صحيفة المثقف

ميثاق العسر: بين عراجين النخيل وفتاوى التضليل

يقولون: إن صبيغ بن عسل التميمي قَدِم إلى المدينة المنورّة يوماً وأخذ يطرح بعض التساؤلات المُقلقة والمشروعة، فأوصلت الحواشي ذلك إلى الخليفة عمر بن الخطّاب، وحيث إن الحواشي يمتهنون الطريق الذي يدخلون فيه إلى الخليفة للوقيعة بأمثال هؤلاء، نقّحوا للخليفة الموضوع المناسب ليصبّ الحكم المناسب عليه، فأخبروه بأنّ صبيغ يطرح أسئلة حول متشابه القرآن، ومن الواضح إن هذا يعني تجاوز الخطوط الحمراء وضياع الأمّة في متاهات الأسئلة التي لا يمكن إغلاقها بجوابٍ حاسم.

فبعث عمر إليه وأعدّ له عراجين النخيل، فلمّا دخل عليه سأله من أنت؟ فقال له: أنا عبد الله صبيغ، فقال له الخليفة: وأنا عبد الله عمر، وأخذ يضربه بتلك العراجين حتّى شجّه فجعل الدم يسيل من وجهه، ثم جعله في بيت حتّى برأ، وعاود ضربه بشدّة مرّة أخرى، حتّى روي إنّه قال له: حسبك يا أمير المؤمنين؛ فقد ذهب والله الذي كنت أجد في رأسي، وبعدها حمله على رحل صغير ونفاه إلى البصرة وكتب إلى واليه الأشعري هناك: أن حرّم عليه مجالسة النّاس حتّى قال الراوي: رأيت صبيغ بن عسل بالبصرة كأنّه بعير أجرب كلّما جلس في مجلس لا يعرفه أهله ذكّرهم أهل المجلس الآخر بوصيّة الخليفة التي تدعوهم إلى عدم تكليمه، حتّى أصبح وضيعاً في قومه بعد أن كان عزيزاً!! وللقصّة روايات أخرى.

أقول: بغض النظر عن نوايا صبيغ وأهدافه ومراميه لكن يبدو إن بعض الجهات الحوزويّة في النجف الأشرف وغيرها تمارس عين الدور الذي مارسه عمر بن الخطّاب مع صبيغ؛ والحجّة في ذلك مصلحة المذهب التي هي مصلحتها في حقيقة الأمر؛ فحينما تشاهد شخصاً يطرح أسئلة مقلقة حول النصوص الروائيّة والمنطلقات الكلاميّة والأصوليّة والصناعة الفقهيّة بغية الوصول إلى الحقيقة يتعاملون معه على طريقة صبيغ، وحينما ينتقد أحدهم المرجع الذي يقف خلف ثقافة كلاب الأنبياء والأئمّة التي لم تخلّف لنا غير الغلو والتخريف تُسحب الوكالة الشرعيّة منه ويُعامل على طريقة صبيغ، وحينما ينتقد أحدهم آليّات انتخاب المرجع الأعلى في الواقع الشيعي ويدعو إلى طرح آليّات سليمة ومناسبة يُعامل على طريقة صبيغ، وحينما يريد أحدهم أن يعبّر عن رأيه العلميّ والموضوعيّ بعيداً عن سطوة برامكة الحوزة يُعامل على طريقة صبيغ، ولكن كان الإقصاء في عهد صبيغ بعراجين النخيل وهو اليوم بفتاوى التضليل.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم