صحيفة المثقف

حسن زايد: ماذا عن اغتيال الأسد؟!

المفترض  نظرياً أن الغرب، يُصدِّر لنا مجموعة القيم النموذج، باعتباره، بقيمه الفاعلة فيه، متقدماً في كل المجالات . ويطلق عليه العالم الأول، وقاطرة البشرية للولوج إلي المستقبل. والمفترض  نظرياً أيضاً  أن نتبع هذه القيم، إذا أردنا اللحاق بالركب، أو علي الأقل حرصنا علي عدم اتساع الهوة بيننا وبين هذا العالم أكثر مما نحن فيه أو عليه . هذه القيم سواء أكانت وضعية، أو سماوية، أو مزيجاً بينهما، هي سر الخلطة السحرية للتقدم والرقي . هكذا يزينون لنا . مع أن هذا الكلام غير صحيح علي إطلاقه . فالموارد غير البشرية التي توفرت للعالم الأول، قبل أن يصبح كذلك، جاءت من الإستخراب الذي جري نتيجة إحتلالهم لبلاد العالم الثالث، قبل أن تصبح كذلك، ونهب ثرواتها، علي نحو غير أخلاقي، وارتكبوا في سبيل ذلك كل الموبقات المهلكات . ولو أنهم أخلاقيون كما يزعمون، لقاموا بتعويض الدول التي أصيبت بداءاتهم، علي نحو عادل، أو قريباً منه . ولو أنهم أخلاقيون كما يزعمون، لأخذوا من المذهب الإشتراكي الجانب الإنساني منه، بدلاً من أن يسقطوه بالكلية، ويتركون الإنسان فريسة سائغة للرأسمالية المتوحشة، التي تطحن عظام فئات من الناس لمصلحة فئة بعينها منهم . أو لنظروا للإسلام نظرة إنصاف وتقدير، بدلاً من الحط من قيمه، والنيل منه، كلما عَنَّ لهم ذلك . كما أن القيم عند الغرب قيم نسبية، تختلف من مكان إلي مكان، ومن موقف إلي موقف، ومن زمان إلي زمان في المكان الواحد . إنها قيم نفعية لا أخلاقية، يحكمها مبدأ " المصالح تتصالح "، وأن الحقائق لديهم ليست مجردة، وأنه لا توجد صداقات دائمة، وإنما توجد فقط مصالح دائمة . إن قيم الغرب قيم من العجوة، أشبه بإلإله من العجوة، عند المشركين العرب قبل الإسلام، يعبدونه من دون الله، حتي يشعرون بالجوع، فإذا شعروا  بالجوع أكلوه، ثم يصنعون إله غيره . تجد ذلك في قيم الحرية، والعدالة، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، وغيرها . وقد سبق للغرب وأمريكا اختراق المواثيق والأعراف الدولية في ضربهما لشعب العراق، وإسقاط نظامه، وتسليم رئيسه لخصومه السياسيين لشنقه فجر يوم عيد المسلمين الأكبر، عيد الأضحية . وقد سبق ذلك حصار الشعب وتجويعه لعقد من الزمان . وذلك استناداً لمزاعم واهية لم يقم عليها دليل، ولم يقدموا عليها بينة . واليوم يذهبون مذهباً آخر، لضرب قيمة من القيم الأخلاقية الإنسانية الراسخة . وهي قيمة حرية الإختلاف في الرأي السياسي، دون أن يلحق بالمختلف، أو المختلف معه، من وراء ذلك أذي . وذلك يعلي من شأن القيم الإنسانية  الراقية بعيداً عن التسلط، والإستبداد، والإنفراد بالرأي . وقضية الإغتيال السياسي من القضايا المستهجنة أخلاقياً، في الديانات السماوية، وفي الأعراف الأرضية  الوضعية، وقد استقرت البشرية علي ذلك، وسنت من القوانين ما يغلظ عقوبة  هذا الفعل القمعي الإرهابي . وعندما نقر بمشروعية فعل الإغتيال السياسي، سنفتح باباً من الشرور لا ينغلق، يرتكس بالبشرية إلي عهود البدائية، وشريعة الغاب . وهذا ما جري التباحث حوله في الجنة الأرضية التي حلم بها بعضنا ولا يزال . فقد أشار الكاتب الأمريكي جون هادسون في مقال له بمجلة فورين بوليسي الشهيرة، أن صقور الكونجرس الأمريكي، وهم مجموعة من قدامي الحزب الجمهوري المتشددين، وأصحاب النفوذ السياسي الواسع، جربوا طرقا كثيرة لدفع البيت الأبيض  الحزب الديمقراطي الحاكم   إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة تجاه سوريا . كما أشار إلي أن أحد مستشاري السيناتور الجمهوري عن ولاية كولورادو دوج لامبورن، قد اقترح علي فيليب جوردن، الذي كان منسقاً لشئون الشرق الأوسط في البيت الأبيض سابقاً،  اغتيال الأسد . وقد جاء ذلك في جلسة سرية أقامها مجلس العلاقات الخارجية، وحضرها 75 موظفاً بالكونجرس، في الكابيتول هيل . وقد طرحت الفكرة في صيغة سؤال: " ماذا عن اغتيال الأسد؟ " . وقد جري رفض الإقتراح لسببين: أولهما  أنه غير قانوني . والثاني  أنه غير مجد . أما عدم القانونية فمردها إلي الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس الأمريكي جيرالد فورد سنة 1976 م، بعد تسرب معلومات عن محاولات السي آي أيه اغتيال الرئيس الكوبي السابق فيدل كاسترو . وهذا يعني أمران: الأول  أن ذلك كان يجري فيما قبل هذا التاريخ . الثاني  أنه يجري في سرية تامة، أو بفعل شيء مشابه له  فيما بعد هذا التاريخ . وهذا يمثل سقوطاً أخلاقياً لممثل الحضارة الغربية الأول، لأن الأصل في عدم ممارسة الإغتيالات السياسية هو البعد الأخلاقي لهذا الفعل، قبل أن يكون أمراً تنفيذاً، يجوز مخالفته . وأنا اعتقد أن هذا الإقتراح لو كان مجدياً لجري تنفيذه علي الفور، مثلما حدث مع أسامة بن لادن  زعيم تنظيم القاعدة، الذي جري اغتياله، بدلاً من القبض عليه، ومحاكمته . أما عدم الجدوي من وجهة النظر الأمريكية، فمردها أن هذا الإغتيال لن يفضي إلي سقوط النظام بالضرورة، فالأسد ليس هو النظام . فضلاً عن أن اغتياله قد يفضي إلي فوضي عارمة في دمشق وما حولها، الأمر الذي ينتج عنه مخاطر عديدة . هذا فضلاً عن الأسد ليس بمفرده، فلا ريب أن الروس والإيرانيين يوفرون له الحماية الكاملة هو وأسرته . هكذا تفكر العقلية الغربية ذات القيم التي يلهث بعضنا خلفها، ناعقين بضرورة اللحاق بها، والعمل بمقتضاها . بعضنا يتوهم أن طريقهم هو الطريق، وأمير الشعراء أحمد شوقي يري خلاف ذلك حين يقول: " إنما الأمم الأخلاق ما بقيت::: فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا " .

 

حسن زايد

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم