صحيفة المثقف

كاظم شمهود: نزار سليم من اقطاب الفن العراقي المعاصر (26)

khadom shamhodآل سليم – من النادر ان نجد عائلة عراقية كل افرادها يمتهنون صنعة الفن وانهم سجلوا حضورا رياديا في تاريخ حركة الفن العراقي المعاصر . وكانت هذه الشجرة السليمية قد اثمرت رواد الحركة الفنية في العراق وهم جواد سليم، سعاد سليم، رشاد سليم، نزيهة سليم، ونزار سليم . (واسمائهم الحقيقية المركبة هي : احمد جواد، علي سعاد، محمد رشاد، فاطمة نزيهة، مصطفى نزار) – وقد وصفهم احد الكتاب (.. جميعهم يتشابهون في السحنة ... اما انوفهم فضخامتها مشهود بها، بل هي نسخة طبق الاصل مما كان يتباهى به والدهم بقوله –شم الانوف- اما اصواتهم المتدهجة المتلعثمة احيانا والضاحكة كثيرا فهي تمنح المصغين رقة وتقربا) . هؤلاء كلهم اصبحوا فنانين ومنهم درسوا في الخارج ثم عادوا ودرسوا الفن في معهد الفنون الجميلة او مدارس التربية ثم شكلوا الجمعيات الفنية واصدروا المجلات والكتب واقاموا المعارض في خارج البلاد وداخلها . وبالتالي فقد تركوا بصماتهم على حركة الفن والثقافة العراقية المعاصرة . وسجل ثلاثة من هؤلاء لهم حضورا مميزا وكبيرا في الساحة الفنية العراقيه وهم (جواد ونزار ونزيهة) . كان والدهم الحاج محمد سليم من مواليد الموصل لعام - 1883 – وهو من رواد الفن العراقي الى جانب عبد القادر الرسام .. وكان ضابطا في الجيش العثماني ثم عين مدرسا لمادة الرسم في عدد من المدراس، ورئيسا للملاحظين في وزارة الداخلية كما كان المدرس الخاص للملك غازي في تعليمه الرسم .. وكانت هناك علاقة بين عائلة سليم وعائلة الملك فيصل الاول علاقة مصاهرة عن طريق النساء . ولهذا فقد حضوا برعاية خاصة في المناصب الحكومية والبعثات الدراسية ... كما كان يلتقي بالشاعرين الزهاوي والرصافي ويزوق اشعارهم بالرسوم . كان سليم يعلم اولاده الرسم فغذاهم تذوق الفن وتعلمه وهم في نعومة اظفارهم . فاصبحت هذه الشجره يانعة الثقافة والفن وقد ساهمت بشكل مباشر في تنشيط حركة الفن العراقي المعاصر .

 

نزار سليم طاقة من العطاء:

– ولد في انقرة عام 1925، وكان نزار متنوع المواهب والقدرات وتتوزع على حقول شتى من المعرفة، فهو رسام وخطاط وكاريكاتيري وقصصاص وكاتب مسرحي ومترجم ومصمم للكتب والبوسترات . اصدر عدة كتب في مجال الفن منها الفن العراقي المعاصر بجزئيه التصوير والنحت وعدد من المجاميع القصصية والمسرحية والشعرية كما اصدر مجلة الامل ثم الصبا عام 1937. وانتخب رئيسا لاول جماعة كاريكاتيرية في العراق . اشتغل في وزارة الخارجية 1971 وعين في عدد من السفارات العراقية في الخارج . ثم عين مديرا للفنون في وزارة الاعلام .. وقد اشترك في مؤتمرات ومنظمات فنية وتشكيل اللجان الوطنية ..

– كان احد طلاب فائق حسن عند فتح معهد الفنون الجميلة عام 1939 . واحد اعضاء جماعة اصدقاء الفن عام 1941 . درس في كلية الحقوق وتخرج منها عام 1931 . اقام معرضين شخصين في بغداد اعوام 1956 و1971 . يضاف الى ذلك اشتراكه في معارض جماعة اصدقاء الفن وجمعية الفنانين العراقيين وجماعة بغداد للفن الحديث .

 

التقنيات:

كان نزار قد تأثر في اول الامر باعمال الرواد الذين تاثروا بمدرسة بغداد الواسطية وتناولوا التراث ولكن بملامح محلية ومعالجات حديثة مبسطة ومختزلة مثل لوحته – بائع الفرارات – وطيور في الحديقة – و–شاربات الشاي – اما لوحته – الفنان والمعركة – فقد جائت تقليدا للفن الحديث الاوربي من ناحية طريقة الكولاج، حيث نشاهد عدة مشاهد في اللوحة متراكبة ومتداخلة تجمع بين الاشكال التشخيصية والهندسية والزخارف وبعض الرموز والكتابات العربية، كما نرى هناك طفولة في الاعمال حيث لا تخضع الى النسب الاكاديمية . اما الالوان فنراها معتمة احيانا ويسيطر عليها اللونين القهوائي والاسود . ولم يلتزم نزار باسلوب واحد معين حيث نجد انه كثير الطرز والاساليب، وربما انشغاله في القضايا الادارية والدبلوماسية وادارة المؤتمرات واللجان الفنية جعله متغير الاساليب وقليل الانتاج مقارنة بالفنانين الرواد . علما ان غالبية الفنانين العراقيين الرواد لا يجيدون الرسم الاكاديمي، وقد حاول كاظم حيدر من اعادة الاعتبار للاكاديميات فشكل تجمعا اسماه - الاكاديميون –عام 1971 ضم كل من صلاح جياد، فيصل لعيبي، نعمان هادي، وليد شيت . ولم يدم طويى ثم انفرط .

 

بوهيمية نزار:

نزار سليم كان في بداية حياته بوهيميا متمردا وقد شكل تجمعا من الشباب اطلق عليه –- الوقت الضائع – وهم مجموعة من الشباب يجمعهم التمرد والفوضى ثم انفرط التجمع .. بعد ذلك فكر نزار بفتح مقهى في الاعظمية في ساحة عنتر عام 1948 اطلق عليها اسم – واق واق – حيث كان يلتقي مع اصحابة ويتحدثون عن الفن والشعر والادب .

 والبوهيمي هي منطقة في تشيك كان قد استوطنها او مر فيها الغجر البؤساء من الرومان . ثم دخل المصطلح الى الادب والشعر والفن في فرنسا في منتصف القرن التاسع عشر، واتخذها بعض الفنانين والادباء كرمز للفكر الحر المتمرد الغير ملتزم بالتقاليد والاعراف، واشتهر منهم هنري موجيه حيث اصدر مجموعة قصصية اطلق عليها – مشاهد من حياة البوهيمية – عام 1845 – وفكتور هيجو وروايته المعروفة – البؤساء – الذي اصدرها عام 1862 . وكان يتحدث فيها عن الشباب الفرنسي وحياتهم البوهيمية الضائعة والفوضوية. في هذه الفترة اصدر نزار اول مجموعة قصصية له وهي – اشيا تافهة – ثم اخذ يصدر بعد ذلك عدد من الكتب في المسرح والفن والشعر . ولازال له الكثير من المؤلفات غير مطبوعة .. توفى نزار عام 1982 في بغداد اثر نوبة قلبية ودفن الى جوار اخيه جواد 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم