صحيفة المثقف

كاظم شمهود: اشباح غويا امام محاكم التفتيش

khadom shamhodان المتتبع لانتاج الافلام السينمائية الروائية حول حياة بعض الفنانين المشهورين والمعروفين عالميا يجد بعض منها متفقا مع حقيقة حياتهم والآخر مبالغا او مزينا لها، ومنها قويا وفاعلا ومؤثرا خاصة حينما يمتزج الخيال والابداع السينمائي مع التصوير الفني حيث يفسحان المجال امام الوجدان للتعبير عن الانفعالات النفسية والعاطفية .. فالمواقف التي يظهرها الممثلون في الافلام، تشبه الى حد ما المواقف التعبيرية التي يرسمها الفنان في لوحاته، وصاحب الكامرة الذي يصور الممثلين في الوانهم وحركاتهم الانفعالية، نجدها ايضا عند الفنان عندما يرسم الانسان او الطبيعة بحركتها والوانها وجمالها وعذوبتها، وبالتالي فاننا نجد انفسنا امام لحمة فنية ولغة مشتركة بين التصوير والسينما ..

قبل فترة شاهدت فلما عن حياة الفنان الاسباني فرانثيسكو غويا Goya حيث يتحدث عن الفترة المظلمة الاخيرة من حياته والتي تنحصر بين اعوام 1792 و1809، كما يتحدث عن آخر ايام محاكم التفتيش المرعبة في اسبانيا وكذلك الاحتلال الفرنسي لاسبانيا عام 1808 . الفلم يحمل عنوان – اشباح غويا –Los fantasmas de Goya - وهو انتاج اسباني امريكي مشترك ظهر عام 2006 .

 1120-khadom1

 1- غويا وموديلاته .. يبدأ الفلم بعرض بعض اعمال غويا امام اعضاء محكمة التفتيش والتي كانت تمثل نقدا لاذعا عن حياة رجال الدين وفسادهم المالي والاخلاقي وهي لوحات خيالية سريالية يطغي عليها عالم الاشباح والسخرية .. هذه الاعمال عبارة عن حفريات (كرافيك) اطلق عليها اسم – النزوات – وكان احد القساوسة صديقا لغويا استطاع من الدفاع عنه امام محكمة التفتيش وتبرئته .. وفي نفس الوقت كانت هناك فتاة جميلة انيقة تتردد على غويا باستمرار كموديل، فيرسسمها برومانسية حالمة وعاشق ولهان، وقد اعتبرها احد آلهات الحب والشعر التي توحي اليه بالخيال والجمال . وفي يوم من الايام تختفي هذه الفتاة، حيث تقع في يد محاكم التفتيش بتهمة انها يهودية لانها لا تأكل لحم الخنزير . ويحكم عليها بالسجن 15 سنة .. غويا يصاب بالجنون فيبحث عنها في كل مكان، واخيرا يتوسل بصديقه القس لمعرفة مصير الفتاة .. القس يزور الفتاة في السجن ويطلب منها ان تصلي معه ثم يغويها ويعمل معها الفاحشة ...

 

2 - محاكم التفتيش

1120-khadom2كان دخول الفرنسيين الى اسبانيا عام 1808 نهاية محاكم التفتيش، حيث أمر جوزيف بونابرت اخو نابليون بالغاء محاكم التفتيش ومصادرة املاكها وسجلاتها وخلع ملك اسبانيا فرناندو السابع ثم ذهب نابليون فاعتقل البابا بيوس السابع وصادر السجلات البابوية وحبسه في فونتبلو ثم اطلق سراحه عام 1814 . . وبذلك اغلق التاريخ دفتره على واحد من اسوء الحقب التي عرفها العالم وقد احرقت واضطهدت في تاريخها الطويل مئات الالوف من الضحايا من بينهم اشهر المفكرين والعلماء . وكانت محاكم التفتيش تطارد المسلمين واليهود والبروتستانت وتتهمهم بالهرطقة اي الالحاد وتحرقهم في الساحات العامة . وقد بدأت عملها عام 1480 وانتهت بمجيئ الثورة الفرنسية ودخول جيوش نابليون الى اسبانيا عام 1808 ..

بعض التقارير الفرنسية تعطي وصفا دقيقا لقصر محكمة التفتيش في مدريد حيث سمعوا انينا تحت البلاط ولما نزلوا وجدوا بعض الضحايا احياء يعيشون على لحم زملائهم الموتى ..

اليوم نحن نرى تشابها كبيرا بين الجماعات التكفيرية من وهابية وداعشية وسلفية متحجرة وبين ذلك التاريخ الاسود لمحاكم التفتيش . فتلك الجماعات هي نفسها اليوم تعود بلحمها وجلدها وفكرها من جديد لتحرق وتذبح وتبيع وتغتصب النساء وتشرد الملايين من الناس باسم الدين والدين براء منهم ..

 

3- غويا الاطرش

عاش غويا احداث مأساوية مرعبة في آخر حياته ومن خلالها فقد سمعه فاصبح يخاطب الآخرين بالاشارات .. حيث عاش فترة محاكم التفتيش وعبثها وتفرعنها وحبسها لانفاس الناس، وشاهد بام عينيه كيف تحرق الناس في الساحات العامة وكيف يساق المذنبين الى المحاكم بحجة عدم اكل لحم الخنزير او ما شاكل ذلك .. ثم شاهد دخول الفرنسيين حاملين معهم شعارات العلمانية وفصل الدين عن السياسة وعبثهم في البلاد واعدامهم للقسيسين وحرق الكنائس .. كل هذه الاحداث رسمها غويا في لوحات كبيرة منها لوحة- 3 دي مايو 1808- و- 2 دي مايو 1808– كما رسم مجموعة – النزوات - التي ذكرناها سابقا والتي تهاجم رجال الدين وتفضح فسادهم . وكادت هذه المجموعة تحمله الى مقصلة محاكم التفتيش. وكانت احداث الفلم تنتهي بالقضاء على محاكم التفتيش واطلاق سراح السجناء ومنهم الفتاة التي قضت 15 سنة في السجن وكان غويا يعشقها ويحبها ولكنها خرجت هذه المرة نحيفة مشوهة ذابلة لم يرى منها غير الهيكل العظمي وقد اصيبت بالجنون . فوقف غويا ينظر اليها بألم وحسرة دون ان ينطق بشئ، والى الفوضى العارمة التي حلت في اسبانيا، ثم يقرر الهجرة الى فرنسا، وبقى هناك حتى وفاته عام 1828... (لقد قرأت عن حياة غويا وكتبت عنها الكثير ولكني لم اجد ان في حياته يصادق فتاة من اصول يهودية وانها تسجن بسبب رفضها اكل لحم الخنزير . فاعتقد ان هذه القصة مختلقة ومن اظافات صاحب السيناريو) .

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم