صحيفة المثقف

كمال الهردي: نظرات نقدية خاطفة في رواية: الكيميائي

kamal alhardiاولاً: البناء السردي الزماني: تمكن مؤلف الرواية - باولو كولهو - أن يضبط المسافات الزمانية في مجمل الرواية، إلا أنه أخل بالمقياس الزماني في أحد المشاهد حين جعل البطل يستيقظ قبل الفجر ثم ارتداء ملابسه وأعد لنفسه شطيره وكوب من الشاي الساخن، وبعد ذلك أجلسه على عتبة الباب وقد امتلأت بأشعة الشمس ! المسافة الزمنية التي تفصل ما بين قبل الفجر وطلوع الشمس قد تمتد لساعة ونصف أو اكثر، بينما ارتداء الثياب وتحضير شطيرة وكوب شاي قد ﻻ يبلغ نصف تلك المسافة الزمانية.

 

ثانياً: لغة السرد

لغة السرد في الرواية تتميز بالبساطة والابتعاد عن غرائب الألفاظ ونادرها. كما أن فيها شذرات من الجزالة اللفظية والتي رفعت من مذاقها كما ترفع التوابل من مذاق الأطعمة. هذا بالإضافة إلى أن الكاتب نأى بنفسه - نسبيا" - عن تكرار الألفاظ، والتزم استخدام المترادفات لدرء سآمة القارئ. ومع ذلك، راوحت لغة الرواية مكانها في الرسم والتصوير. وبعبارة أخرى، لم يكن هناك القدر الكافي من الصور والأخيلة والبديع. كان الوصف أقرب إلى الاعتيادية منه إلى الابتكارية.

 

ثالثاً: الإيقاع السردي

تمكن الراوي من ضبط طرفي معادلة صعبة، وهي الحفاظ على إيقاع طبيعي للأحداث مع الإيحاء بنشاطها وتبدلها وتجددها. يمكن القول بأنه لزم التوسط والاعتدال في الإيقاع السردي، وهذا يولد - لدى القارئ - إحساس بالهدوء والسكون المريح والانجذاب لمتابعة الأحداث. لم أتمكن من رصد خلل ما في الإيقاع وهذه نقطة قوة تضاف إلى رصيد الراوي.

 

رابعاً: موضوع الرواية

موضوع الرواية رائع، ويعزز من بعض القيم الإنسانية الجميلة كقيمة معرفة الذات، واكتناه ما تحمله من أحلام وآمال، وقيمة التشبث بالأحلام لأنها تتحقق إن أراد الواحد منا ذلك. كما أنها تؤكد على الجوانب المشرقة لقيم التسامح وخاصة" التسامح الديني والعرقي. بيد أن الإشارات لفكرة وحدة الوجود موجود ومكررة.

 

خامساً: الشخوص ورسم ملامحها

كان هناك تقدير جيد لشخوص الرواية والأدوار التي يقومون بأدائها. ولأن الرواية ليست من فئة الروايات المطولة، فلم يكن الراوي بحاجة إلى الإغراق في رسم الملامح للشخوص على نحو تفصيلي. ولأن الرواية ذات طابع فلسفي، اقتصر الكاتب على الأفكار وبلورتها مستغنيا" بذلك عن تعدد الشخوص، وتنوع الأدوار التي يقومون بها.

 

سادساً: حجم الرواية

من المعروف لدى المهتمين بعالم الرواية أنها - من ناحية الحجم - تنقسم إلى رواية قصيرة (نوفيلا)، ورواية متوسطة (نوفيلتتا)، ورواية طويلة (نوفل). وقد آثر الكاتب أن تكون روايته من الحجم المتوسط لأنها هي الأكثر رواجا" ومتعة" واقتناءا" في أوساط القراء. وهذا مما يحسب له من الناحية النقدية.

وأخيرا"، رواية (الكيميائي) أو (ساحر الصحراء) - باختلاف الترجمات - من الروايات الجميلة والمثيرة للفكر والتأمل، وقد إحتلت مكانة مرموقة بين الروايات المصنفة عالميا". هذا بالإضافة إلى أنها كتبت في مرحلة عمرية و فكرية فيها الكثير من النضج والخبرات والتجارب لدى الكاتب، مما جعل منها راوية غنية لغة" وفكرا".

 

كمال الهردي: كاتب وروائي يمني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم