صحيفة المثقف

عبد الجبار العبيدي: حقيقة الدين الغائبة (19): بين العقل والسلطان أين الخلاف والأختلاف؟

abduljabar alobaydiالعقل أو التفكيرهو الحكمة؟ والسلطان هو الحُجة والبرهان لقول الحق: "وقد أرسلنا موسى بأياتنا وسلطانُ مبين، غافر 23".، فعلى السلطان ان يمتثل لأمر الله بالحُجة، فلا يجوز له ان يتعداها ليصبح قوة غاشمة تناهض الحق والعدل والبرهان؟ فكيف يوَفق بينه وبين العقل في حُكم الناس؟، لا يوفق الا بألتزام العدل والقانون، فالمتنصل منهما، لا يؤخذ بحكمهِ على الناس؟ .

العقل يَحكم بوجوب العدل وكمال منزلتهِ، والسلطان يَحكُم بموجب الحُجة والبرهان وكمال منزلتيهما، بوجود القانون والدين، لأنه مُلزم بهما لقول الحق:" لكلِ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجاً، المائدة 48".، وهما الطريق، أي أظهار الحق وقمع الباطل، يقول الأمام الشافعي: "ألا سياسة الا ما وافق الشرع، الشافعي الرسالة". لذا بقي العقل والسلطان مرافقاً للحق والقانون حتى عدهم العلماء صنوان لا يفترقان...؟ فما حُكَم من يخرج عليهما بقانون القوة، لا قوة القانون، سواء كان العقل او السلطا ن..؟ ..الحكمُ عليه بالأدانة..فأين أسلام من يحكمون اليوم في بلاد العرب والمسلمين ...؟

من هنا فأن العقليين يعتقدون ان للعقل سلطان في أمور الدين والدنيا، ولربما يمتد سلطانه فوق ما يحقُ له، (الفلسفة المثالية – العقل مصدر المعرفة). فهو مصدر الأيحاء والمُعتقد والمعرفة.. فالمعتقد الديني لا يصل اليه الانسان الا بعقله ..وحين يَحكم العقل ويقتنع به الأنسان، يكون الآيمان راسخا ومقنعا وثابتا .. هنا يصبح العقل له قوة العدل والسلطان، فتتحقق فيه نظرية الحجة والبرهان؟.كما قيل: العقل هو القدرة على عقل الاشياء والسيطرة عليها؟ لذا فالعقلاء يمتازون بخلقٍ متين، وأمانة وصدق، وصفاءُ نية، وبعدُ عن الخداع .هذه الحقائق يجب ان تأخذ بنظر الاعتبار في التطبيقات الشرعية والتشريعية في حكم الدولة.

الكتب المقدسة كلها تنفرد بالرأي الثابت الذي تَطالب فيه المُعتَقِد القبول بها الا في حالة الغيبيات: (تلك حدود الله لا تقربوها البقرة 187 ) وهي الغير المدركة التي تدخل ضمن القَدر.لكن العقليين يقولون ان العقل لا يرغب ان يكون اسير الوحي دون معرفة الحقيقة التي يُسلم بها، باعتبارها مُنزلة، وحين اقدمَ العقليون على الخوض في غوامِضها أدركوا الحقيقة بالبرهان دون الايحاء الآلهي لها، فطالبوا بتحويل الديانة الى فلسفة عقلية، ليس فيها ما يفوق عقل البشر، وهنا لا يكون للغيبات من أثر..؟

وهذه هي منتهى الواقعية .

لذا حاربت مؤسسة الدين الفلسفة وأعتبرتها هرطقة دينية...؟

المسلمون من فقهاء التفسير قالوا عكس ذلك حين فسروا الحروف المختصرة التي جاءت في أول سور القرآن الكريم، قالوا عنها: أنها حروف منفصلة عن الآيات، وهي لا تفسر لكونها جاءت مبهمة، وان بعض الآيات القرآنية لا تفسير لها، بينما هي في الحقيقة حروف كل منها يكون جزءً من آيةٍ، وليس آيةً منفصلة في ذاتها كما في قول الحق:" ق والقرآن المجيد .

  ولازالت الآية الثالثة من سورة النور: " الزاني لا ينكح الا زانية.....وحرمَ ذلك على المؤمنين" يقول عنها أبن عربي هي من مشكلات القرآن، هي من اصعب الآيات في التحقيق، لدرجة انهم قالوا انها من مشكلات القرآن في التفسير، لأنها تتعارض والآية 30 من سورة المعارج ( وما ملكت أيمانهم بدون عقد أحصان ...)؟

والحقيقة ان هذا التصورعن الحروف وبعض الآيات الغير قابلة للتفسير من وجهة نظرهم، جاء نتيجة عجزهم عن التفسيرالفلسفي العقلي والمنطقي لها..وليس نقصاً في معنى الآية؟. لكن الحقيقة تبقى، ان ما يقدمه النص الديني ليس فيه ما يفوق عقول البشر، والا انتفت الحاجة اليه . لذا لا بدَ من معرفة معنى النص وما يهدف اليه..علماً وفلسفة وتطبيقا؟ وهنا هي مشكلة مؤسسة الدين مع المنطق والحقيقة معاً؟.لأنها تعتقد انها نهاية المعرفة ولا احد ينافسها في حقيقة العرفان؟ لذا رفضتها حركة النهضة الأوربية وعدتها من المعوقات في تقدم الأنسانية. (جون براند رسل ت1972 م) .

العقليون ينظرون الى الوحي بمنظار عقلي لا أيماني، بأعتبار ان الله لا يتدخل في عقول البشربعد ان منحهم العقل، و ان الرب اعطى للبشر ما يريد وكفى ، لذا لا داعي للتدخل في اموره مرة اخرى، فهو المسئول عنها لا غيره.فأذا لم يقدر الأنسان ان يجعل نفسه صالحاً، فليس باستطاعته ايضا ان يكون سعيدا، خصوصا وهو يعلم ان وراءَه الموت.

العقليون يقولون ايضاً: ان الانسان لا يستطيع أدراك حقائق الوحي من تلقاء نفسهَ وأنما بحاجة الى معرفة ادراكية ربانية، وهي مودعه في عقل الانسان أصلاً منذ النشأة الأولى، ولا حاجة للطلب من الرب مرة اخرى ان يمنحه هذه المعرفة..لذا فأن القرآن يُقر بان القانون الذي تمثله العدالة هو نفس الموت الذي يُقرهُ الانسان.

والقرآن الكريم يقول:كلُ نفسٍ ذائقة الموت آل عمران 185(قانون) ويقول تعالى: ولكل أمةٍ أجلُ فاذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون، الأعراف 34 (قانون).فكيف يضع الله قانوني الموت والحياة معاً (الذي خلق الموت والحياة...المُلك 2). ...) ويتجنب فرض قوانين العدالة على الناس.هنا تقع المشكلة المستعصية بين فقهاء الدين الذين يفلسفون كل قانون آلهي لمصلحتهم ومصلحة السلطة لا عموم البشر، وبين المتنورين من العلماء.

نقول ليس من حق هؤلاء الغاصبون للسلطة والمال من حقهم اغتصاب حقوق الجماهير والسلطة والدين معا.فحقوق الناس يكفلها القانون، لا الحاكم ولا مرجعيات الدين التي هي اصلا لا دخل لها في حقوق الناس، لذا وعبر التاريخ وظف السلطان مؤسسة الدين لصالحه دون عامة الناس لأبقاء قوة السلطة والمال بيديهِ دون الأخرين."

سلطة العرب اليوم مثالاً

 قال لويس الرابع عشر: الدولة أنا"بمؤازرة الكنيسة وسلطة الدين .وقالها المنصور العباسي: "أنما انا سلطان الله في أرضه أسوسكم بتوفيقه وتسديده، أطيعوني ما أطعت الله"، الطبري، الرسل والملوك ج8 ص 89  بتأييد من مؤسسة الدين.

 ويقول اصحاب نظرية المهدي المنتظر: ان السلطان لا يُصلح الا بظهوره ليملأ الأرض عدلاً بعد ان ملئت ظلما وجوراً"، النوبختي، فرق الشيعةص27. غيبيات ترفضها الحركة العقلية؟...لأن القرآن لا يعترف برجال الدين، ولا يخولهم حق الفتوى على الناس، لأن الاحكام والنواهي هي البديل معززة بالنص المكين . فهل يحق لهؤلاء ومن معهم، ان يغتصبوا حقوق الجماهير، ويوهموهم بالجَنة والنار والولدان المخلدون، وما ملكت أيمانهم متكئين على سرر متقابلين..؟ ولم يعطوا لنا تفسيرا منطقيا لهذا القول العجيب؟. أنا اعتقد ان الآية جاءت من باب الترغيب بالأعتدال في القول والعمل ليس الا؟

على الدولة ان تغير المناهج المدرسية لصالح العقل لا لصالح غيبيات مؤسسة الدين - ان هي فعلاً تريد الأصلاح- التي تبني كل افكارها على الغيب لا حقيقة التكوين؟ الشعب ان كان حريصا على وطنه المغتصب ان يعرض عن أرائهم ومن يؤيدون، ويعرض عن انتخابهم بالمطلق لاسقاطهم بالدليل .وان يدرك ان علو سلطة الدين على القانون – كما عندنا اليوم - ما هو الا تجاوزاً كبيراً لأبقاء سيطرتهم على الدولة والقانون، فالعراقيون في غالبيتهم يعترفون بدين الله ... ولا حاجة لدليل؟ .

 على المواطن العراقي ان يتخلى عن القانون الغيبي الذي يجره الى البكاء والعويل لمناسبات دينية متكررة ، فات زمانها من بعيد واصبحت تاريخ؟ وان لا يقبلوا ان يطبق عليهم قانون: :" ان جرى عليه خلاف القياس لغيره.. لا يقاس عليه ".لأن المرجعيات الدينية، لا يهمها من ييطبق القانون، وانما يهمها التأييد والسيطرة على عقول الناس خوفا من ضياع سلطانها ومكاسبها المادية؟ والا ماذا عملت مرجعيات الدين لشعب العراق سوى بهرجة الآقوال والتصورات الرمادية التي لا تصل الى معنىً واضح؟ مؤيدين من جماعاتهم التي ربوها على التأييد والتصفيق لهم ووعد الناس بالجنة وتخويفهم بالنار...خزعبلات يجب ان تزول..؟؟.

 فهل وصل الامر بالعراقيين ان يقبلوا بالقتل الرحيم..؟ فأزمتنا اليوم هي ازمة تفرد بحكم السلطة والقانون، وأزمة اخلاق من حُكام لا يؤمنون الا بمصالحهم، حتى لو مات أو دمر الشعب كله ماداموا هم وأولادهم من المؤَمنَين؟ .

، فهل نتذكر ايام ما سموه بالمعارضة العراقية التوافقية ، وصدام يَعدم بالشباب وقيادة الدعوة هي واولادها كانوا في الغرب في مأمن من سلطته الغاشمة...ومتنعمين بالمال والسلطة تحت مؤازرة مؤسسة الدين، وهي شريكتهم في التغيير الذي بني على الخطأ في التقدير؟ ليجعلوك عبدا فقيرا لهم ولمن يعملون وأنت غائبا عن تصوراتهم المبهمة، وغائبا عن القانون.. فهل تقبل لك وللأجيال القادمة اليوم نفس المصير..؟

ثقوا أيها الأخوة: ان العقل البشري يقدر ان يدرك حقائق الوحي والدين من تلقاء نفسه وليس بحاجة الى مؤسسة دين ولا حاجة لتوجهاتها ان هي لم تقرأ المنهج العلمي الحديث... فعلومها اليوم تريد ابقاء القديم على قدمة خدمة لمصحتها ومصلحة السلطان، كما في أعلانها (الجهاد الكفائي الذي هو أصلاً بعيدا عن جهاد التحرير شرعاً وقانوناً، أنما الشرعية في جهاد فرض العين) لتحمي نفسها وأولادها والسلطة من المشاركة الفعلية في التحرير ..والا كيف نقبل اللا مدرك دون برهان أكيد...؟

ان الله لا يطلب من الانسان الأيمان بما يعجز عن أدراكه. وانما يطلب منه ان يعمل بالقدر والاستطاعة وليس بالمستحيل.. لذا فان الله لا يهدد عبده بالنار وعذابات القبر ونظريات الخوف التي تبثها خطئا مؤسسة الدين؟ لأن بين الممكن والمستحيل فرق كبير يميزه العقل لا الدين، لذا من حقه ان يرفض ما لا يقبله العقل، لان الدين هو العقل عند العقلانيين.فالمقياس بين السلب والايجاب امام الله هو العدل والاستقامة والسراط المستقيم لا فرضيات رجال الدين..

عودوا الى الله ياسلطة حكم الجماهير، فأن الله لا يقبل ان تظلم الشعوب بأسم الدين..وان تقتل الأبناء ...باسم الدين..وتباع الثوابت الوطنية ..بأسم الدين ... ويسرق المال العام بأسم الدين ...وهذه هي حصيلتكم اليوم .. كونوا رجالاً واعترفوا...لامن اجل ان يبقى الحاكم متربعا على عرش الدولة غاصباً له بأسم الدين...؟

فالانسان الحاكم المخلص مسؤول عن توفير الامن والسعادة لمواطنيه، يقول أحد الحكماء المسلمين: "لا يحق للحاكم ان ينام ليلته وفي بلده معوزُ واحد ". فهل أدرك نيام المنطقة الخضراء قول حكيمهم الكريم؟ أم هم لا زالوا على دينهم الذي يعتقدون...؟

ان أخراج الوطن من الطريق المسدود، على المواطن ان يطالب بالتمهيد لثورة علمية فكرية حقيقية وتطبيق القانون..لا ان يبقى يهرول خلف مؤسسات أصحاب الفلسفة التأملية الذين يعتقدون بأن فكرهم هو خلاصة العلم ونهاية التجارب في التغيير..؟ نعم هنا يكمن التقدم، في تحقيق التفكير الواقعي السليم... و يكمن في الاختلاف بين العقل ...والسلطان ..؟..فهل من مجيب...؟

يقول حكيم: أينما وجد الظلم...فالشعب المُقصر ...هو المسئول عنه...؟

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم