كما أن هذه الأخيرة أعطيت لها أسماء عديدة، فنقول الظاهرة الإيكولوجية، والظاهرة الاقتصادية (البطالة).

وكما تؤكد بعض الكتابات أن الظاهرة تحكمها قوانين جبرية ...كالظواهر الكونية، أو ظهور شيء خارق للعادة، يعجز الفكر البشري تفسيره أو تصوره، ولهذا نجد بعض الناس من غير المتنورين يرون في سقوط التفاحة مثلا من الشجرة معجزة إلهية، وهذا السقوط هو ما يمكن اعتباره ظاهرة، لأنه متعلق بقانون الجاذبية، التي لا يمكن أحد أن يراها، وهذه الظواهر التي يمكن أن نسميها معجزات وحدها التي تحدد سلوك الإنسان، وتحدد الصورة التي يكون عليها تفكيره وإيديولوجيته، بل ووجوده في هذا الكون، ولهذا يمكن القول ـأن بعض المسائل فقط يمكن أن يطلق عليها بالظاهرة، مثل الإيمان والإلحاد أو الارتداد عن دين من الأديان، ولعب الاستعمار دورا مهما في انحراف الشعوب والتشكيك في معتقداتهم، حيث كانت الظاهرة الاستعمارية وراء ظهور فكرة" الإلحاد" الذي اعتبره الباحثين "ظاهرة " أيضا، لأنه تمكن من أن يخير الخطاب الديني لجماعة لها معتقداتها ومقوماتها وغيرت حتى أسلوب معيشتها باسم الحداثة.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم