صحيفة المثقف

مصطفى العمري: قراءة في كتاب: ذكريات الزمن القاسي

mustafa alomariكتاب تنهد به عقل عراقي مُشبع بالذكريات المأساوية القاسية فعلاً، أحداث ومواقف متغيرة جعلتني أعيش معه بتفاصيله، فبالوقت الذي ألّحُ فيه على العقل ان لا ينصهر مع العاطفة ومع مجريات وتفاصيل الكتاب المؤلمة، لا أنكر ولمرات عديدة أجدني وقد سرّح العقل خيوطه الواعية لتكون ساحة الاستيعاب فارغة للعاطفة، ولطالما وجدت نفسي أحرك يدي او أهز رأسي تفاعلاً مع الكتاب .

ذكريات الزمن القاسي، كتاب خرج من ذاكرة الاستاذ والصديق محمد علي الشبيبي، حيث روى فيه تجربته الشخصية ومعاناته بعد انضمامه للحزب الشيوعي العراقي، يبدأ الشبيبي تفاصيل كتابه من ذاكرته الغضة، حيث يذكر سفره مع عائلته أيام العطلة من كربلاء الى النجف، حيث يوجد بيت جده لأبيه العلامة والخطيب الحسيني المعروف محمد الشبيبي .

يذكر وبدهشة واستمتاع عندما كان يذهب مع جده الى السوق، وعندما يجتمع الناس للسلام على جده او الحديث معه .

يتذكر الاستاذ الشبيبي وبطريقة لا تميل الى التوثيق، إعدام عمه حسين الشبيب، الملقب صارم المنتمي للحزب الشيوعي والمعدوم مع مؤسس الحزب فهد .

تتأثر عائلة الشبيبي بعد إعدام حسين، وهذا التأثير يأتي من محورين أساسيين، أستطيع ان استشفه من خلال قراءتي العقلية الخالية من العاطفة .

المحور الاول الذي تأثرت به العائلة هو فقد فرد مهم تربطهم به أواصر ووشائج متينة جداً، فعلى الحسابات الطبيعية للإنتماء الاسري في المجتمع العراقي يكون الحزن فيه لوعة مختلفة كيف واذا كان المتوفى مأخوذاً بجريرة الانتماء الى حزب ومحكوماً بالاعدام .

المحور الثاني، طبيعة المجتمع العراقي وعدم تفاعله مع المختلف او غير المألوف، عادةً ما يأخذ ردة فعل قوية وسريعة الانتشار وداعية الى القطيعة والابتعاد، حتى من دون معرفة الحقائق والملابسات التي تحيط بالموضوع .

أشعر ان ردة فعل الكربلائيين والنجفيين مع عائلة الشبيبي كان فيها غلظة مفرطة، واستبعاد وتجني دون الالتفات ان العائلة لم ترتكب جرماً، فيما اذا صح ان نقول ان ابنهم الذي ارتكب ذلك الجرم . لم تشفع للخطيب الثمانيني، محمد الشبيبي، كل محاضراته ودروسه بعد إعدام ابنه فقد أُشيع في حينها ان الشبيبي عندما يقول بمحاضراته الحسينية يا حسين، فهو لا يقصد الامام الحسين ع بل يقصد ولده حسين !

هكذا بدأ التحايل والاقصاء الاجتماعي لعائلة الشبيبي وخاصة ان معظم هذا التحايل أتى من المؤسسة الدينية المتمثلة بالحوزة .

 

يذكر في الصفحة 19 : ( منذ سنوات الأربعينات وخاصة بعد إعدام الشهيد حسين أصبحت العائلة وخاصة والده وشقيقه الأكبر –والدي- تحت المراقبة والاضطهاد السياسي والمحاربة حتى في الرزق والمعيشة. وللأسف ساهم في ذلك بعض من اعتلوا المرجعية الشيعية فسخروا المؤسسة الدينية لخدمة القوى الإقطاعية والرجعية الملكية الحاكمة في محاربة الوطنيين المخلصين عكس ما فعلته المراجع في ثورة العشرين وموقفها المشرف والمؤثر في الثورة. وتمادت احدى المراجع الشيعية بسبب حقدها وظلاميتها في محاربة الشيخ والد الشهيد حسين حتى بعد وفاته، حيث مارست من خلال موقعها كمرجعية في الضغط والتأثير على الناس البسطاء، ومنعهم من شراء بيت الشيخ عندما عرض للبيع بعد وفاته عام 1958 بحجة حرام السكن فيه لأن مالكه كان شيوعيا! مما أدى إلى هبوط سعر البيت وتراجع الراغبون في شرائه فتقدم هذا المرجع واشتراه لنجله.)

و لان الكاتب أشار وبلغة تلميح واضحة من هي المرجعية التي حرمت شراء البيت الى ان هبط سعره فاشتراه نفس المرجع، يتصدى كاتب اخر لهذا الموضوع وهو محمد باقر الحسيني في مقاله المعنون (سيرة السيد /الجزء الثالث) الذي نشره في موقع الحوار المتمدن بتاريخ 31/5/2007 العدد 1932 وتناول فيها سيرة السيد محسن الحكيم وجاء فيها (وتصرف .. السيد محسن الحكيم مع بعض رجال الدين تصرفا مقززا، كإرسال الشقاوات لضرب بعضهم كما أسلفنا في المقال السابق، ولم يراع خدمة الشيخ محمد الشبيبي للمنبر الحسيني فترة زادت على الخمسين عام، وهو والد المناضل المرحوم حسين الشبيبي، فحرم شراء بيته الذي عرض للبيع نظرا للحاجة المادية القاهرة للعائلة بسبب سجن محمد علي ومحمد الشبيبي ناشرا الدعاية من إن هذا البيت نجس، وعندما ارتد الراغبون عن الشراء، اشتراه السيد لنفسه بسعر بخس لإسكان السيد باقر الحكيم، ولغرض تطهيره من النجاسة، طلب من بلدية النجف تزويده بسيارة الإطفاء لغسل الأرض بعد تهديم البيت)

أكاد أجزم ان تأثير الهجمة على بيت الشبيبي هي من جعلت الشاب محمد (صاحب الكتاب) يندك إندكاكاً غير مدروساً في الحزب الشيوعي . أعتقل صاحب المذكرات وهو في عمر السابعة عشر، زمن الحكم الملكي، ثم تتالت عليه الاعتقالات في زمن قاسم وعبدالسلام حيث نقرة السلمان، الى الحقبة البعثية .

و لأن بيت الشبيبي من عائلة دينية أبت والدته ان يذهب هو وابيه الى المحكمة الا بعد ان يمروا تحت القرآن الكريم إيماناً منها انهم سيكونون بالحماية والحفظ وغالباً ما كانت تندب (ابو الفضل العباس) لكي يخلص لها زوجها وابنها . والدة الاستاذ محمد الشبيبي، عانت من الويلات والحرمان والعذاب والخوف وربما الجوع، الامر الذي جعلني اكثر من مرة احقد على الشبيبي ومواقفه الصبيانية.

 

إنطباعاتي حول الكتاب: لا انكر ان الشبيبي وظف قضاياه توظيفاً مناسباً جداً وأعتقد ان ذاكرته كانت نشطة جداً، فهو قد تحدث بالاسماء والارقام أكثر من مرة، لكنه وليعذرني على صراحتي، كان متهوراً جداً، سحب بلاءات وعذابات الدنيا وأمطرها على أهله، لم يستطع ان يتأثر بوالده بشكل جدي واقعي إنما كان تأثيراً شكلياً، والده كان في الخمسينات من العمر ومن خلال الترجمة له عرفت انه رجل في قمة الوعي والمسؤولية، حيث كان هدفه الحياة الواقعية وليس المثالية التي أغرم بها ابنه .

يذكر في الصفحة 200، ماذا قال له والده (عندما فصلت من التعليم سنة 1947 قررت ان أمارس اي عمل لإعالتكم لا ان افعل مثل البعض حيث سحب ابناءه من المدارس وشغلهم في بيع النفط بالشوارع، فرأس مالي هو انتم)

المأساة الكبيرة التي جرها المؤلف على نفسه وعلى أهله، ابعدته عن وطنه، واعتقد انه ينتمي للغربة أكثر مما ينتمي للوطن الذي سجن وعذب من أجله .

كان بودي الكتابة أكثر عن قساوة الزمن مع الاستاذ محمد الشبيبي، بودي ان اسأله عن كيفية إنضمامه للحزب الشيوعي؟ هل كانت شعارات الشيوعيين ومثاليتهم العالية حقيقية أم مجرد إستهلاك لغرض كسب العدد الاكبر من الناس؟

لأنه ذكر اكثر من مرة كيف انه وجد ان أقوال وشعارات الشيوعين تحطمت مع اول موقف حقيقي، كيف تخلى الطلاب عنه في الانتخابات، المحسوبية في البعثات الدراسية، خروجه من المعتقل خالي اليدين، محاولة تشويه سمعته من قبل احد الشيوعين المعتقلين معه .

لا أشك ان الاستاذ الشبيبي الذي إجتاز السبعين قد مخضته الحياة أكثر من مرة وتعرف على معادن بشر مختلفة . أدرك تماماً ان الاطاحة بعقل الشباب أسهل وربما لا مقارنة مع عقول الناضجين والاكبر سناً .

 

إشارة لابد منها:

يعتمد الدعاة دائماً،إسلاميون وعلمانيون،على الشباب الذين لم تجلدهم الحياة بعد والتي لم يخوضوا بها تجارب تمكنهم من إكتشاف ومعرفة القدر الاكبر من كيفية التعامل مع القضايا المهمة . تعتمد هذه الدعوات على طيش هؤلاء الشباب ونزقهم ومواقفهم التي لا تعرف التأني، فتزج بهم وبقساوة في مشروع أسمه الموت من أجل القضية !

بينما يتهرب اصحاب القضية وربما يتفرجون على سذاجة ونزق الشباب المساكين وكيفية سلخ جلودهم في المعتقلات .

كنت أحسب ان الظاهرة الدعوية مسجلة باسم الاسلاميين فقط، لكني وجدتها عند الشيوعيين في تلك الحقبة ماثلة وبقوة، في استلاب عقول الشباب وجعلهم مشاريع موت وقتل .

ذكريات الزمن القاسي كتاب فيه تحريض للواعيين وللحكومات الحريصة على ابنائها، ان الشباب هم العمد الحقيقي لبناء الاوطان بالوقت نفسه هم الخاصرة الرخوة لتمرير مشاريع هدامة وفتاكة للوطن .

الزمن القاسي كتاب انصح كل الواعين والشباب بالتحديد لقراءته لأنه تجربة شخصية قادها وتحمل أعباءها ووزر أخطاءها المؤلف الاستاذ محمد الشبيبي .

أعذرني يا صديقي فقد عشت مع محنتك اكثر مما عشت معك وتفاعلت مع أهلك ووالديك أكثر منك، وتألمت على ضياع مستقبلك الدراسي وانت الطالب الذكي أكثر من تألمي عليك وانت تجلد في أقبية السجون .

اتمنى عليك ان تكتب عن إنطباعاتك وأخطائك عن تلك الحقبة وكيف تنظر لها الان .

 

مصطفى العمري

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم