صحيفة المثقف

علجية عيش: الجيش عامل مهمّ في فتح المجال لتحقيق الديمقراطية داخل الدّولة

eljya ayshفيليب أوكسهورن يعرض تجربة أمريكا اللاتينية في الانتقال الديمقراطي

يرى الدكتور فيليب أوكسهورن، أستاذ محاضر ورئيس قسم العلوم السياسية في جامعة ماغيل بمونريال، كندا، أنه توجد العديد من نقاط التشابه في ما يخصّ مظاهر الانتقال الديمقراطي في بلدان أمريكا اللاتينية،  كما يرى الدكتور أوكسهورن أنه لا يوجد تعريف موحّد لمفهوم المجتمع المدني واعتبره مجموعة من المنظمات والجمعيات التي شكلها المجتمع بنفسه

يعرض الدكتور فيليب  أوكسهورن  تجربة أمريكا اللاتينية في الانتقال الديمقراطي ، و كيف قفزت على كل الأزمات، بوجود مجتمع مدني حقيقي فعال، لا تتحكم فيه الأحزاب السياسية، حيث يعتقد الدكتور فيليب  أوكسهورن أن المجتمع المدني آلية ضرورية لتسوية النزاعات داخل الدولة بطريقة سلمية من خلال مشاركة سياسة غير عنيفة، فمن الصّعب أن تكون ديمقراطية من دون وجود مجتمع مدني، فيتأثر تنظيم الهيكل الاجتماعي، وتتعطل المشاركة السياسية في الشؤون العامّة للبلاد،وبالتالي، ولضمان فعالية مشاركة المجتمع المدني، يدعو الأستاذ أوكسهورن إلى أن يكون هناك الحدّ الأدنى من التوافق داخل المجتمع، من أجل مجتمع مدني قوّي متفق فيما بينه على أن الجمعيات والمنظمات هي جزء من مجتمع أكبر، تسعى إلى تحقيق الصالح العامّ، في إطار منظومة احترام متبادل بين مختلف الأطراف المكوّنة للمجتمع المدني،  وخلافا لنظرية رأس المال الاجتماعي في الولايات المتحدة الأمريكية، يرى فيليب  أوكسهورن أن عامل الثقة شرط أساسي في حياة المجتمع المدني ،  حتى يكون أكثر أهمّية،  فغياب الثقة يدفع عناصر المجتمع المدني إلى العمل على ما يتماشى مع تحولات البلاد وبالتالي تبرز الثقة نتيجة لنجاح المجتمع المدني،  أما عن دور الدّين في علاقته مع المجتمع المدني، يرى فيليب  أوكسهورن أن الدّين والمجتمع المدني يلتقيان ويتفقان على الوصول إلى نفس النتائج، ففي أمريكا اللاتينية مثلا معظم الأحزاب السياسية الكاثوليكية والمسيحية تعمل بانسجام مع مختلف الجمعيات والمنظمات المدنية.

يقول في ورقة قدمها في لقاء تاريخي نظم بتونس، تحت إشراف الدكتور رضوان المصمودي رئيس مركز دراسات الإسلام و الديمقراطية  بتونس (وصلتنا عبر البريد الإلكتروني) أن هناك بعض الجماعات الدينية الذين يسوقون لأنفسهم صورة مشاركتهم النشيطة في إطار المجتمع المدني، مثل " كوكلوكس كلان"  رغم أنها  جماعة  دينية متطرفة معادية للمجتمع المدني، فعلى كلّ جماعة دينية تقبّل حقيقة أنها جزء من نسيج واسع وإظهار استعدادها للتعايش مع الجماعات الدينية الأخرى، كما يرى أن  الأديان لا تحدّد بالجماعات المتطرفة داخلها، نشير هنا أن  تنظيم كو كلوكس كلان Ku Klux Klan  هو تنظيما مسيحيّ إرهابي ، تأسست هذه المنظمة أو الجماعة في نهايات القرن التاسع عشر، ونشطت وانتشرت في أنحاء أميركا مع عشرينيات القرن العشرين. محاربة تحرير السود ونيل حقوقهم المدنية إضافة إلى القضاء على وجود الأقليات في أميركا حينها مثل اليهود والكاثوليك كان أهم المرتكزات التي أسست عليها هذه المنظمة، و كانت الـ "كو كلوكس كلان" تتخذُ مِنَ الصليبِ المشتعلِ شعارًا لها! ويغطي أعضاؤها وجوههم، فلا تبدو إلا عيونهم! كانت عملياتهم تتسم بالوحشية بالأخصِّ على السود، حيث كانوا يقضون عليهم، إما عن طريق الشنق أو الحرق أو الرجم حتى الموت؟! إضافة إلى عمليات تفجير و تفخيخ الكنائس ودور العبادة الخاصة بالسود؟! و بلغ تعداد ضحاياهم حسب ألأرقام المعلن عنها، ما يزيد 3450 قتيلاً خلال فترة نشاطهم وانتشارهم،  فقد كان شعارها: " أنت لست معي، إذن فأنت ضدي.. لا تستحق إلا الموت.."،  هذا هو المحتوى الضِّمني الذي كان يتملك المنتسبين لهذه الجماعة، والذي كان سبباً في أن يتعدى شرهم حتى إلى البِيض، فقط لمجرد تعاطُفِهِم مع استضعاف السود، و لم تفلح وسائل الحكومات الأميركية المتعاقبة في استئصال هذا الوباء من الجسد الأميركي

أما فيما يتعلق بدور الجيش، يعتقد الدكتور أوكسهورن أنّ الجيش هو عامل مهمّ، إذ يمكّن من فتح المجال لتحقيق الديمقراطية داخل الدّولة، فإذا اختار الجيش قمع المواطنين والمجتمع المدني، فهذا يعني أنه عمّق الأزمة ومنع الانتقال الديمقراطي وزاد من نسبة التصادم بين المجتمع المدني و أجهزة الدولة، مما يؤدي إلى ثورات غير ديمقراطية ،أما إذا اختار الجيش العمل لفائدة المجتمع المدني فهدا يعني السير في طريق الانتقال الديمقراطي كما هو الحال في جنوب إفريقيا ودول أمريكا اللاتينية، و يعتبر الأستاذ أوكسهورن أن الديمقراطية الناجحة يجب أن تأتي من المجتمع المدني عن طريق المنظمات والجمعيات، مشيرا إلى أنّ التجربة يمكن لها أن تستغرق وقتا طويلا حيث يتفاوت الفترة الزمنية من تجربة إلى أخرى، و يقدم  فيليب  أوكسهورن   مثالا عن التحوّل الديمقراطي في الأرجنتين، كان هذا التحول  أسرع مما كان عليه في بلدان أمريكا اللاتينية الأخرى،  و ذكر منها الشيلي حيث استغرق التحول الديمقراطي في ما يقارب سبع سنوات قبل الوصول إلى تنظيم انتخابات ديمقراطية، و قد لعبت الكنيسة الكاثوليكية المعاصرة كما قال دورا مهما للغاية في الدفع نحو التغيير الديمقراطي، فقد ساهمت في تسهيل نمو المجتمع المدني رغم معارضتها لبروز الجمعيات النسوية، و أدركت الكنيسة ضرورة وجود توافق مجتمعي كحدّ أدنى واقتنعت بحقيقة مفادها أنّ الحلّ الأمثل للتغيير في أمريكا اللاتينية هو تحقيق الديمقراطية.

تبقى قضية الدين والديمقراطية موضع تساءل إن كانت مسألة مطروحة في أمريكا اللاتينية، في سؤال طرحه رئيس الوزراء التونسي السابق علي العريض يقول  فيليب  أوكسهورن أنّ زوال اليسار المتطرف في أمريكا اللاتينية وتعزيز التوفيق بين الأديان والمجتمعات على أساس من الاحترام هو الذي حدّ من التداخل والتشابك للمفاهيم، معرجا في ذلك إلى  التجربة التونسية، حيث اعتبر حصول الرباعي الراعي للحوار الوطني على جائزة نوبل للسلام لسنة 2015 هو دليل على حضور التوازن في المجتمع المدني التونسي الذي تمكن من تسوية النزعات من خلال الوساطة وتقييد التطرف، وهو مختلف تماما عما حدث في مصر، فغياب التوازن في المجتمع المدني المصري هو الذي دفع إلى تسييس الثورة في مصر، كما أن ظهور الأحزاب السياسية ومختلف الحركات الاجتماعية، لم يقابله قوى المجتمع المدني الذي لم يكن موحدّا على مستوى التنظيم. ممّا أدى إلى انقلاب وعرقلة الانتقال الديمقراطي في مصر.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم