صحيفة المثقف

كمال الهردي: اليمن مأساة إنسانية يندى لها جبين التاريخ !

kamal alhardiشهادة للتاريخ: أقف اﻵن أمام محاكم الضمير الإنساني لأدافع عن وطني المسلوب، ولأدلي بشهادة للتاريخ على أبشع صور الظلم والجور والفجور المتمثل جليا" في الحرب في وعلى اليمن ! يا أصحاب مقاليد شؤون الأمة، الحال اليمني صار مأساة يندى لها جبين التاريخ، وﻻ يرضاها الإنسان حتى لعدوه الإنسان ! يا أصحاب القرار والمشورة والرأي، الحرب تجاوزت مرحلة (كسر العظم)، ووصلت مرحلة الإجهاز على أمة آمنت بالله ربا وبمحمد نبيا وبالقرأن كتابا !

أوقفوا نزيف الدم ! ﻻ مبرر مطلقا" لسفك الدماء، فهي معصومة ومحقونة دينا" وعرفا" وقانونا. كلما حاولنا أن نتسامى على جراحاتنا، ونتعلق بأذيال الأمل، قالت الأيام هذا مبتداها ! ما أطول هذا الليل، وما أحلك ظلمته !! آه وألف آه على أمتنا وأوطاننا ، حسرات تتلوها حسرات. صرنا جروحا" منكاة، وآلاما" مذكاة، وآمالا" مسجاة !

يا عقلاء الأمة وكبراءها، هل تعلمون أن حقائب أطفال المدارس خاوية من الكتب المدرسية، وأن أزياءهم المدرسية مهترئة ومرقعة  لأنها محفوظة من العام الماضي ليرتديها الطفل هذا العام، وعليه أن يواجه بها زمهرير الشتاء القادم والقاتم !

يا أهل العقد والحل، إن جل الآباء لم يعدوا قادرين على تحمل نفقات إرسال أطفالهم إلى المدارس، لأن التضخم الذي وصل حدودا" غير مسبوقة أتلف القوة الشرائية للعملة المحلية، فصارت أوراقا" ﻻ تساوي الحبر الذي طبعت به ! هذا إذا لم يكن اسم الأب ضمن قوائم اﻵلاف الذين فقدوا وظائفهم وأعمالهم بسبب إغلاق الشركات والمؤسسات والسفارات إبان اندلاع الحرب وحتى اللحظة ! أما إذا كان منهم فابحثوا عنه في المهجر أو في المصحات أو في السجون أو في المشانق أو في معسكرات التجنيد الحربي !  

الظروف التي شهدها ويشهدها اليمنيون منذ اندلاع الحرب وحتى الآن ظروفا" حياتية قاسية للغاية، وﻻ يمكن - بحال - أن يرضاها لنا الأعداء فضلا" عمن يتحلون ولو بأدنى درجات الإنسانية ! على المستوى الاقتصادي، ثمة انهيارات متلاحقة وسريعة للبنى التحتية ، توقفت - منذ أشهر مديدة - خدمات الكهرباء والمياه والطاقة،  أغلقت الشركات، والسفارات، وجفت منابع الاستثمار، وكانت النتيجة أن فقد المئات وظائفهم وأعمالهم، وصاروا على قارعة الطريق بلا رغيف خبز وﻻ ذرة كرامة ! أما الخدمات الصحية فبائسة، والجيد منها - نسبيا" - صار من الكماليات المحصورة والمقصورة على أصحاب الامتياز !

التعليم يحتضر، والرعاية الصحية ندرت، والوظائف فقدت، والشوارع تمتلأ بأكداس القمامة بين الفينة والفينة، والناس تعلو وجوههم الكآبة والكلاحة من تردي الأوضاع على كافة المستويات !

كفاكم سحقا" لمصائر الناس وأقواتهم، كفاكم إهدارا" لأواصر القربى، وتمزيقا" لنسيج الأمة باسم الأوهام والعناوين الخاطئة ...

من فضلكم أوقفوا الحرب على اليمن من أجل الأطفال، من أجل المدنيين الأبرياء. ﻻ تجعلونا أضحوكة بين الأمم (أمة محمد يقتل بعضها بعضا"، وهو الذي وصاها حتى بإماطة الأذى عن الطريق).

يا قادات أمة محمد ﻻ تتنكروا للقيم التي علمكموها الرسول الكريم، وﻻ تتنكبوا عن صراطه الذي أوقفكم عليه. كفاكم غلواء وإمعان في الأذى ! لو كنتم - حقا"- تؤمنون بالله فلماذا ﻻ تتحرك قلوبكم وعقولكم لكلمات الله (ومن يقتل مؤمنا" متعمدا" فجزاؤه جهنم خالدا" فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا" أليما)؟!

دعونا نمد أيدينا بالتسامح والتصالح حتى ولو كان الجرح غائر والحزن عميق. دعونا نحل قضايانا العالقة بالتفاهم والحوار بدلا" من فوهات البنادق والمدافع المبددة لثروات الشعوب، والمنفذة لمكر الماكرين.

أعلم جيدا" أن هذه الكلمات قد ﻻ يكون لها صدى يذكر في دهاليز السياسة، وأروقة صناعة القرارت الدولية حيث المعادلات الكبرى ذوات الحسابات الخاصة والشديدة التعقيد، إلا أني أؤمن بأن تقديم التنازلات الشجاعة من أجل السلام هو خيار الفرسان والنبلاء، وهو صوت العقل، ونداء المنطق، والخيار الأمثل للعقلاء من القادة.

نمد أيدينا بالسلام، فلا تقابلوها إلا بالسلام، يا أهل الإسلام !

 

كمال الهردي - كاتب وروائي يمني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم