صحيفة المثقف

رشيدة الركيك: همسات الضمير المجتمعي

rasheeda alrakikكل شيء ممكن ولا شيء بمستحيل، كل وجود إيجابي أو سلوك إنساني نبيل يبعث الأمل في الحياة، وكل تصالح مع المجتمع هو تصالح مع الذات، و كل نظرة جميلة تجعل الوجود جميلا.

وجودنا الاجتماعي يحدد انتماءنا و يمدنا بهوية مشتركة، تجعل من كل وجود فردي وجودا مشتركا مما يضمن استمرارنا، وما يجب الحفاظ عليه.

نحن الوجود المختلف باعتباره كائنا اجتماعيا استطاع أن ينظم حياته و يضع قوانين تحد من أي طغيان أو حيف، هو وجود اجتماعي يجعل من كل حرية سائبة حرية مقننة لها حدود تلزم بعضنا البعض بسلوك دون آخر. هو وجود تحقق عبر الزمن بعد أخطاء ومراجعات، هدم و بناء...

إنه التواجد داخل الوطن، وهو التواجد المشترك الذي نحن له في حالة الإحساس بالغربة بين الحين و الآخر. وطن يجمعنا داخله مصير مشترك تطل علينا شمسه في كل صباح ونرى سماءه في صفائها وغيومها، و نلجأ لبحاره عندما يشتد الحر...

غير أن ما نحمله من أفكار عن هذا التواجد الاجتماعي يلوث أوكسجين حياتنا ويجعلها مليئة بالشكوى و السخط والغضب. ألم يحن الوقت للتصالح مع تواجدنا الاجتماعي بنظرات إيجابية؟

تعوّدنا نقد الذات الجماعية مثلما ننتقد ذواتنا الفردية، ولكن ألا يتطلب الأمر تقديرنا لها لمعرفة كل ما هو إيجابي فندعمه، ثم الوقوف على الأخطاء من أجل الإصلاح، إيمانا منا بأن الأخطاء لا تنتهي بتواجد الإنسان ككائن غير معصوم من الخطأ حتى في جل إنتاجاته العلمية؟

إن كل تواجد اجتماعي فيه ما هو إيجابي ويجب أن نراه ليكون للوجود جمالا. ، ولا شك أننا لن نستطيع العيش بدون تذوقنا لكل ما هو جميل حتى تستمر الحياة. إنها الألوان التي باختلافها تجعل للجمال معنى، وتنتهي حياة كل من لا معنى له.

يبدو أن معرفة الإيجابيات والسلبيات في الذات الجماعية هو نوع من التقبل لها و الإنصات و التواصل معها في هدوء من أجل تقييمها وتقديرها، تماما كما نفعل مع ذواتنا . فكل واحد منا أكيد له تصور للمجتمع الذي يحدد انتماءه، ويعبر عن واقعه بسخط رافعا القلم الأحمر على كل من يشارك بالعمل والعطاء جاعلا من نفسه قاضي القضاة: فكيف يتحقق الوجود الاجتماعي كما نتصوره و نريده دون الانخراط في العمل التشاركي البناء؟ كيف يتحقق كل مراد منشود بدون تحديد للأهداف؟

عندما تستكين الذات الفردية و تقع فريسة التواجد الفردي و تكتفي بالنقد الهدام للذات الجماعية ، ما الذي ستحققه؟ ألا تحقق تواجدا فرديا منعزلا فاقدا لكل هوية؟ ألن تتأثر الذات الفردية بهدمها للذات الجماعية و تجعل من التواجد الاجتماعي تواجدا صادما لكل انتماء؟ ثم لماذا لا أكون أنا التغيير الذي أنشده؟

كيف نستطيع إذن، تحقيق الثقة في الذات الجماعية دون تقبلها و تقييمها و تقديرها ثم تأكيدها؟ ألا تتأثر ثقتنا بأنفسنا باهتزاز ثقتنا بالذات الجماعية؟

والحقيقة أن كل تواجد اجتماعي لا ولن يخلو من العيوب و الأخطاء مثله مثل كل تواجد آخر على وجه الأرض. وأنه بالتفكير الإيجابي، والفعل البناء نتحقق سويا مثلما نضيع سويا بالسخط والتفكير السلبي.

كانت تلك همسات الضمير الجماعي تناشدنا بصوت عميق لا زال صداه مدويا.

ألم يحن الوقت للإنصات لهذا الصوت ومراجعة نظرتنا للذات الجماعية مثلما نبدل جهدا للتقليل منها، وهو تقليل لقدراتنا مما يجعل الفرد يتخبط في الكثير من الإحباطات تخل بكل حياة أفضل سواء كانت جماعية أو فردية؟

 

بقلم رشيدة الركيك

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم