صحيفة المثقف

علجية عيش: الجيل الثالث وبداية بعث الهوية الثقافية.. متى يضع "المثقف" الحلول للمشكلات الثقافية؟

eljya ayshتشير الدلائل أن الجيل الثالث من المهاجرين أصبح يثير تخوفا لدى الدول المستقبلة وبخاصة أمريكا، فأن تصبح أمريكيا مثلا عند العنصريين لا يعني إتقان اللغة الإنجليزية فقط، بل نبذ لغة وثقافة الأبوين كذلك، ولهذا تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى"عولمة الثقافة" الهدف من ذلك إلغاء التعددية والخصوصية الثقافية، واعتناق الشعوب نمط ثقافي موحد.

العديد من أنصار التعددية الثقافية من ذهبوا إلى الحديث عن الثقافة في بلاد الهجرة ، ودور المثقف في الحفاظ على هوية الأجيال، وقد صاغ أحد مؤرخي الهجرة وهو ماركوس لي هانسن في عام 1937 قانونا متعلقا بالأجيال، يقول هانس: " أن الجيل الأول من المهاجرين، ولأنهم مثقلين بهموم مادية، فهم لا يبدون اهتماما كبيرا بثقافة العالم القديم الذي جاءوا منه، وهو ما دفع بالجيل الثاني إلى تبنّي ثقافة النسيان، والهروب من عادات الأسرة والدين، بيد أن الجيل الثالث من الأبناء الذين ولدوا في بلاد الغربة ( أمريكا أو فرنسا أو في دولة أخرى) وتعلموا لغتها ، يتذكرون جذورهم وتراثهم المشترك، وهذا الجيل حسب هانسن، هو الذي يغذي اليوم بعث الهوية الثقافية والحماسة للتعددية الثقافية، ومن ثم فهم لا يعانون أيّ من مشاعر النقص، طالما يحملون جنسية البلد الذي ولدوا فيه ، ويقيمون فيه، وبها أصبحوا مواطنين ولهم كل الحقوق المدنية والسياسية، حيث راح البعض إلى جعل من الثقافة كعلم يدرس، ووضعوا لها قواعد وآليات، ومنهم الإنتروبولوجي ليزلي وايت الذي صاغ في عام 1959 مصطلح "علم الثقافة" culturologie باعتبارها سلوك إنساني، وقال انه لا بد أن يخضع هذا السلوك إلى التحليل، في رده على علماء الاجتماع الثقافي، الذين رأوا أن المثقف وحده هو الذي له مَلَكَة إعطاء معاني للأشياء والمعاني ، وله القدرة على فهم تلك المعاني، ووحده يكشف عن فاعلية الممارسات الثقافية وتنوعها.

و الحقيقة أن الثقافة هي مركز الثقل الحقيقي في عملية البناء والنهضة، وتنمية الرصيد الثقافي والمخزون الفكري والحضاري الذي تزخر به الأمة العربية، والذي من شانه أن يعمق الحوار الثقافي والانفتاح على ثقافات وحضارات الشعوب ويعزز منظومة القيم والتآخي والتسامح واحترام الخصوصية الثقافية، وبذلك فهو يشكل ( أي المثقف ) نقطة تواصل بين الأجيال، غير أنه في ظل التحولات والتغيرات، أصبح هذا الذي نسميه المثقف يرى كل شيئ ثقافة، ويرى نفسه أنه مطالب بإرضاء الجميع وتلبية رغباتهم، ويرى أن كل شيئ يمكن أن يكون ثقافة وحتى الذوق العام، وإن كان الذوق العام نظاما ثقافيا كما يقول الإنتروبولوجي كليفورد جيرت Clifford Geertz ، فالخطأ والخطر هو أن ينظر المثقف إلى كل جماعة باعتبارها ثقافة، ولهذا اختلط الأمر بين دور السياسي والمثقف، والدليل على ذلك، أنه يصعب اليوم فهم العلاقة بين ثقافتين أو أكثر، لأن التعددية الثقافية تقوم على أصل ثقافي.

يطرح بعض الباحثين سؤالا : "كيف يمكن للثقافة أن تتغذى وتبقى بعيدا عن العمل وإنتاج الثروة؟، وهم بذلك أرادوا أن يضعوا للثقافة هيكلا اقتصاديا، بمعنى إخضاعها للعرض والطلب، ثقافة قائمة على اقتصاد السوق، وفي هذا يمكن أن يُطْرَحَ السؤال بصيغة أخرى هي: كيف نبيع الثقافة؟ وهل يمكن أن نشتريها، أو بالأحرى نستوردها؟، إن استيراد الثقافة قضية مرتبطة بتكريس روح التبادل الثقافي، دون أن نضع النشاط الثقافي في إطاره الاقتصادي، اللوم طبعا يقع على"المثقف" الذي لم يفرض وجوده في الساحة، وكان سببا في تراجع الثقافة، ولم يضع رؤية واضحة تغذي التنوع الثقافي، وترك جماعة تبحث عن الربح السريع ، تتلاعب بالمنظومة الثقافية ، ما جعل البعض ينعتون الثقافة، ومن هنا يبدو دور "المثقف" كفاعل أساسي في بناء مجتمع معرفي ينتج أكثر مما يستهلك، ويؤثر في الآخر ولا يتأثر، ويفعل أكثر مما يقول، يحدث التغيير الإيجابي في المجتمع ، يصحح أخطاءه وينتقل به من الحسن إلى الأحسن.

تلك هي التحديات التي ينبغي أن يرفعها المثقفون والنخبة لتحقيق تطلعات المجتمع وتؤصل إبداعات أفراده، والمثقف العربي وحده مهما كانت جنسيته وتوجهاته الفكرية قادر على رفع التحديات ليضع الحلول للمشكلات الثقافية، نظرا لما تتسم به من شمول ومرونة وعمق، وحده قادر على أن يؤسس للوعي الثقافي المعرفي العام، ويخلق إطار فكري حرّ ومبدع، ولا يتأتي له ذلك إلا بالاحتكاك بالآخر والتعرف على عاداته وتقاليده ومراحل حياته الثقافية ويجعَل من المستقبل شيئا غير الحاضر، فالمدنية والنهوض الحضاري والثقافي لا يمكن أن يستقيم كل واحد منها إلا في إطار تسوده الحرية الفكرية والإبداعية ضمن إطار الممارسة الديمقراطية، الأمر هنا متعلق بقيام إجماع فكري بين جميع التيارات الثقافية الفكرية وحتى السياسية منها حول قضايا وأهداف وطنية وقومية تفرضها الظروف الراهنة ككل، فعندما تتوحد الأفكار وتوضع في إطارها الصحيح، يستطيع الكثير المتعدد الثقافات كما قال إدوارد سعيد أن يصنع" أمة " منسجمة .

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم