صحيفة المثقف

علجية عيش: ماذا بقي من جيل نوفمبر؟

eljya ayshلم يعد الكلام حول مَنْ يقتل مَنْ في الجزائر بقدر ما عاد الكلام حول من يُحاسب من؟ الصامتون عن التاريخ؟ أم الخائنون والعابثون به؟، فالأحداث التي شهدتها الجزائر خلال السنوات الأخيرة تتطلب من كل منا مراجعة دقيقة مع الذات قبل كل شيء، ثم الوقوف في تفاصيل ما يحدث وما المقصود من وراء ذلك، ومعرفة من هم الذين لهم ضلع فيها وهذا يعني وضع النقاط على الحروف، لأن الأحداث كلها جاءت متشابكة ومترابطة تدور حول قضية واحدة وهي ضرب مرجعية الجزائر الثورية، لاسيما وأن هذه الأحداث وضعت الملح على الجرح فاشتد النزيف.

من بين الأحداث رفض أئمة جزائريين الوقوف إلى النشيد الوطني باعتبار أن ذلك يُعَدُّ بـِدْعَةٌ من البـِدَعِ ، ثم تحويلهم على لجنة التأديب، ايام الوزير السابق للشؤون الدينية بوعبد الله غلام الله، والقضية الثانية التي تجعل المواطن الجزائري "يندب في وجهه" (عفوا على هذا التعبير) هو التقرير الذي صدر مؤخرا بأن " فرنسا تباشر إجراءات شطب الجزائر من قائمة دول الخطر" وأن هذه الإجراءات مؤشرات إيجابية بعد المحادثات التي دارت بين رئيس الجمهورية الجزائري وبين أمين عام الإليزيه  كلود غيون إثر الزيارة التي قادته إلى الجزائر ، من هنا حُلْمٌ ذبُـلَ زهر نباته على قبر كل شهيد وكل مجاهد أخلص للوطن يرقد اليوم تحت التراب لأن من بيدهم زمام أمورنا لم يحفظوا الأمانة ولم يفوا بما وعدوا به، كانت مطالبة فرنسا الاعتذار من الشعب الجزائري مجرد خطب سياسية رنانة لكسب ود الشعب الجزائري من أجل البقاء في كراسي المسؤولية كل وطموحه في ماذا يكون: وزيرا على رأس قطاع ما ، أو زعيم يبقى على رأس حزب، وبين من يريد مقعدا في البرلمان، ومن هناك خيبة أمل تـُحَرِّكُ المرارة في نفس الذين يسمونه (غاشي) عفوا الشعب ، لأنه اعتاد على سماع أغنية واحدة، "الجزائر لكل الجزائريين"، وكانت هذه الأغنية عبارة عن "مُخَدِّرٍ" من نوع خاص، لا هو هروين ولا هو كوكايين، هو مخدر لا تنبت بذرته إلا في الجزائر، لأن صانعي الخطب السياسية فنانون محترفون يلبسون لكل خطبة بدلتها الخاصة..

من منبر قاعة عبد الحميد ابن باديس جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية قسنطينة، فجّر الداعية المصري وجدي غنيم  "قُنْبُلَةً" من خلال فتواه  قال فيها: " إن النشيد الوطني الجزائري (قـَسَمًا بالنازلات الماحقات..) يبدأ بالكفر ، وطالب الحكومة الجزائرية والهيئات المختصة بتعديل المقطع الأول من النشيد..، كانت بعض الجماعات الإسلامية، قد هددت الصحافة بأن لا تنشر الخبر في الجرائد حتى لا تحدث ضجة ويُمْنَعُ هذا الداعية من دخول الجزائر مستقبلا، لكن السؤال طـُرحَ في لقاءات سابقة على زعماء أحزاب، ثم تم طرحه على وزير الشؤون الدينية نفسه في زياراته السابقة التي قادته إلى ولاية قسنطينة، وكان رد الوزير أنه لا يعرف شخص اسمه وجدي غنيم ، وربما كان جوابه من باب الاحتقار أو الاستخفاف بالرجل ، أو خجلا من نفسه، وهروبا من الإجابة،  طبعا لا يهم من يكون قائله طالما أنه تعدى حدود اللياقة بتكفير شعب بأكمله وضربه الهوية الوطنية، أم أن الوزير لا يريد أن يورط نفسه في هكذا قضايا خاصة إذا كانت متعلقة بالجماعات الإسلامية..

لم يعد في الجزائر جيل يؤمن بالثورة ومبادئها، فجيل نوفمبر هو في انقراض مستمر ومن بقوا على قيد الحياة لزموا "الصمت" وفضلوا الطلاق السياسي أو العزلة السياسية، سيما والتاريخ فيه الكثير من المغالطات والتناقضات ، بحيث ما يزال مسلسل الاغتيالات التي طالت قيادات الثورة، يلفه الغموض، وما قضية المجاهدين المزيفين إلا دلالة على أن تاريخ الجزائر تعرض إلى الشـُّبُهَاتِ، دون أن يفكر أحد في غربلة هذا التاريخ، وكانت النتيجة أن الجيل الحالي أصيب بالإحباط واليأس ، فأصبح يبحث عن الموت عبر قوارب البحر..، سؤال من الواجب أن نطرحه هو: من هم الجزائريون؟..، إنهم "الفلاقة" وقـٌطـَّاعُ الطـُّرُق.. إنهم الإرهابيين" في الجبل..، هكذا وصفت فرنسا الشعب الجزائري الشهم البطل قبل وبعد فترة الاستعمار، وخططت لتدمر هويته الوطنية..من ترضى عنه فرنسا تُحوله إلى "قايد" gaid وهو اسم لعنوان الخيانة الوطنية، والسؤال يطرح نفسه: من يعيد شرف الفتيات اللائي اغتصبن على يد الاستعمار؟ من يعيد أولئك الذين دفنوا أحياء؟ ، قد يقول قائل ( تبعي وخائن) سؤال لا يجب أن نطرحه بل يجب أن ننسى كل هذا، يجب أن نتنازل باسم التطبيع وباسم الديمقراطية، ويجب على هذا - الغاشي- (عفوا الشعب)  أن ينحني أمام صاحبة الجلالة - فرنسا- طالما هو يأكل ويلبس من منتوجها، وطالما هو يعتمد على إطاراتها في إنجاز مشاريعه، يجب على هذا الغاشي أن يصمت وأن يقفز فوق سُور نوفمبر، وأن يدفن ذاكرته الوطنية في قصر الإليزيه لأن هذه الذاكرة في الألفية الثالثة تعبر عن لغة الخشب..

إن التوقيع بـِجَرّةِ قلم على اتفاقيات عمل بين الجزائر وفرنسا معناه التوقيع وبجرة قلم كذلك على مسح هذه الذاكرة، وهذا لأننا نخاف من الكبار.." إرضاء الناس غاية لا تدرك" مقولة أطلقها من يؤمنون بالثقافة التبريرية، وهي أكبر أكذوبة في تاريخ البشرية، لقد أثبتت هذه المقولة العكس في الجزائر، إذ بإمكانك أن تـُرْضِي الغير أو الآخر.. بشيء من التنازل فقط ، حتى لو كان على حساب الكرامة الوطنية والسيادة الوطنية، طالما هناك أناس لهم مصلحة مع فرنسا، خاصة مزدوجي الجنسية من الجزائريين الحاملين الجنسية الفرنسية، المهم هو أن ترضى عنّا صاحبة الجلالة فرنسا، حتى لو تطلب الأمر التغاضي عن مطالبتها الاعتذار من الشعب الجزائري، وهو مطلب لن ترضخ له فرنسا، لأنه ببساطة لا يمكنها أن تسمح في فقدان المئات من ضباطها وجنودها الذين خسرتهم إبان الثورة التحريرية الكبرى ، ولن تسمح في ما خسرته من أجهزة الطيران وبالتالي فهي تعمل على تعويض هذه الخسائر التي أفلست ميزانيتها، وقد يصل بها الأمر إلى أن تطالب الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة أن يعوضها عما شيدته من مباني وجسور في الفترة التي كانت تحتل فيها الجزائر على أساس البقاء فيها وجعل من الجزائر إمبراطورية مسيحية، لقد أصبحت فرنسا وليّ أمر الجزائريين، وهي تباشر هذه الإجراءات لشطب الجزائر من قائمة دول الخطر، وهذا يعني أنها هي التي تقرر في مصائر 40 مليون جزائري، بدليل أن ملف قانون تجريم الاستعمار ما يزال حبيس أدراج البرلمان، وهي التي اتهمت الجزائريين بعملاء موسكو وعملاء القاهرة وواشنطن و..و..الخ، وربما هي الأسباب التي أعادت للجزائريين ثقافة الجبل فيما عرف بالعشرية السوداء..

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم