صحيفة المثقف

محمد غاني: الحربائية خصوصية في ثقافة الانسان

mohamad ghaniمن المعلوم أن الحرباء هو ذلك النوع من الزواحف الذي باستطاعته أن يغير لون جلده بحسب وضعه الفيسيولوجي والفيزيائي وذلك من أجل أسباب متعددة منها حسب المختصين في علم الزواحف أنها تلجأ لذلك كنوع من الدفاع عن النفس بالتخفي في لون النبات حتى لا تتعرض للهجوم وفي بعض الحالات من أجل أهداف تواصلية كالإغراء الجنسي أو حتى للتعبير عن المزاج والأحساس الذي تتعرض له في تلك الأثناء.

الحربائية في مجال الثقافة نظرية لجأنا اليها من أجل التعبير عن أهمية بليغة وجدناها من خلال التأمل في حال التطور التعليمي لدى الانسان، خصوصا في مراحل طفولته وتصاحبه بعد ذلك طيل فترات حياته بدرجات ترتفع وتنخفظ بحسب وعيه بها والتمرينات التي يخضع ذاكرته ودماغه لها، فكيف ذلك يا ترى؟ وقبل ذلك ماذا نقصد بالحربائية الثقافية.

يرى جاكوب برونوسكي في سلسلته الوثائقية المعروفة حول تطور الانسان، أن فترة الطفولة لدى الانسان هي الفترة التي يكتسب فيها الانسان بشكل هائل شخصيته الثقافية ويتلون بحسب ما اكتسبه في تلك الفترة وذلك باعتماده على من سبقه اليها من البالغين فيستفيد منهم مقدرة التعلم من البيئة والثقافة، ويرى كارل ساجان في كتابه العظيم "تأملات عن تطور ذكاء الانسان" أن أغلب الكائنات الحية على الأرض تعتمد بشكل كبير على معلومات غرست أصلا في جهازها العصبي أكثر من اعتمادها على المعلومات المكتسبة بعد ذلك بخلاف الانسان وكذا جميع الحيوانت الثديية لكن بدرجات متفاوتة  فالعكس هو الوارد حيث أن الإنسان أرقى هاته الثدييات في قدرته على تشكيل شخصيته الثقافية والارتقاء بطبيعته الى حضارته.1.

إنها قدرة غريبة التشكل الثقافي ذات بعدين إيجابي الى حد كبير وسلبي الى مدى أبعد حيث أن تطور الذكاء الإنساني يساهم في تشكيل شخصية اليوم وشخصية الغد أيضا بشكل مغاير تماما لشخصيات الأمس نظرا لوفرة المتغيرات الثقافية والمعلومات المعرفية التي لم يسبق للبشرية أن عاشت عهدا مثله، لذلك فإن العرب والمسلمين مدعوون بشكل أكبر الى الاستفادة من هاته الخاصية الإنسانية ان انتبهوا اليها من أجل اكتساء ألوان ثقافية مشابهة للبيئة الثقافية السليمة التي يرغد في عيش كريم أصحابها، وأن يخرجوا بذلك من وحل الأسوار الثقافية والحيطان الدينية (أو قل اللادينية في حقيقة أمرها، بمعنى حواجز مكسوة بكسوة الدين وهي في عمقها أوهام مجتمعية كسيت بصبغة دينية)، فقط بهذا المنهج يمكن للمسلمين والعرب عموما أن ينعموا برغد العيش وذلك بالنهم ما أمكن في طفولتهم الحضارية هاته من تجارب الغرب البالغ حضاريا مرحلة الرشد فيفيدوا منه تجاربه بغض النظر عن الانتماءات العقدية والفكرية والأخلاقية مع الحفاظ بطبيعة الحال على الخصوصية الثقافية الشرقية، وذلك لأن الإفادة من الآخر لا تعني بالضرورة تقمص شخصيته بقدر ما تعني لباس لبوسه من الاحتفاظ بالهوية الثقافية التي لا تتغير في بصمات أصابعها ولا في شيفرتها الوراثية.

و لن يتم الاستفادة من خاصية الحربائية الثقافية للإنسان الا باختيار البيئة الثقافية التي ينبغي أن يحط رجله عليها من أجل أن يكسى لبوسها، وليس ذلك غير اختيار الكتب القيمة ذات القيمة عبر التاريخ وصاحبة الإجماع الحضاري، من أجل يحط رحاله عليها ويرتع في مروج أفكارها وهضاب تأملاتها ووواحات تدبراتها، يذهب توماس جيفرسون الى أن "من لا يقرأ شيئاً على الإطلاق أكثر ثقافة ممن لا يقرأ سوى الجرائد.2.

لقد طور انسان عصر الحديث تيليسكوبات دماغية تبحث عن الفكر والثقافة في كواكب أخرى غير كوكب دماغه هو فتتضح له الرؤية لكل ما كان بعيدا عنه في ذي قبل وليس مثالا على ذلك كتلسكوب محرك البحث غوغل الذي يقرب له كل ما هو بعيد من كواكب الأفكار الموجودة في مجرات فكرية بعيدة عنه بسنوات ضوئية، لكن ويا للأسف أين المتخصصون في علم الفلك الثقافي بعالمنا العربي من أجل تفكيك شيفرات مثل هاته المجرات.

 

د محمد غاني، باحث في الأكسيولوجيا والديونطولوجيا

.......................

الهوامش

1، انظر كارل ساجان، تأملات عن تطور ذكاء الانسان، ترجمة سمير حنا صادق، ص 19 بتصرف.

2، موقع حكم دوت نت.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم