صحيفة المثقف

كمال الهردي: المبدع بحاجة إلى قدوة فاشلة

kamal alhardiعلى دروب الحياة يجد الواحد منا شوك مستزرع، ومطبات اصطناعية، وحفر مستحدثة، كما أننا ربما نصادف حيات ناهشة أو عقارب ﻻسعة أو كلاب نابحة. كل ذلك - بالضرورة - يفضي إلى توترات ثم زلات، وعثرات، وسقطات والتي بدورها تقود إلى  ألم ما، قد يتجلى في خيبة أمل، أو نوبة ألم، أو دمعة حزن، أو هدر في كرامة، أو انكسار كبرياء. عندها يذوق المرء الطعم المر للانكسارات التي ﻻبد أن يعاقرها كل من يمشي على الطريق، شاء أم أبى، رضي أم سخط. تلك أقدار وكل إنسان من كأسها شارب. 

الأمر يشبه تماما" التسوق في سوبرماركت ؛ تدخل وتشتري أغراضك ثم تتجه صوب نقطة دفع الفواتير لتدفع ثمن كل غرض اقتنيته ! وهكذا هي الحياة، مجموعة من الخيارات (سقيمة أو سليمة) تدفع ثمنها وتتذوق حلاوتها. ولأننا بصدد الحديث عن دفع الثمن، سنعرج فقط على لحظات الانكسار ﻻ الانتصار.

مررت - كأي إنسان - بمحطات بائسة في الحياة، وتعلمت  في تلك المحطات أننا ﻻبد أن نذرف الدمع، وأن تسال على جباهنا قطرات العرق، وأن نجرح فننزف، وأن ندفع فنسقط. ولكني ﻻحظت أمرا" جدير بالذكر، وحري بي أن اتشاطره مع كل من يعاني ويتألم جراء فشل في تجربة ما، لأن ذلك الأمر قد يكون مصدرا" جوهريا" في تخفيف ما نلقى من معاناة على الطريق. هذا الأمر هو (القدوة الفاشلة) !

ما الذي يحدث لنا في لحظات الفشل والإخفاق حين نسمع أن اديسون حاول عشرات المرات وأخفق قبل أن ينجح ؟ ﻻ شك أننا نشعر بطاقة إيجابية  - تتولد من فشل تلك القدوة - تواسينا وتدفعنا نحو المحاولة مجددا"، وعدم الاستكانة والرضوخ لتلك المشاعر السلبية التي يفرزها الإخفاق كصديد ذي رائحة نتنة. ما الذي يحدث حين نعلم أن أكمل شخصيات التاريخ الإنساني كان لها نصيب من لحظات السقوط ؟ لا ريب أن شعورا" مريحا"ينتابنا فيهون علينا ما نجده من وطأة ألم السقوط.

يقول الراوي : قضيت ثمانية أشهر أكتب فصول روايتي الأولى، وبذلت فيها جهدا" أجبرني على وصل الليل بالنهار في تحبيرها وتسطيرها. وعند الفراغ من كتابتها شاركت بها في مسابقة كبرى للرواية، وكان منسوب الأمل  لدي - بالفوز - في أعلى مستوياته إلا أن الحظ لم يكن مواتيا"، وخسرت السبق. تألمت كثيرا"، وشعرت بمرارة وغصة كادت تبكيني. بيد أن غصتي تلك بدأت تتبدد وتتلاشى وتنزاح غمة التجربة حين استرجعت بخلدي تلك التجارب الفاشلة لعدد ممن تركوا نقاطا" مضيئة في تاريخ الإنسانية. وبعدها بأيام  تماثلت للشفاء، وبدأت أبحث عن ذاتي في رواية أخرى أجمل وأكمل!

إذن، الفشل لازمة إنسانية بملامح إيجابية لا تقتصر فقط على من يهتم بالنجاح، بل تتعدى ذلك لتصل بالفائدة والنفع إلى اللاحقين من المبدعين ممن ينالهم الفشل بنابه ومخلبه. ﻻ تجزع من الإخفاق، فقد أخفق قبلك من هو أعلى منك كعبا" وأطول قامة وأرفع هامة. ﻻ يستبد بك الألم حين تفشل، فقد فشل أولئك الذين كتبوا سطورا" على صفحات التاريخ.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم