صحيفة المثقف

كمال الهردي: لعنات الشرق الأوسط المقدسة!

kamal alhardiعلى غرار المجازر التي سادت أوروبا في العصور الوسطى، ها هي ذات اللعنة تطل علينا بعينيها وأنفها، ولكن هذه المرة في الممالك العربية مهما اختلفت مسميات أنظمة الحكم ؛ جُلها - في نهاية المطاف - أنظمة بوليسية عتيدة، وشعوبها مهووسة ابتداءاً بفكرة تقسيم المقسم، ومروراً بممارسة التنميط والقولبة، وانتهاءاً بنبذ الآخر.

ولأن اللعنة الكبرى التي جثمت على ممالك الشرق الأوسط الحديث قد تشظت إلى لُعينات أخذ كل منها شكلاً وحجماً ومناخ، فسنأتي على كل منها تباعاً لنرى بعد ذلك الأبعاد الحقيقية للعنة الكبرى.

 

اللعنة الأولى: عقلية الكاوبوى (رعاة البقر)

هذه العقلية الهوجاء - في زيها التقليدي - كانت تقتضي أن تتحسس مسدسك كلما لاحت في الأفق ذبابة ! وعند اقتراب تلك الذبابة تسارع في سحب مسدسك من جرابه، وتصوب، ثم تطلق النار، مع أن احتمال إصابة الهدف واحد على المليار !

عدد من الحُكام العرب قد تستفزهم ناموسة، ولا يمانعون في إطلاق النار عليها حتى لو ترتب على ذلك تدمير للذات الجمعية والذات الفردية. يقامرون بمصائر الشعوب كما يلعب المقامر على رهان خاسر. ثم تُبدد ثرواتهم وثروات شعوبهم في حروب عبثية باسم الأوهام والعناوين الخاطئة.

 

اللعنة الثانية: نفسية تاجر البندقية

تاجر البندقية - الذي سماه شكسبير (شايلوك) - كان تاجراً لئيماً لدرجة أن أحدهم جاءه طالباً مبلغاً من المال كقرض، فوافق (شايلوك) نظير فائدة مالية، ولوقت معلوم. وإذا لم يتمكن المدين من سداد ما عليه من دين وفائدة عند انقضاء الوقت المعلوم، فإنه يحق له أن يقطع جزءاً من لحم ذراع المدين !

انقضى الأجل المعلوم، ولم يستطيع المدين أن يسدد ما عليه، فرفع (شايلوك) أمره إلى المحكمة، وأصر على تنفيذ ذلك الشرط – في العقد – الذي يستلزم بتر قطعة لحم من ذراع المدين. لم يجد القاضي بُد من تنفيذ الحكم على ذلك المعتوه الذي وقع على نفسه شرط في ذلك العقد الجائر والظالم والبشع، تحت وطأة الحاجة والفقر. وقبيل تنفيذ الحكم خطرت ببال محامي المدين فكرة، فصاح قائلاً:

- أيها القاضي، يجب على شايلوك أن يأخذ قطعة اللحم فقط، دون أن يريق قطرة دم لأن ذلك غير منصوص عليه في العقد.

وبهذا أنقذ المحامي جزء من ذراع المدين من البتر. وهكذا هي اقتصادات ممالك الشرق الأوسط ؛ اقتصادات ريعية جبائية بائسة.

 

اللعنة الثالثة: الحكم الأسري

على الرغم من النتائج الباهرة التي توصل إليها ابن خلدون في علم الاجتماع، إلا أنه أخطأ حين زعم بأن العصبية للأسرة والقبيلة تختفي في المجتمعات الحضرية الكبرى، لأنها مجتمعات مختلطة ومتمازجة ومتسعة الأطراف. وها نحن اليوم نعيش في مجتمعات كبيرة ومختلطة إلا أننا نتجرع مرارات حُكم الأسر العريقة، التي تدعي أنها توارثت المُلك كابراً عن كابر.

 

اللعنة الرابعة: التنميط والقولبة

نحن مهووسون بالتنميط والقولبة. ننمط بعضنا البعض على خلفيات متعددة ؛ الأسرة، القبيلة، اللون، الجنس، الدين، الطائفة، المهنة، الزي، الدولة، ....والحبل على الجرار. وإذا كان ولا بد من القولبة والتنميط، فلماذا لا نقولب بعضنا البعض كـ " إنسان " ؟

اللعنة الخامسة: الأنظمة البوليسية العتيدة

تحصن الأنظمة أنفسها بأجهزة أمنية تحت مسميات متعددة، وذلك لا بأس به منعاً للغربان التي تحوم حول الأوطان وتترصدها وتهم بالانقضاض عليها ونهشها وتمزيقها. غير أن أي نظام بوليسي صارم قد يتحول – بفعل الزمن – إلى نظام استبدادي يضيق ذرعاً بالأصوات التي تغرد خارج السرب أو الجوقة، حتى لو كانت أصواتاً وطنية ! الأنظمة تختنق وتموت عندما لا تسمع، والشواهد التاريخية القديمة والحديثة كثيرة ومعروفة ومعلومة. ولذلك فالمعارضة الوطنية الحقة معول بناء، وسند، ومعين لكل نظام مستنير ووطني. المعارضة الوطنية هي المرآة العاكسة لأداء النظام وجدوى سياساته على كافة الصُعُد والمستويات – الاقتصادية والمجتمعية والثقافية. وعطفاً على ذلك، فإنه يتعين على الأنظمة العمل بالشراكة مع المعارضة الوطنية من أجل عمل وطني تكاملي ويصب في مصلحة الأمة.

 

اللعنة السادسة : الطائفيات المقدسة

العرب تقسمت إلى بطون وأفخاذ وفروع، وترتب على ذلك التعصب الجيني تعصب مذهبي، فصاروا فرقاً وجماعات، ولكل فرقة أقطاب ومراجع وآيات، وكل منهم يعتقد بأن جينه مقدس، وهو الأحق بالحكم من غيره. ولو سلمنا بصوابية ذلك، نجد أن بداخل كل فرقة تناحر وتنازع على السلطة. أي أن تلك الأسر المقدسة لم تتفق - فيما بينها - على من هو الأحق بالحكم ! فماذا نفعل نحن كشعوب غير مقدسة ؟!

 

اللعنة السابعة : القائد الأوحد

التحايل على الدساتير، وتمديد فترات الحكم للحاكم تعزز من نظرية القائد الأوحد التي تجعل من كلامه دستور ورغباته قانون، فهو الدستور والقانون، وهو المصلحة الوطنية العليا. لسان حاله يقول بأنه لا معقب لكلامه، ولا راد لحكمه، ولا مماثل لشخصه، وأن النساء عجزن أن يلدن مثله. هو فريد عصره، وتحفة زمانه، بل هو الشمس والبشر كواكب تدور في فلكه.

 

كمال الهردي: كاتب وروائي يمني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم