صحيفة المثقف

علجية عيش: الجزائر طبقت النظام الكوبي في القضاء على البطالة

eljya ayshلقد وجدت مواقف الزعيم الكوبي فيدال كاسترو حول الانتخابات والديمقراطية  صدى لدى بعض مفكري الغرب ومنهم موريس ديفوجيه، والحقيقة كما قال بعض السياسيين أن الزعماء الذين يصنفون في خانة الدكتاتوريين ، يستعملون "العنف" فقط ضد الخونة وعملاء الاستعمار، ولذا وجب أن يطلق عليهم لقب "الثائرين" أو "الثوريين "، لأنهم  لا يمانعون من إقامة منظمات سياسية شعبية تضمن تحقيق الوحدة الوطنية،  إن هؤلاء إن صح القول ولدوا ليحكموا، وعملوا على تطبيق نظام اشتراكي غير مستبد، فاتصلوا بالجماهير الشعبية وعبروا عن آرائهم بحرية وعمق، وكانوا صرحاء معهم، وجعلوا هذه الجماهير تندمج في الحياة السياسية  لا تعتزل عنها كما نراه اليوم

يحتم النموذج الشيوعي تحقيق تغير جذري في البناء الاقتصادي والاجتماعي وتحقيق الإصلاح الزراعي وإخضاع الأراضي الزراعية للأنظمة الجماعية وتأميم البنوك، والحقيقة أن دعم وتطور نظام فيدال كاسترو في كوبا يؤكد على أن الدعاية الشيوعية في دول العالم الثالث تقوم على أسس مدروسة وتبحث عن تحقيق نجاح استراتيجي في الزمن الطويل، كما أن الإستراتيجية التي أعلن عنها لينين تركت أثرا واضحا في بكين وهي تقوية معسكر السلام،و قد أشاد فيدال كاسترو والمسؤولون معه في كوبا عن حركة 26 يوليو (جويلية) بالتجربة الصينية، التي تميزت عن باقي الدول بروح الابتكار لدى العامل الصيني وحماس الشبيبة الصينية والتطور الضخم الذي حققته الصين رغم أنها خضعت هي الأخرى للاستعمار والاستغلال، لقد طبق كاسترو النموذج الصيني في كوبا، كما طبقه حكام غانا وتونس والمغرب والجزائر ومصر، رغم ما تملكه مصر من إمكانيات وقد لجأت كوبا في عهد كاسترو إلى التصنيع وربطته بالمجال الزراعي،  قد شرح الزعيم فيدال كاسترو  في إحدى خطبه عام 1959 إذ قال: " إن حل مشكلة البطالة إنما يكمن من غير شك في التصنيع ولكن إقامة الصناعة وازدهارها تحتاج إلى أسواق داخلية كافية"،  واعتبر فيدال كاسترو أن الإصلاح الزراعي شرطا ضروريا لتحقيق صناعة متطورة، ذلك لأننا لا نستطيع القضاء على البطالة إلا بتخصيص جزء من العمال في إنتاج ما يحتاج إليه عمال المصانع، وجزء آخر يعمل في الصناعة لإشباع حاجات الدين يعملون في الحقول، ولا أمل في حل كل المشكلات الاقتصادية إلا باللجوء إلى الإصلاح الزراعي، كما أنه لا نهضة اقتصادية يدون الإصلاح الزراعي والتصنيع".

هذا ما قاله فيدال كاسترو زعيم كوبا، ولعل الجزائر التي طلقت النظام الاشتراكي الذي كان سائدا أيام الحزب الواحد، أثناء حكم الرئيس هواري بومدين ، ها هي تعود إلى نفس النموذج، بتبنيها سياسة الإصلاح، وخلق المؤسسات الصغيرة والمتوسطة أي أسواق داخلية، بعدما أدركت أنها كانت تسير في تخبط فوضوي وظهور عوامل جديدة لم تكن في الحسبان، وهذا ما أشار إليه فيدال كاسترو الذي رأى أن التوسع الاقتصادي للدول النامية (دول العالم الثالث) لا يحتم فقط وجود خطط مدروسة، بل يجب كذلك أن يتوافر ما يسميه البعض بـ: الدفع الثوري" وهذا ما حاول فيدال كاسترو أن يحققه في التجربة الكوبية، وهو ما هدف إليه  قادة جبهة التحرير الجزائرية بعد أن آلت إليهم مسؤوليات البلاد،  فقد نشرت صحيفة المجاهد في ديسمبر عام 1961 دراسة عن البرنامج الاقتصادي لجزائر الغد المستقلة، وقالت الدراسة " إن الهدف الأول هو تحطيم كل العلاقات التي جعلت الجزائر تعتمد على بلد له سيطرة طاغية، في إشارة منها إلى فرنسا، والقضاء على مصادر الإستغلالات الخارجية، ثم توجيه الاقتصاد بهدف كفاية الحاجات واستثمار ثروات البلاد وطاقاتها المختلفة، وإذا أرادت الجزائر أن تحرر اقتصادها وأن تبني نفسها، فعليها ألبا تعتمد على الأسس التي وضعها النظام الاستعماري، ولكن عليها أن تبذل جهدها في سبيل تحقيق حاجات شعبها وأن توفر لقمة العيش لسكانها، والوسيلة الواجب إتباعها هي تحقيق الإصلاح الزراعي، وتنظيم قطاع الزراعة على أسس تعاونية ودفع عجلة التصنيع على أساس من التخطيط السليم".

وبالنظر إلى نظام بورقيبة في تونس وبومدين في الجزائر، ونهرو في الهند، وكوامي نكروما في غانا وسيكوتوري في غينيا وكذلك كاسترو  في كوبا، كل هذه الأنظمة وإن وصف زعماؤها بالدكتاتوريين،  غير أنهم كانوا يمثلون السلطة المعتدلة، تذكر بعض الأقلام صورة الزعيم الكوبي فيدال كاسترو  في 26 سبتمبر 1960 عندما وقف على منبر الأمم المتحدة  بمناسبة افتتاح دورتها الخامسة عشر، وكأنه في  " السيرامايسترا" وكان مرتديا زيه المشهور، تقدم في خطى ثابتة وئيدة منتظمة ، وبلغة الأم (الإسبانية)  تكلم كاسترو، هاجم بقوة أغراض الدول الاستعمارية في جواتيمالا وفي المجر وفي الجزار،  كانت  روح الانتصار بادية عليه وهو يهاجم الولايات المتحدة في عقر دارها في نيويورك، ولم يحاول رجل " ثورة 26 يوليو"  أن يضبط ألفاظه ويتراجع عما قرر قوله، وهو يسترسل العلاقات الأمريكية الكوبية سرد كاسترو تاريخ طفولته قائلا: " إنه يقال في هذا المكان (أي قاعة الأمم المتحدة) أني سكنت في حيّ منحل متخصص في بيع الهوى الرخيص، ولكن الأمريكيين يعلمون من تجاربهم معي بأني لا أشبه بائعة الهوى المحترمة، وكان يقصد بهذا الكلام إلى قصة جان بول سارتر التي تخمل هذا العنوان نفسه والتي تعالج قصة التفرقة العنصرية في أمريكا،  وأثار خطابه دهشة الحضور من تصرفات أمريكا الاستعمارية، وهي في الحقيقة كما قال فاقت الاستعمار القديم الذي سمي بالحصان الميت، والسؤال الذي يمكن أن نطرحه هو كالتالي: لماذا لا يتكلم حكامنا بلغة الأم (العربية) في المنابر الدولية، ورحم الله هواري بومدين الذي كان يتكلم بالعربية مفتخرا بها في المحافل الدولية، وأين الرئيس بوتفليقة من بومدين، الفرق شاسع طبعا، إن هؤلاء وإن كانوا دكتاتوريين ، فهم استطاعوا أن يربطوا العلاقة بجماهيرهم الشعبية.

إن هؤلاء إن صح القول ولدوا ليحكموا، عملوا على تطبيق نظام اشتراكي غير مستبد، فاتصلوا بالجماهير الشعبية وعبروا عن آرائهم بحرية وعمق، وكانوا صرحاء معهم، وجعلوا هذه الجماهير تندمج في الحياة السياسية  لا تعتزل عنها كما نراه في حكامنا الآن، الذين كانوا سببا في عزل المواطن عن الحياة السياسية وعزوفهم عن التصويت يوم الانتخابات، والجزائر لها تجربة في هذا المجال، ثم هل يعرف حكامنا اليوم حياة الفقر الحقيقية التي يعيشها الشعب اليوم ، والدليل أن زياراتهم تسبقها الإعلانات وتعد لها الإعدادات الكافية، حتى يكون لمن يمثلونهم التحضير الجيد للزيارة وإخفاء العيوب الموجودة، ويظهروا لهم أن كل شيئ على ما يرام ( tout va bien) هذا هو النظام الديمقراطي المبنى على الشورى؟، والذي يتخذ المعارضة  أشكالا مختلفة يؤدي فيها الجيش دورا هاما في النزاعات السياسية، وقد سبق وأن أبدى الزعيم الكوبي فيدال كاسترو رأيه في الانتخابات في شهر أفريل عام 1961، حيث نظر إليها بأنها مضيعة للوقت، إذ قال: " إن الانتخابات لا تهم أي مخلوق في هذا الوقت، فإذا خرجتم إلى الطريق العام وسألتم عامة الشعب عن رأيهم فيما يتعلق بالانتخابات فستصابون بخيبة أمل.... ويجب عليكم أن تضعوا في اعتباركم أن شعبنا خدع لمدة ستين عاما بما تسمونه (الانتخابات) أو بمعنى آخر خدع بالديمقراطية الكاذبة التي لم تطبق في أمريكا الجنوبية، وتحت شعار الديمقراطية حكم هذه الشعوب سياسيون مغرورون ولصوص ماهرون، وإذا تكلمتم عن الديمقراطية وأهمية الانتخابات، فإن الشعب سيجيبكم بأن تتركوا الثورة تسرع في خطاها ولا تضيعوا الوقت اللازم في تحقيق آمال الشعوب، وأضاف: " أنه لا يهم شكل الحكم، إنما الذي يهم  هو تحقيق روح الديمقراطية".

 

علجية عيش بتصرف

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم