صحيفة المثقف

رياض عبد الواحد: قراءة وتأويل لقصيدة (نافذتان) للشاعر علي نوير.. ميتافيزيقيا المكان

ryad abdulwahedفي مدى زرقة شاسعة

نافذتان

من ندى الورد

.... اخرى

من نثيث الغمام

نافذتان

أعتم البحر فوق زجاجهما فجأة

فأختفى الورد

.... شيئا

...... فشيئا

...........

..........

...........

وأستفاق الحمام

ايهذا الغمام

لا ارى زرقة تحتويك غدا

غير فارزة . ها هنا

مثلما شوكة

.......... في نسيج الكلام

 

تحليل النص

لم تعد الكتابة الشعرية محصورة بمنحى معين، بل اخذت توجهات عديدة داخل المشغل الشعري الحديث. ومن تلك التوجهات ايلاء الجانب التخييلي اهمية غير اعتيادية، اذ أنه يحيل بنحو كبير الى البنية اللفظية أكثر مما يحيل الى البنية الشكلية مما يعطي القصيدة زخما ايحائيا كبيرا اضافة الى ما يسبغ عليها من بعد جمالي والق لا يستهان به. ان الصورة التخييلية التي تعكس الكثير مما في ما وراء المكان \ داخله وخارجه \ تضفي بشقيها الواقعي، أو التخييلي فضاء صوريا لا يخلو من مقصدية مسبقة انطلاقا من بنية مكانية تكاد أن تكون هي الاهم في العملية الشعرية وما يترشح منها . ان الامكنة الضيقة والمحددة مكانيا اخذت اهتماما كبيرا من الشعراء لأنها – في بعض الاحيان - تعبر عن قلق وجودي (من الوجود) داخلي يعتري الشاعر لحظة الانقياد وراء تصوراته الشعرية او الفكرية وإزاء ما يحيط به ليصل بمنتجه الشعري الى اقصى طاقة تبليغية بواسطة اللغة المكثفة التي يبتدعها. هذا النوع من النزوع الشعري يحاول ان يؤسس لتحول تنقلي نوعي يذهب بالمتلقي من التركيز على حقل بصري او سمعي الى حقل ما بعدي يعتمد فائض الرؤية لبناء القصيدة . لقد حاول الكثير من الشعراء الحداثويين تغيير الترتيب الكتابي للقصيدة بواسطة احداث خلخلة جميلة في عملية تتبع المتلقي بواسطة بث أكبر كمية من الفراغات المنقوطة من اجل تحرير النص من نمطيته المعهودة ودفع المتلقي لملء الفراغات التي تستوجب مشاركته فيها كونه من صناع المتن الجديد. يعد الرمز اللغوي \ النافذة \ تلميحا بعيدا وايحاء مقصديا يكتنف المعنى الكلي للمكان اضافة الى بعده الرمزي الدال على الانفتاح او الانغلاق . ان تحويل \ النافذة \ الى مؤشر وعلامة مجازية قد يغني المعنى ويجعله متعدد التوجهات بل ويضفي عليه افاقا بعيدة المدى يمكن تأويلها في حالة القراءة الواعية لأي نص. يتخذ النص الذي نحاول تأويله ان يتخذ من المقابلة المكانية طريقا لفتح أكثر من كوة في جدار المتلقي بغية أخذه الى مجاهل بعيدة، واطلاعه على الرؤى التي يبتعها الشاعر وصولا الى المبتغى. تبدأ القصيدة بشبه جملة، وشبه الجملة تعني فيما تعني بلوغ درجة التمام والابتعاد عن النقص الذي يثلم ذلك التمام، بمعنى الوصول بواسطتها الى يقينية معتبرة . فاعتماد شبه الجملة مفتتحا \ في مدى زرقة شاسعة \ ما هو الا جسر الترابط بين الوظيفة النحوية لشبه الجملة وبين ما يشكلها من مفردات طرية ذات دلالة واسعة . ان اختيار \ اللون الازرق \ له دلالة التأمل الباطني وهذا ما يتساوق مع طبيعة النص الباحث عما يتبدى في ما بعد الرؤية البصرية لذا وصف الزرقة بالشاسعة لكي يمتد طيف هذا اللون الى اماكن قصية . تتشكل النافذة الاولى من \ ندى الورد \، هذه النافذة هي الروح التي تنفتح على افق لا تغيب عنه الشمس ولا يتسلل اليه اليأس كونه مكللا بالورد ونداه . اما النافذة الثانية فمتشكلة من \ نثيث الغمام \ ذلك الكون الذي يصعد بنا الى عالم معتم له تصوراته غير المنظورة وغير المتوقعة . يعتمد الشاعر هنا على الصورة الماورائية، بمعنى انه يحاول من خلال هذه الصورة تصعيد كثافة المعنى باتجاه اقتناص لحظة هاربة تغفل عنها عين الرائي المنشغلة بما امامها لحظويا.انه منشغل بحلمية اللامرئي لهذا اختفى الورد حيث \ أعتم البحر فوق زجاجهما \ بيد أن اختفاء الورد على هذه الشاكلة كونه اختفاء لبعد جمالي وروحي لم يعطل بقية الاشياء من ان تأخذ مكانها وان تنساب بكثير من لمسات الحياة الجميلة . يعود متن القصيدة الى \ الغمام \ الذي يشكل الماء بنيته الاساس. ومفردة \ الغمام \ اضافة الى ما تحمله من موسيقى فلها مجالها الايحائي . واظن ان الشاعر وجد في \ الغمام \ بديلا موضوعيا عما هو حسي ملموس، فالماء الذي يشكل الغمام هو سر وجود الاشياء ونقاوتها، لهذا لم تستطع \ الزرقة الشاسعة \ ان تحتويه في ضوء كل المعطيات الانية. ان احتواء الفارزة للغمام هو احتواء معنوي من اجل التواصل الفكري وكأن الشاعر يريد ان يقول لنا كيف نفسر غموض الاشياء بواسطة التوقف اللحظوي الذي تشترطه فوارز الحياة . ان الفارزة – هنا – دلالة عن الاستغناء عن بعض الكلام وتحويله الى احاسيس لا يمكن ان تترجمها الالفاظ الا عبر ما هو رؤيوي . لقد قدم – علي نوير - نصا شعريا جميلا حلق بنا في سماوات لم تعرفها العصافير . انه نص مموسق طري يمتلك كل ادوات الابداع بمفهومها الحقيقي .

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم