صحيفة المثقف

عماد الدين عبد الرزاق: الرازي الفيلسوف المغبون

emadadeen ibrahimما من فيلسوف في الفكر الإسلامي تعرض للظلم في الحكم علي فكره من الفيلسوف أبو بكر الرازي . ولقد تم انتقاص حق هذا لفيلسوف من قبل مؤرخي الفلسفة ، رغم أن الرازي يعتبر بحق من أعظم فلاسفة الإسلام ، ولقد وضع نظريات فلسفية تجعله في مصاف الفلاسفة الحقيقيين. يحكم مؤرخي الفلسفة عليه أنه طبيب بارع في الطب من خلال شهرته في وضع كتاب الحاوي. لكن هذا ظلم وجور بين وواضح لان الرازي له نظريات فلسفية عميقة تجعله من الفلاسفة الحقيقيين أصحاب المكانة المرموقة في الفكر الفلسفي الإسلامي، لا تقل هذه المكانة عن الكندي والفارابي وابن سينا. وإذا رجعنا إلي سيرة حياته لنتعرف علي فكره الفلسفي العميق ، وكيف أنه جمع بين التفوق في الطب ، والبراعة في الفلسفة. نري أن الرازي عرف عنه حبه للعلم والأدب والشعر والفلسفة والمنطق. ومع ذلك تعود شهرته إلي كتابه (الحاوي) الذي ترجم إلي اللاتينية ، وتعرفت أوروبا علي الطب العربي من خلاله. ويجب أن نشير إلي أن الطبيب في عهد الرازي كان فيلسوفا  ، وكانت الفلسفة ميزانا توزن به الأمور والنظريات العلمية. ويعتبر الرازي فيلسوفا موسوعيا له نظريات في جميع فروع الفلسفة .و كان معجبا بسقراط أيما إعجاب ، ويدافع عن سيرة سقراط فيقول أن العلماء يذكرون الفترة الأولي من حياة سقراط ، حينما كان زاهدا وسلك طريق النساك. وللرازي إسهامات في محالات العلوم الطبيعية مثل علم الفيزياء، حيث اشتغل بتعيين الكثافات النوعية للسوائل . بل كان يدعو العلماء وخاصة الأطباء إلي الآخذ بالعلوم الطبيعية ، ولقد قال عنه ابن النديم في الفهرست أنه أوحد دهره ، وفريد عصره ، قد جمع المعرفة بعلوم القدماء لاسيما الطب. أما عن فلسفته فقد تميزت بجرأة وروح نقدية عالية . فلقد انتقد مثلا أرسطو وخرج علي كثير من افتراضاته الطبيعية والميتافيزيقية. كما تمثل منهجه وروحه النقدية في انتقاد محاولة الفلاسفة في التوفيق بين الفلسفة والدين. وتمتاز أيضا فلسفته بنزعة إنسانية واضحة تعم الإنسان والحيوان، وهذه النزعة كانت من ميراث منهجه الفلسفي. كذلك يراعي الرازي في فلسفته الاعتماد علي ما تراكم من الموروث الفلسفي الشامل دون الاقتصار علي مدرسة بعينها. ولقد اشتملت إضافاته الفلسفية حقول الميتافيزيقا والطبيعيات ، وكذلك مذهب الربوبية . كذلك اهتم الرازي بالعقل وعرف مكانته وأعطاه اهتماما كبيرا. ويجب أن نشير إلي حقيقة هامة وهي ان منهج الاستقلال الفكري الذي امتلكه الرازي تجاه التراث الماضي في جميع المجالات قد ساهم إلي حد بعيد في صياغة مذهبه الخاص. ولقد ساهم الرازي بمحاولاته الفلسفية العميقة في تأسيس علم مقارنة الأديان والملل والنحل.  ومن أشهر نظرياته الفلسفية هي نظريته في الميتافيزيقا ، أي نظرية المكونات الخمسة حيث اعتقد الرازي بوجود خمس مكونات أبدية وهي الله والروح والمادة والفراغ والزمن. كما يري ان اله لم يخلق الكون من عدم. كما أن نظريته في الأخلاق تعتبر من النظريات التي توضح عمق فسفته وأرائه الرائدة في هذا المجال. من كل هذا يتبين لنا كيف تعرض الرازي لظلم بين وواضح في الحكم عليه فقط انه طبيب مشهور ، وتم التغاضي عن نظرياته الفلسفية وإهمالها . لقد تأكد بما لا يدع للشك عمق نظرياته الفلسفية. والتي لابد من إنصاف الرجل فيها .

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم