صحيفة المثقف

وديع شامخ: واذا الخمرةُ سألت بأي ذنبٍ ُمنعت؟.. نواب شعب أم فقهاء دين؟

wadea shamekh2اختلفت وجهات النظر حول موضوع الخمرة وتحريمها وتجريم شاربها وحاملها وبائعها في الفقة الاسلامي وكذلك في بعض الديانات الأخرى، ففريق يحرم شربها على معتنقي دينهم من المقلدين لهم، ومنهم من اجاز شرب النبيذ، ومن الديانات الاخرى من اجاز الشرب وحرّم السكر لأتباعهم أيضا ً، وهكذا تتراوح الأحكام الشرعية وفقا لاجتهادات المجتهدين وأئمة المذاهب، وكل يبرر استنباطه للحكم بجملة من الآيات الواردة في كتبهم المقدسة .

ولكننا لم نر وجوب سريان هذه الاحكام على الآخرين ممن لم يدينوا بدينهم او مذاهبهم او يقلدونهم او يتبعوا ملتهم، فالاجتهاد مخصوص لفئة معينة من المريدين والتابعين ....

لذا فإننا نرى التاريخ الاسلامي منذ عصر النبوة ومرورا بالخلفاء الراشدين والعهدين الأموي والعباسي وما بعدها حتى الامبراطورية العثمانية، نرى أن الخمرة موجودة يتداولها الناس سرا وعلنا، وعلى أعلى المستويات والمقامات في الخلافة وسواها،

ولنأخذ المثال التالي الذي اورده الصديق الشاعر هادي الحسيني في صفحته كشاهد على احكام الخمرة وشاربها في عهد الخليفة الأول " في زمن الخليفة ابو بكر الصديق جاؤوا برجل سكران جدا ! فقال الخليفة كيف لنا ان نعاقب هذا الرجل ولا يوجد نص في القرآن لعقوبة شارب الخمر ! الخليفة أستشار الامام علي بن ابي طالب، فقال الامام : بما ان الخمرة ليست لها عقوبة في القرآن فعليكم ان تعفوا عن الرجل . ثم قال الخليفة للامام وان اردنا عقوبته فبماذا نعاقبه ؟ قال الامام : ان شارب الخمر عندما يسكر يقوم يهذي الامر الذي يتسبب بازعاج الجيران ! والهذيان عقوبته في القرآن هي 40 جلدة ! فعقوبة السكران هي نفس عقوبة الذي يهذي ! ". ورغم هذا الاجتهاد يمس الحرية الشخصية للانسان ولكنه يتضمن اعترافا صريحا بعدم منع الخمر وتداوله وشربه في أهم معاقل الدولة الاسلامية واكثرها قربا لعصر النبوة المحمدية . كما ان حكاية الخليفة الثاني وهو يقتحم بيت مواطن يشرب في بيته ومع امرأة والحوارية الرائعة بين الخليفة وشارب الخمرة والتي انتهت باقرار الشرب وعدم التجسس على شاربها طالما هو لم يهتك الحريات العامة . وهناك العديد من الكتب التي درست بشكل كامل او جزئي حياة الخلفاء والامراء مع الخمرة تحديدا.

......

 الذي حدث في العراق قبل ايام ومن تحت قبة برلمان الشعب والأمة العراقية المتنوعة الثقافات بمللها ونحلها واديانها وطوائفها وقومياتها وميولها واساليب حياتها، حدث غريب جدا، وهو اصدار قرار بمنع تداول وبيع وانتاج واستيراد المشروبات الروحية، وانزل عقوبة مالية ثقيلة على شاربيها، حقا انه قرار عجيب ويفوق في سرياليته ورعونته ما اقره النواب سابقا حول حقوقهم الشخصية .

........

مجلس النواب اداة تشريعية ورقابية مدنية تمثل الشعب العراقي ولا تمثل دينا محددا او مذهبا مخصوصا في دولة لا دينية يحكمها دستور مدني، فقد جاء في الدستور العراق مايلي " الباب الاول

المبادئ الاساسية

المادة (1):

 جمهورية العراق دولةٌ اتحادية واحدة مستقلةٌ ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوريٌ نيابيٌ (برلماني) ديمقراطيٌ وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق.

المادة (2):

 اولاً :ـ الاسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدرٌ اساس للتشريع:

أ ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام.

 ب ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع مبادئ الديمقراطية.

ج ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع الحقوق والحريات الاساسية الواردة في هذا الدستور.

ثانياً :ـ يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الاسلامية لغالبية الشعب العراقي، كما ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الافراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية، كالمسيحيين، والايزديين، والصابئة المندائيين"

فالعراق ليس دولة دينية اسلامية تحديدا، وعدم جواز القوانين التي تتعارض مع ثوابت الاحكام الاسلامية، و لا تسري على الخمرة اطلاقا / فهي ليس مادة عقائدية او فكر تكفيري وهابي لا سامح الله . ثم ان وجود الفقرتين " ب، ج" والمادة ثانيا، يؤكد علو شأن الانسان وحريته الشخصية أمام فقرة الثوابت الاسلامية، والخمرة ليست تحدٍ لثوابت عقائدية اطلاقا، وكما رأينا في مثال حكم ابي بكر واجتهاد علي بن ابي طالب وهما من ابرز الوجوه في حياة المسلمين وقدوة لهم على المذهبين السني والشيعي .

ترى بماذا يبرر نوابنا الفقهاء هذا الحكم التعسفي، وكأننا نتطلع الى مراحل تمهيدية لاعلان دولة الخلافة الاسلامية بعد أفول دولة داعش في العراق .؟؟؟؟؟؟

........

 القرار صدر بموجهات ومصالح محلية واقليمية، وله غايات سياسية وتجارية لا علاقة لها بدين ومذهب اطلاقاً، كما ورد في المؤتمر الصحفي للنائبين فايق الشيخ علي والمسيحي صليبا، ولقد كان الشيخ علي دقيقا في تعرية حيثيات القرار المتعلق بزراعة الخشخاش وانتاج الحشيش في جنوب العراق خصوصا، والقرار ليس معنيا في شأن الخمرة بفوائدها ومضارها، وانا لست معنيا بالترويج للخمرة ولكني معني بحقوق الانسان العراقي، الذي سيحوله هذا القرار الى متاهات قادمة، اذ استمر ونفذ القرار، فهذه الخروقات النوعية الثقيلة تمهد لجعل الشعب مسلوب الارادة لتمرير ما هو اخطر واعم، وهو ما تشي به الوقائع الحالية، ثم هل يحق لفقهاء الامة النواب ان يمرروا مثل هذا الالتباس المجتمعي ونحن نخوض حربا شرسة ضد الدواعش والظلاميين في الموصل وغيرها، اليس هذا القرار ان صدر وطبق وامتلك الحكم القطعي سيسبب ما سببه الطاغية صدام في منع الاماكن الاجتماعية والترفيهية من تقديم المشروبات وفشل فشلا ذريعا وشاعت الرشى وطرائق الاحتيال على القانون، وشاعت السرقة والجريمة معا .

ولا اريد ان اضيف حرفا على ما اشاعه النواب ومجلسهم من فساد وفحش وثراء غير معقول، وكأن العراق كعكعة قائمة لهم ولاحفادهم الى يوم الدين

حذار حذار من تطاول النواب على عقيدة الحرية الشخصية فهي الجامع الاوحد لضمان مجتمع عراقي يعيش كما وصفه الدستور في " جمهورية العراق دولةٌ اتحادية واحدة مستقلةٌ ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوريٌ نيابيٌ (برلماني) ديمقراطيٌ وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق.

............

واخيرا جاء في الخبر " جواب المرجعية :مكتب السيستاني" ادعى نواب انهم استحصلوا موافقة المرجعية الكريمة لتشريع قانون حظر الخمور (صناعة واستيرادا وبيعا وتداولا) ومن اجل عدم خلط الأوراق ونظرًا لحساسية هذا النوع من التشريعات، وكونه يخالف الدستور في ما يتعلق بالحريات الشخصية، كذلك هو يستهدف بعض الطقوس الدينية للمسيحيين التي تشترط تقديم النبيذ مع كسر الخبز اليابس في الأعياد، وغير ذلك، ترجوا من جنابكم تاكيد او نفي موافقة المرجعية مسبقا بهذا الموضوع، علما نحن نتفهم الموقف الشرعي والفقهي من موضوع الخمور، ولاشك ان المرجعية احرص الأمة على الالتزام بتعاليم الدين بالموعظة الحسنة والإرشاد للخير وليس من خلال استغلال الدولة وفرض الدين بقوة القانون..

تقبلوا خالص الاحترام والتقدير"

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم