صحيفة المثقف

شمس الدين العوني: غرداية الجزائرية تختتم مهرجانها الثقافي الكبير: غرداية رسالة حب وأخوة وسلام

الشعر هذا الوجدان المبثوث في الكلمات والمعاني .. المسافر في الزمان والأمكنة يمنح الكائن شيئا من سعة الترحال حيث اللغة فانوس في ليل الانسان لا سيما في هذه الأزمنة المربكة والموحشة والموغلة في الفجيعة التي ظن الناس أنها الى زوال زمن العلم والتخييل والتكنولوجيا والمعارف والفنون..

اذن كان الشعر ومن خلاله ثقافات الناس بشتى الأحوال من جغرافيا ولون ودين وتاريخ مجالا شاسعا وسيظل ازاء من يريد تحويل العالم الى متحف مهجور والكائن الى روبوت بلا حواس ..و من هنا كانت عبر التاريخ تلك الالماعات التي أطلقها الشعراء والفلاسفة والمفكرون والفنانون لأجل أن تبقى الخصوصيات والهويات فعل وجود وحياة وخصوصا الآن مع هذه العولمة المتوحشة التي ترنو الى نمط واحد لدى الانسان قصد تحويله الى رقم وسوق..في هذا السياق وضمن احتفاليات الجزائر بثورتها المجيدة كانت الرحلة الممتعة والناجعة بما منحته لنا من تعرف على ثقافة وتراث وابداع لحيز من جغرافيا الجزائر ..جزائر مفدي زكرياء صاحب النشيد الوطني الباذخ والكلمات العالية "... وعقدنا العزم أن تحي الجزائر "..هذا الشاعر الكبير الذي توفي في تونس سنة 1977 ونقل جثمانه الى الجزائر بعد مسيرة من الدراسة الزيتونية والنضال والشعر ..هو ابن غرداية الجزائرية بالجنوب .

نعم كان السفر الى غرداية المدينة المخصوصة بمعمارها وحياة ناسها ضمن المجتمع والدولة ..هي مدينة الألف عام ..المعمار الجميل والثقافة القديمة المتجددة..و طيبة الناس ومبادراتهم الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وما الى ذلك..

كانت جمعية امكراس للتراث والفولكلور منظمة مهرجان " غرداية ... رسالة حب وأخوة وسلام " في الفترة من  28 أكتوبر الى 02نوفمبر الجاري وباشراف وزيرة التضامن والمديرة العامة للطفولة والشباب ووالي غرداية وعدد من المسؤولين والمبدعين والمثقفين وأعيان المدينة وبرئيسها الأستاذ أحمد تازيري ضمن الحرص الكبير على أن تكون الدورة الأولى هذه شاملة للفنون معبرة عن التعاون التونسي العربي من خلال تنوع الفعاليات والبرامج وحضور تونس الثقافي والوجداني..حيث حضرت الجزائر كضيف شرف من خلال السيد أحمد تازيري كرئيس  وفد عن " امكراس للتراث والفولكلور " الفعاليات الثقافية التي نظمتها جمعية " أحبك يا وطني " برئاسة الفنانة والشاعرة زكية الجريدي  ومن هنا بدأ التفاعل والتعاون وصولا الى التبادل الثقافي وقد كان للضيوف برنامج فيه زيارات للمدينة القديمة بغرداية والى عدد من الجمعيات والمؤسسات المدنية والثقافية ومنها الاقامة العلمية فرب منتزه الزواحف حيث يتم تشييد (في المراحل الأخيرة وبحسب الدعم والتطوع) دار في مرتفع تخصص للعلم والندوات وفيها مسجد بمواصفات معمارية خاصة وبطريقة محافظة على البيئة وفيها بئر ومكان للندوات والحوار والتواصل الثقافي وهي بمثابة التحفة المعمارية وذلك الى جانب زيارة دار القلم والمعرفة وحديقة  ومنتزه الزواحف وفي الساعة الصفر لاندلاع الثورة الجزائرية كان هناك حفل بساحة مدينة غرداية بمشاركة الجمعيات والجيش وعدد من المجاهدين الذين شاركوا وعاشوا سنوات الثورة والكفاح وفي تناسق بين التشكيلات الشبابية وغيرها ومنها الكشافة الاسلامية بغرداية تم رفع العلم الجزائري كما حضرت الأعلام التونسية في مختلف الأنشطة ..و في لقاء مع شيخ منطقة العطف محمد بن ابراهيم بن سعيد الكعباش ببيته كان هناك حديث عن التاريخ والثقافة والعلاقات التونسية الجزائرية حيث تحدث الشيخ كعباش عن سنوات الخمسينات ودراسته بالزيتونة وتتلمذه على العلامة التونسي الراحل الشيخ محمد الزغواني الى جانب المعاناة زمن الاستعمار وذكر صلته بالشاعر مفدي زكرياء في حيز من الطرافة مشيرا الى القصائد التي لم ينشرها الشاعر كما تطرق الى معرفته بالشاعر التونسي الراحل وصديق الثورة الجزائرية منور صمادح وأهدى في نهاية اللقاء عددا من كتبه للضيوف  قبل أن يقرأ قصيدة من شعره الذي كانت فيه الموعظة والعبر والحماسة علما وأن الشيخ كعباش هذا الرجل الوقور والمثقف وصاحب الفكر المعتدل والمتسامح والأب الروحي لغرداية وشبابها يجل الأدباء والمثقفين وهو محل تقدير الجميع كما أنه تتلمذ على يد الشيخ الراحل الفاضل بن عاشور قد أبلغ الوفد التونسي تحياته للخضراء التي يكن لها حبا هو من قبيل الدين ولكننا  نقول له بحب وتقدير كبيرين لا دين بيننا والبلد بلدك وأنت المعلم  وتونس أخت الجزائر ويحمي الله البلدين ..في الفعاليات أبدعت المجموعة الفنية لسيدي بالعباس ومجموعة " القرابيلا " بغرداية وكانت للوفد التونسي لقاءات  اعلامية منها حديث للتلفزيون الجزائري عن المشترك الثقافي والابداعي بين الجزائر وتونس...و غرداية المدينة العالمية الساحرة بخصوصية معمارها...و الأهل الطيبين..و في الندوة الشعرية والثقافية للمهرجان كانت مداخلتي حول  تجربتين في الشعر والفن التشكيلي والعلاقة بالتراث ..تجربة الشاعر نور الدين بالطيب في ديوانه الأخير(صلوات للذكرى..و للرمل) وتجربة الفنان التشكيلي عزالدين البراري.. واهتم الشاعر  سمير العبدلي بالثقافة والتراث و قدم مداخلة عن التراث والثقافة في تونس  وشفع ذلك بأمسية شعرية شارك فيها الشعراء سارة اللافي وزكية الجريدي والعبدلي والعوني وتم التكريم.. وحضر الفعاليات والي غرداية ووزيرة التضامن ومديرة عامة لوزارة الشباب والطفولة...طبعا الشكر لأهالي غرداية ولجمعية امكراس وللجميع..عاشت الجزائر وتونس ..الثقافة وكان هناك تفاعل كبير من قبل الجمهور والصحافة والتلفزيون...فالشكر لجمعيتي (أحبك يا وطني) و(امكراس) ... وللجزائر الكبيرة بمفدي زكرياء وسحرها وثورتها الحقيقية وشهدائها رحمهم الله... وكانت ...نعم .. ان القصيدة.... سفرمفتوج....و... المجد للمعاني الصافية..هكذا اذن ... قضينا أياما ثقافية جميلة وممتعة خلال أسبوع في غرداية الجزائرية (من 28 أكتوبر الى 02 نوفمبر)......فقرات ثقافية ..و الى جانب القراءات الشعرية ضمن أماسي الشعر  وذلك ضمن التعاطي مع الابداع الفني وصلته بالتراث..كما كانت هناك فعاليات متعددة وشاركنا في احتفاليات الذكرى 62 لاندلاع الثورة الجزائرية فضلا عن الحضور الفني التونسي للفنانة ورئيسة جمعية " أحبك يا وطني " التونسية السيدة زكية الجريدي... التي قرأت قصائد من شعرها وتحدثت عن الفنون والتراث ..نعم الثقافة كانت العنوان الكبير بين البلدين..كما شارك قراقوز غرداوية بزي مزابي في مهرجان التبادل الثقافي بالعطف من خلال  الأستاذين بن شميسة وعمي ميسوم من وهران في قافلة سيدي بلعباس .

مايسترو جمعية امكراس السيد زنقو Zingou استطاع أن ينال حب الجماهير وحب الشخصيات التي حضرت مهرجان التبادل الثقافي الشبابي مثل  والي ولاية غرداية عز الدين مشري ووزيرة التضامن والأسرة مونية مسلم وكذا المديرة العامة لوزارة الشباب والرياضة بن مغسولة التي شرفت الحضور باختتام المهرجان كما كان لتعاون وتناسق وتضحيات  شباب العطف ضمن جمعية امكراس الدور الأهم في نجاح المهرجان وقد تابع بالتغطية للمهرجان عدد كبير من القنوات التلفزية والاذاعية والصحف من ذلك تغطية  قناة الخبر KBC للتظاهرة بالتنسيق مع المركز الثقافي العطف ومختلف الجمعيات الفاعلة تحت شعار "غرداية .... رسالة حب اخوة وسلام"..

و تقع بلدية غرداية شمال صحراء الجزائر، ومقر الولاية مدينة غرداية تبعد ب 600 كلم جنوب الجزائر العاصمة ، مساحتها الإجمالية تقدر ب 86105 كلم2، ويعبرها الطريق الوطني رقم 1 الرابط العاصمة الجزائرية بالجنوب الكبير الساحر..و بحسب ويكيبيديا أيضا يمتد تعمير هده المنطقة إلى آلاف السنين والدليل على دلك تلك النقوش البربرية على الصخور والتي تعود إلى 3 آلاف سنة قبل الميلاد وقد شهدت المنطقة قيام الكثير من القرى والقصور السكنية للقبائل الأمازيغية المعروفون باسم آت مزاب.

كما تطور النمو الديمغرافي للمنطقة بعد سقوط الدولة الرستمية وتخريب مدينة سدراتة حيث اعتنق سكانها المذهب الإباضي المعتدل الذي أضاف للمنطقة انعاشا علميا وشهدت المنطقة نزوحا بفعل الأمراض للبدو الرحل من القبائل العربية على المذهب المالكي وهم المذابيح وبني مرزوق والشعامبة الذين قدموا من القطاع الوهراني ومن مختلف أنحاء الصحراء الجزائرية وعاشوا حياة بدوية ثم استقر معظمهم في قصر متليلي وفي القرن السابع عشر الميلادي كثر عددهم فرحل قسم منهم لتأسيس مدينة المنيعة فسموا بشعانبة أي أما هؤلاء الذين بقوا في متليلي فقد سموا بشعانبة برزقة.

و بالنسبة الى مفدي زكريا (1908-)1977  فهو شاعر الثورة الجزائرية ومؤلف النشيد الوطني الجزائري «قسما» الذي تضمن أبدع تصوير لملحمة الشعب الجزائري الخالدة. هو الشيخ زكرياء بن سليمان بن يحيى بن الشيخ سليمان بن الحاج عيسى، وقد ولد يوم الجمعة 12 جمادى الأولى 1326 هـ، الموافق لـ 12جوان 1908م، ببني يزقن، أحد القصور السبع لوادي مزاب، بغرداية، في جنوب الجزائر

لقبه زميل البعثة الميزابية والدراسة الفرقد سليمان بوجناح بـ: "مفدي"، فأصبح لقبه الأدبي مفدي زكريا الذي اشتهر به كما كان يوَقَّع أشعاره "ابن تومرت"، حيث بدا حياته التعلمية في الكتاب بمسقط رأسه فحصل على شيء من علوم الدين واللغة ثم رحل إلى تونس وأكمل دراسته بالمدرسة الخلدونية ثم الزيتونية وعاد بعد ذالك إلى الوطن وكانت له مشاركة فعالة في الحركة الأدبية والسياسية ولما قامت الثورة إنضم إليها بفكره وقلمه فكان شاعر الثورة الذي يردد أنشيدها وعضوا في جبهة التحرير مما جعل فرنسا تزج به في السجن مرات متوالية ثم فر منه سنة 1959 فأرسلته الجبهة خارج الحدود فجال في العالم العربي وعرف بالثورة وافته المنية بتونس سنة 1977 ونقل جثمانه إلى مسقط رأسه فكان هو شاعر الثورة ..في بلدته تلقّى دروسه الأولى في القرآن ومبادئ اللغة العربيّة. بدأ تعليمه الأول بمدينة عنابة حيث كان والده يمارس التجارة بالمدينة ثم انتقل إلى تونس لمواصلة تعليمه باللغتين العربية والفرنسية وتعلّم بالمدرسة الخلدونية، ومدرسة العطارين درس في جامعة الزيتونة في تونس ونال شهادتها

انضم إلى صفوف العمل السياسي والوطني منذ أوائل الثلاثينات. كان مناضلاً نشيطاً في صفوف جمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين. كان عضواًأساسياّ في حزب نجمة إفريقيا الشمالية. كان عضواً في حزب الشعب. كان عضواً في جمعية الانتصار للحريات الديمقراطية. انضم إلى صفوف جبهة التحرير الوطني الجزائري. سجنته فرنسا همة فعالة في النشاط الأدبي والسياسي في كامل أوطان المغرب العربي. عمل أميناً عاماً لحزب الشعب. عمل رئيساً لتحرير صحيفة "الشعب" الداعية لاستقلال الجزائر في سنة 1937م. واكب شعره بحماسة الواقع الجزائري، بل الواقع في المغرب العربي في كل مراحل الكفاح منذ سنة 1925م حتى سنة 1977م داعياً إلى الوحدة بين أقطارها.وهو شاعر ملتزم ..أثناء تواجده بتونس واختلاطه بالأوساط الطلابية هناك تطورت علاقته بأبي اليقضان وبالشاعر رمضان حمود، وبعد عودته إلى الجزائر أصبح عضوا نشطا في جمعية طلبة مسلمي شمال إفريقيا المناهضة لسياسة الإدماج، إلى جانب ميوله إلى حركة الإصلاح التي تمثلها جمعية العلماء انخرط مفدي زكريا في حزب نجم شمال إفريقيا ثم حزب الشعب الجزائري وكتب نشيد الحزب الرسمي "فداء الجزائر" اعتقل من طرف السلطات الفرنسية في أوت 1937 رفقة مصالي الحاج وأطلق سراحه سنة 1939 ليؤسس رفقة باقي المناضلين جريدة الشعب لسان حال حزب الشعب، اعتقل عدة مرات في فيفري 1940 (6 أشهر) ثم في بعد 8 ماي/أيار 1945 (3 سنوات) وبعد خروجه من السجن انخرط في صفوف حركة الانتصار للحريات الديمقراطية، انضم إلى الثورة التحريرية في 1954 وعرف الاعتقال مجدّدا في نيسان/أفريل 1956. سجن بسجن بربروس "سركاجي حاليا" مدة 3 سنوات وبعد خروجه من السجن فرّ إلى المغرب ثم إلى تونس أين ساهم في تحرير جريدة المجاهد إلى غاية الاستقلال. اشتهر مفدي زكريا بكتابة النشيد الرسمي الوطني "قسما"، إلى جانب ديوان اللهب المقدس، وإلياذة الجزائر ..أوّل قصيدة له ذات شأن هي "إلى الريفيّين" نشرها في جريدة "لسان الشعب" بتاريخ 6 مايو 1925م، وجريدة "الصواب" التونسيّتين؛ ثمّ في الصحافة المصريّة "اللواء"، و"الأخبار". واكب الحركة الوطنيّة بشعره وبنضاله على مستوى المغرب العربيّ فانخرط في صفوف الشبيبة الدستوريّة، في فترة دراسته بتونس، فاعتقل لمدّة نصف شهر، كما شارك مشاركة فعّآلة في مؤتمرات طلبة شمال إفريقيا؛ وعلى مستوى الحركة الوطنيّة الجزائريّة مناضلا في حزب نجم شمال إفريقيا، فقائدا من أبرز قادة حزب الشعب الجزائريّ، فكان أن أودع السجن لمدّة سنتين 1937-1939. غداة اندلاع الثورة التحريريّة الكبرى انخرط في أولى خلايا جبهة التحرير الوطنيّ بالجزائر العاصمة، وألقي عليه وعلى زملائه المشكّلين لهذه الخليّة القبض، فأودعوا السجن بعد محاكمتهم، فبقي فيه لمدّة ثلاث سنوات من 19 أبريل 1956م إلى 1 فبراير 1959م

بعد خروجه من السجن فرّ إلى المغرب، ومنه انتقل إلى تونس، للعلاج على يد فرانز فانون، ممّا لحقه في السجن من آثار التعذيب. وبعد ذلك كان سفير القضيّة الجزائرية. في سنة 1965 كان ضد الانقلاب العسكري أو بما يسمى التصحيح الثوري الذي قام به هواري بومدين وزير الدفاع آنذاك ضد الرئيس أحمد بن بلة يوم 19 جوان 1965. أين أستولى هواري بومدين على السلطة في الجزائر، فطرد مفدي زكريا من الجزائر ..رحمه الله توفي يوم الأربعاء 2 رمضان 1397 هـ، الموافق ليوم 17 أغسطس 1977م، بتونس، ونقل جثمانه إلى الجزائر، ليدفن بمسقط رأسه ببني يزقن ولاية غرداية ..

 

غرداية / الجزائر/ شمس الدين العوني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم