صحيفة المثقف

علجية عيش: العلاقة بين الإعلام ودور النشر في الجزائر واقع وآفاق

eljya ayshيعتبر النشر جزء لا يتجزأ من الإعلام، والعلاقة بينه وبين دور النشر علاقة وطيدة،  بحيث يعمل الناشر على طبع ما دونه الكاتب من أحداث في كتاب، خدمة للصالح العام، حتى تبقى هذه الأحداث مرجعا للأجيال القادمة، والإعلام يلعب دور مهم جدا في ترويج الكتاب وتسويقه، من أجل ترقية القراءة، وهذا خدمة للصالح العام

تشهد دور لنشر في  الجزائر تزايدا مذهلا من حيث العدد في الهياكل، بحيث قفزت  قفزة نوعية منذ 2003 إلى اليوم، بسبب دعم الدولة لهم  في إطار التظاهرات الثقافية والمعارض الوطنية والدولية ، واستهوت هذه القفزة الكثير من المهتمين بعالم النشر ولتوزيع، الذين هم في الحقيقة وسطاء  بين الكاتب والقارئ، وهذا يطرح الكثير من التساؤلات حول الدول الذي تلعبه دور الناشرين، وهل وصل أصحابها إلى مستوى "الاحترافية" أم أن العملية لا تعدو أن تكون تجارية، وقبل البحث عن من هم صناع الكتاب؟ يقول الخبراء أن صناعة الكتاب هي فنٌّ وثقافة قبل كل شيء، من خلالها نعرف من هو الناشر المحترف، لاسيما والدولة تخصص ميزانية من أجل ترقية الكتاب وإيصاله إلى القارئ في كل مكان، في إطار صندوق الدعم، وهي حاليا تسعى إلى تعديل بعض المواد التي تضمنها قانون الكتاب الذي يضم 60 مادة، وكان وزير الثقافة عز الدين ميهوبي قد صرح أن 40 مادة من القانون قيد التعديل وهي على طاولة مجلس الأمة للمصادقة عليها، وتهدف هذه النصوص التنظيمية التي جاء بها قانون الكتاب إلى تقريب الكاتب والأديب والشاعر من المسرحي ورجل السينما، حتى يطلع هؤلاء على ما أبدعته الأقلام ، وخلق سوق للكتاب في إطار مُقَنَّنٍ.

إن النشر كما يقول المختصون مغامرة فكرية، وأن مهمته من الناحية الخلقية بقدر ما هي محفوفة بالمخاطر من الجانب المالي، بقدر ما هي سامية بمفهوم المواطنة للعبارة، وطبقا للمقولة : "الكتب هي مومياء أفكارنا" ، فقد أثبت الناشرون مدى وعيهم بأهمية الكتاب وتسويقه وترقيته كذلك من خلال الاختيار الجيد لطبيعة الورق والغلاف، حتى يكون أكثر جاذبية لدى القارئ، وحتى يكون في مستوى المنافسة في ظل تطور "الرقمنة" وظهور الكتاب "الإلكتروني"، الذي أصبح منافسا للكتاب الورقي، بل يزاحمه في كل المجالات، لأن الوصول إلى الكتاب الرقمي أصبح سهلا والبحث عنه في المنظومة الرقمية لا يستغرق سوى بضع ثواني، لكن ما يميز الكتاب الورقي والكتاب الإلكتروني هو أن هذا الأخير قد يلجأ صاحبه إلى حذفه من الموقع المنشور فيه ( أي أن مُدّةُ حياته محدودة)، عكس الكتاب الورقي، الذي يبقى بين يدي القارئ، وينتقل به من جيل إلى جيل،  وفي هذا الصدد  آن الأوان لدعم الكتاب الورقي، والدعم يبدأ من دار النشر، أي بمجرد خروج الكتاب من المطبعة وترتيبه،  ولهذا يلعب "الإعلام" دورا مهما جدا في عملية "الترويج" للكتاب وتسويقه من أجل ترقية القراءة، وعلى الصحافة  خاصة المكتوبة منها التعاطي مع هذه المسألة وإعطاءها بعدها الإعلامي، وهذا خدمة للصالح العام .

فتخصيص مساحة صغيرة في الصفحة الثقافية مثلا، أو تخصيص صفحة  كاملة بـ: "عالم الكتب" ولو مرة في الأسبوع لا يكلف الجريدة عناءً أو خسارة مادية للجريدة،  ليس من أجل التعريف بصاحب الكتاب ، وإنما من أجل طرح قضية ومعالجتها أمام الرأي العام، فكثيرا ما تتحمل دور النشر خسائر مالية لما تطبع كتابا من حسابها الخاص ولا يلقى هذا الكتاب رَوَاجًا، العيب طبعا ليس في الناشر، بل في مضمون الكتاب، وهنا وجب على الكاتب أن يختار ما يهم القارئ واهتماماته،  فعلى سبيل المثال لا الحصر، لو خُيِّرَ القارئ الجزائري بين أن يقرأ كتاب محمد حربي عن الثورة الجزائرية وكتاب "أزمة الإسلام السياسي" في السودان لحيدر إبراهيم علي، لأختار الأول طبعا، لأن الجزائري بطبعه شغوف بالإطلاع على أحداث الثورة الجزائرية بكل محاسنها ومساوئها، وبكل إيجابياتها وسلبياتها والمعنى واحد ، وأحيانا يعجز القارئ نفسه عن الاختيار عندما تقع عيناه على كتب بمستوى راق، فمثلا لو خيرته بين أن يقرأ " تحت ظلال الزيتون" لمفدي زكريا، و"مرافئ غصن الزيتون" لقاسمي الحسني حسان، قد يختار الاثنان معا ،  فنجاح الكتاب يبدأ من مضمونه وعنوانه ، كما للغلاف أهمية في  نجاح الكتاب،  ثم تأتي عملية "الأرشفة"، والملاحظ هنا أن بعض دور النشر التي تلقى مطبوعاتها رواجا كبيرا لما تنشره من كتب تنفذ بسرعة، وأمام قانون الطلب، تجد نفسها عاجزة عن إعادة طبع الكتاب المرغوب فيه، لأنها لم تعمل على رقمتنه، وفي هذا يمكن القول أنه بات من الضروري تكوين ناشرين مختصين في مجال النشر والطباعة من خلال تنظيم دورات تكوينية حول المبادئ الأولية للنشر والطباعة، بهدف تحسين مستوى الناشر وكذا تجديد معارفه ومعلوماته قصد الارتقاء به إلى استعمال التكنولوجية الرقمية وصيانة الكتاب واسترجاعه عند الحاجة، وهذا يمكنه من رفع التحديات التي تفرضها البيئة الرقمية.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم