صحيفة المثقف

كاظم شمهود: نوري الراوي.. من اقطاب الفن العراقي المعاصر (28)

khadom shamhodنوري الراوي واحد من رموز الفن العراقي الحديث وهو آخر من تبقى من تلك النخبة الريحانية التي ارست قواعد واسس الفن العراقي المعاصر فعندما ننظر الى سيرته الفنية وما قدمه للحركة الفنية العراقية والعربية نشعر بالصغر واللاشيئية .. ولد عام 1925 في مدينة راوة وتوفى سنة 2014 في بغداد عن عمر 89 سنة كانت حافلة وزاخرة بالعطاء المميز والفريد .. كان ناقدا فنيا له اسلوبا جميلا يذكرنا باسلوب الروائيين المصرين، الف الكثير من الكتب الفنية واشرف على عدد من الصحف كسكرتير تحرير، وهو اول من احدث الصفحة الفنية في الصحافة العراقية وكان يدير برنامجا تلفزيونيا – للفن التشكيلي - لمدة ثلاثين سنة 1957 الى 1987، كما اسس المتحف الوطني للفن الحديث وكان اول مديرا له،- وغيرها من الاعمال ... .

 1136-rawi1

مدينة راوة:

تقع راوة غرب العراق على ضفاف نهر الفرات على بعد حوالي 320 كم وهي تابعة لمحافظة الانبار وكانت تسمى – الرحبة – ثم سميت راوة كون القبائل العربية البدوية تأتي اليها لتروي من مياهها المتدفقة عبر نواعيرها المنصوبة على ضفاف نهر الفرات وتسقي ماشيتها .. ويذكر بعض المؤرخين منهم اليعقوبي والاصفهاني  ان راوة سكنتها قبائل عربية حسينية سادة من سلالة الامام موسى الكاظم بن جعفر الصادق –ع- ولكن السؤال هو كيف اصبح اهل راوة سنة وهم علويون؟؟ . والجواب هو ان بعض العشائر العراقية العربية والتي كانت من مذهب واحد انقسمت الى شيعة وسنة وتعايشت بسلام وامان .. واتمنى ان يعي هؤلاء الذين يلعبون على الوتر الطائفي بانهم مخطؤن وانهم لا يستطيعون التفرقة بين الارحام .. وما الحشد الشعبي المقدس الا صورة ناصعة تمثل التلاحم الصادق والوحدة والمحبة بين ابناء العراق . 

1136-rawi2

التقنية:

غادر نوري الراوي مدينته وهو شاب ولكن بقت راوة عائشة في عمق مشاعرة وجوارحه حتى مماته . فقد عاش طيلة حياته يرسم مدينته بطريقة شاعرية سيمفونية مليئة بالتغني بحب القرية . ورغم انه درس في الخارج واطلع على مختلف الطرز الفنية والفكرية الحديثة ولكنه لم يخرج من فردوسه راوة .. فكانت مدينته مصدر الهام وانعتاق لمشاعره الدفينة  طيلة حياته الفنية . وكان يعمل دون كلل او ملل، ورغم تشابه لوحاته لكن كل مرحلة نراها مصحوبة بنضوج حسي وفكري ..

تنفذ اعماله بشكل تمثيلي وتجريدي ويطغي احيانا عليها الطابع الهندسي والبناء المتراكب، منائر، قباب، اقواس، نواعير، منازل صاعدة نازلة، ازقة . مشاهد كأنها في وقت الغسق حيث ان اجمل ما يرى من الالوان الحالمة والرومانسية هو وقت الغسق..

(جاءت معذبتي في غيهب الغسق ... كأنها الكوكب الدري في الافق) ابن الخطيب الاندلسي

وكان الراوي يفضل رسم القباب البيضاء التي شيدها البنائون الشعبيون لما تنطوي عليه من مشاعر واحاسيس فطرية جميلة فقد اكتشف اسرار اللون والضياء الساطع في تلك المدينة النائية والمرمية في اطراف الصحراء على ضفة نهر الفرات . كما اكتشف قيمة التراث المحلي وجماليته يضاف الى ذلك العاطفة والطفولة والتي كان لها دورا في الحنين الى راوة .

 

آخر حياته:

عاش الراوي طيلة حياته في العراق ولم يتعرض للنظام السابق بنقد او او تعارض حيث بقى مهادنا ساكتا ... وعندما سقط النظام الصدامي عام 2003 سافر مرتين مع مجموعة من المثقفين الى دمشق والتقوا مع نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام واعلنوا الولاء له وان يكون هو راعي الثقافة والفن للعراقيين، ثم تغيرت الامور .. وفي آخر ايامه كان حائرا في تراثه الفني الى اين سيصبح مصيره .. فيقول انه حزينا لان بيته يحتوي على ارشيف ضخم ونادر لتاريخ الفن العراقي وهو يطالب المسؤولين بالحفاظ عليه ولكن لم يرد عليه احد .. (وارتحل الى عالم الصمت الابدي وانا اردد ملقى على طرفات راوة ... استجير ولا اجار) .. وكان يفكر ان يترك تراثه الفني بيد منظمة اليونسكو التابعة للامم المتحدة فاتصل بمكاتبها في بغداد وعمان وبيروت ودمشق ولا نعرف بعد ذلك كيف انتهت تلك الحوارات الا اننا (سمعنا) ان وزارة الثقافة قد حصلت على مجموعة من اعماله .. توفى نوري الراوي عام 2014 في بغداد ولكن بقت اعماله كمدرسة ومؤشر لمرحلة مهمة من تاريخ الفن العراقي الحديث .

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم