صحيفة المثقف

وجدان عبد العزيز: الشاعرة حنين عمر ورقصة الوهم

1097-wijdanكما يتبدى من كلمات الشاعرة حنين عمر في قصيدتها (رقصة الوهم)، انها تحمل روح السخرية والتهكم من خلال استعمالها فعل (رقص)، والرقص هو اهتزاز وتحريك الجسم على انغام الموسيقى، كما جاء في في معجم المعاني الجامع، فلان يرقُص في كلامه : إذا كان يتكلَّم بخفَّة وسرعة، ورَقَصَ النَّاسُ في سَيْرِهِمْ : إِذا كانُوا يَرْتَفِعونَ وَيَنْخَفِضونَ، وكذا رَقَصَ السَّرابُ : تَحَرَّكَ، اِضْطَرَبَ، الا ان الشاعرة اضافت الرقصة الى كلمة الوهم في مستهل القصيدة، فجاءت عبارة (رقصة الوهم)، لاخراج الرقصة من معناها الحقيقي، وهو تحريك الجسم واهتزازه على انغام الموسيقى والذي نمارسه في حياتنا اليوميه بصوره عفويه، فعندما نسمع خبر جميل، فاننا نرقص بصوره عفويه دون أي ايقاع او موسيقى او نقوم به باسلوب ترفيهي، كما في المناسبات والحفلات الخاصه، وعندما نحزن على وفاة شخص عزيز فاننا نمارس رقصة الحزن بضرب الايدي على الرأس والتمايل وترديد عبارات حزينه والانحناء والصعود .. اذن الشاعرة حولت مجرى المعنى الى معنى افتراضي اخر ، يحمل روح التهكم والسخرية بقولها :

 

(رقصة الوهم

عندما يذبح شعب

ويظهر علينا  الرئيس

يلعب الورق

ويضع نظارة سوداء)

 

وهنا يتوضح المعنى الظاهري المتحصل من عبارة رقصة الوهم .. لنجد ان الشاعرة تهاجم الوضع العربي في شقه السياسي بدلالة ذكر (الرئيس)، وعزلة الطبقة السياسية عن طبقة الشعب، وخاصة في الاقطار العربية، ولاسيما ابتعادها عن الديمقراطية (فالديمقراطية مسؤول يراقب وقيادي يحاسب وصحافة تنتقد، والدكتاتورية مسؤول يهتف وقيادي يصفق وصحافة ترقص . والدكتاتورية هي زفة لاتنتهي وطبول لاتسكت ومزامير لاتتوقف، والديمقراطية هي بحث دروس وعلم وخبرة وحوار ونقاشات . والدكتاتورية مجرد أقواس نصر تقام وأعلام تخفق وثريات تتدلي . والديمقراطية هي أسئلة واستجواب ولجان تحقيق في كل صغيرة وكبيرة ومبارزة أفكار تعرض علي العامة، وهي أيضا أيدي تعمل وتنشئ وتكتب وتخطط، بينما في الدكتاتورية الأيدي مشغولة بالتصفيق والعقول غائبة بالترهيب والضمائر هامدة بالترغيب، وفي الديمقراطية مقاعد لآلاف القادة والمفكرين، وفي الدكتاتورية مقعد واحد للقائد الأوحد والمفكر الأوحد يبرز اسمه وتختفي كل الأسماء، تظهر صورته وتختفي كل الصور وهو الرقم وكل من حوله أصفار وهو اللسان وغيره الأبكم لا يتكلم وفي أحسن الأحوال ببغاء يردد ما يقوله لسان الدكتاتور. في النظام الديمقراطي المسؤول يفكر قبل أن يقرر والدكتاتور يفرض رأيه علي الشعب لايهمه رضى العامة أو سخطهم)، وهكذا فان قصيدة الشاعرة حنين عمر حملت الكثير من الهموم السياسية والاجتماعية، التي يحفل بها مجتمعنا، ولها تأثيراتها السلبية على مستقبل الاجيال العربية خاصة، تقول في موضع اخر :

 

(كان هنالك من  يرقص رقصة الوهم

على أرواح ابنائك

رقصنا رقصة الوهم

كلنا دون استثناء

فيا وطني كم أساؤوا اليك

بل كم أسأنا إليك

فأغفر لنا

رقصاتنا المقصودة وغير المقصودة)

 

واستمرت الشاعرة في كشف النقاب عن معانيها، ومدى رفضها للواقع المر، ورفضها للانظمة السياسية الدكتاتورية، التي ترقص على اجساد ابناء الوطن، متغطرسة في غيها وتعسفها، ولا تدري انها ترقص رقصة الوهم، سرعان ما تنهار انظمتها وتتهاوى وتسقط، وتذهب الى مزبلة التاريخ , كما حدث في ثورات الربيع العربي ... وبهذا نجد (ان القصيدة الجديدة تحررت على صعيد تشكيل خطابها المستقبلي من احتلال وسطوة اللاوعي المجرد القائم على الانفعال البدائي، واصبحت خاضعة في مرحلة مهمة من مراحل انجازها الى الوعي بشكله المعتمد على الحرية والمتفاعل جدليا مع اللاوعي)

نص (رقصة الوهم) سقط سهوا من ديوان "منذ زمن المساء" للشاعرة حنين عمر الذي صدر في 2013 عن دار السفير تونس ..

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم