صحيفة المثقف

كمال الهردي: نزار قباني وأحمد مطر.. الحلقة المفقودة

kamal alhardiالأعمال الشعرية الكاملة لنزار قباني تشي بتقديسه للجمال الأنثوي، في حين أن ديوان أحمد مطر  يأخذك إلى عوالم البوليس السري والتخفي والتعقب والترصد والسجن والسياط.. تجربتان شعريتان فريدتان وبينهما بون شاسع من حيث الثيمة (الموضوع)، ولكل منهما مذاقه الخاص وأجوائه الخاصة.

على مدى حوالي 600 صفحة في ديوان قباني تعيش أجواء ربيعية جميلة في حدائق المرأة المفعمة بأريج الورد ورقة الفراشات وثمار الشجر وحرارة الشمس وحقول البرتقال وجداول الماء ومصابيح المساء ودف الوصال فيه. يشعرك بأن الدنيا ليست سوى أنثى، وأن الأنثى ليست سوى الجمال، وأن الجمال واجب التقدير والتقديس. تقرأ مثلا في قصيدة (سأقول لك أحبك):

  سَأقولُ لكِ "أُحِبُّكِ".. حينَ تنتهي كلُّ لُغَاتِ العشق القديمَه فلا يبقى للعُشَّاقِ شيءٌ يقولونَهُ.. أو يفعلونَهْ.. عندئذ ستبدأ مُهِمَّتي في تغيير حجارة هذا العالمْ وفي تغيير هَنْدَسَتِهْ شجرةً بعد شَجَرَة وكوكباً بعد كوكبْ وقصيدةً بعد قصيدَة سأقولُ لكِ "أُحِبُّكِ".. وتضيقُ المسافةُ بين عينيكِ وبين دفاتري ويصبحُ الهواءُ الذي تتنفَّسينه يمرُّ برئتيَّ أنا وتصبحُ اليدُ التي تضعينَها على مقعد السيّارة هي يدي أنا.. سأقولها، عندما أصبح قادراً، على استحضار طفولتي، وخُيُولي، وعَسَاكري، ومراكبي الورقيَّهْ.. واستعادةِ الزّمَن الأزرق معكِ على شواطئ بيروتْ.. حين كنتِ ترتعشين كسمَكةٍ بين أصابعي.. فأغطّيكِ، عندما تَنْعَسينْ، بشَرْشَفٍ من نُجُوم الصّيفْ.. سأقولُ لكِ "أُحِبُّكِ".. وسنابلَ القمح حتى تنضجَ.. بحاجةٍ إليكِ.. والينابيعَ حتى تتفجَّرْ.. والحضارةَ حتى تتحضَّرْ.. والعصافيرَ حتى تتعلَّمَ الطيرانْ.. والفراشات حتى تتعلَّمَ الرَسْم.. سأقولُ لكِ "أُحِبُّكِ".. عندما تسقط الحدودُ نهائياً بينكِ وبين القصيدَهْ.. ويصبح النّومُ على وَرَقة الكتابَهْ ليسَ الأمرُ سَهْلاً كما تتصوَّرينْ.. خارجَ إيقاعاتِ الشِّعرْ.. ولا أن أدخلَ في حوارٍ مع جسدٍ لا أعرفُ أن أتهجَّاهْ.. كَلِمَةً كَلِمَهْ.. ومقطعاً مقطعاً... إنني لا أعاني من عُقْدَة المثقّفينْ.. لكنَّ طبيعتي ترفضُ الأجسادَ التي لا تتكلَّمُ بذكاءْ... والعيونَ التي لا تطرحُ الأسئلَهْ.. إن شَرْطَ الشّهوَة عندي، مرتبطٌ بشَرْط الشِّعْرْ فالمرأةُ قصيدةٌ أموتُ عندما أكتُبُها.. ُ

وعلى الطرف النقيض ينقلك مطر بمطرياته إلى برد الشتاء وسقوط أوراق الخريف وحلكة الليل وزمهرير رياحه وبؤس ساعاته مع خليط من الجوع والخوف والظلم. يشعرك بأن الدنيا ليست سوى مخبر، وأن المخبر ليس سوى الظلم، وأن الظلم واجب سحقه من أجل الحرية التي ﻻ تكون على جرعات بل تكون حر أو ﻻ تكون. تقرأ مثلا" في قصيدة (مساءلة):

قلت للحاكم: هل أنت الذي أنجبتنا؟

قال: ﻻ ... لست أنا.

قلت: هل صيرك الله إلها فوقنا؟

قال: حاشا ربنا.

قلت: هل نحن طلبنا منك أن تحكمنا؟

قال: كلا.

قلت: هل أقرضتنا شيئا

على أن تخسف الأرض بنا

إن لم نسدد ديننا؟

قال: كلا.

قلت: ما دمت، إذن، لست إلها

أو أبا

أو حاكما منتخبا

أو مالكا

أو دائنا

فلماذا لم تزل، يابن الكذا، تركبنا؟

ومع تلك الجماليات الشعرية المتفردة بمفرداتها ومعانيها ومضامينها يشعر المتذوق للأدب بأن ثمة حلقة مفقودة بين الأسلوبين لو وجدت لما تفرد الأسلوبان، ولصارا كبقية الأساليب. فشكرا" لتلك الحلقة المفقودة.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم